لم يقو الجسم النحيف للمرأة الثلاثينية الحامل بتوأمين، الوافدة على المستوصف الصحي المحلي بأكدز، على مصارعة نزيف حاد ألم بها أثناء محاولة وضع فاشلة، أشرفت عليها قابلة تقليدية بتراب إحدى الجماعات القروية المجاورة، استمرت لأكثر من بضع ساعات، وفارقت الحياة حتى قبل أن تصل إلى المستشفى الإقليمي سيدي احساين بورزازات، الذي نقلت إليه بتوجيه من الطبيبة المداومة بالمستوصف المحلي بأكدز بسبب حالتها الصحية المتدهورة، وفي الطريق إلى هناك لفظت آخر أنفاسها بعد أيام من المعاناة، مع تداعيات محاولة الوضع الفاشلة، والسبب غياب مصلحة لتخزين وتحاقن الدم بالمستوصف المذكور. حالة وفاة أخرى، شهدتها أكدز خلال نفس الأسبوع، وهذه المرة، بعد وصول الهالكة، وهي في عقدها الثالث، قيد حياتها، إلى المستشفى الإقليمي سيدي احساين بورزازات، بعد أن وجهت إليه هي الأخرى، من المستوصف المحلي بأكدز، على خلفية تعرضها لمضاعفات حمل خطيرة، رغم أن كل الظروف الصحية للأم والجنين كانت تبشر بولادة طبيعية، حسب مصدر من المستوصف في حديث مع «الأحداث المغربية». حالتا الوفاة، أعادتا إلى الواجهة إشكالية ضعف فرص الولوج إلى العلاج والتتبع الصحي خلال مراحل الحمل، الأمر الذي يعتبر أحد مسببات ارتفاع عدد وفيات الأمهات بالإقليم. كما أوضح الحادث أن مبدأ مجانية التوليد الذي تنص عليه وزارة الصحة، ليس مطبقا على المستوى العملي، طالما أن حالتا الوفاة، تعرضتا لمضاعفات حمل خطيرة، تم على إثرها نقلهما إلى المستشفى الإقليمي سيدي احساين بورزازات، حيث كانت عائلتيهما على موعد مع أداء مبالغ مهمة كتعويض. الحادث أيضا، يستدعي مباشرة التفكير في موضوع إعادة تأهيل القابلة التقليدية في القرى، بما أن سوء تقدير إحداهن وجهلها ساهم في وفاة إحدى الضحيتين.وبشأن ما يمكن وصفه بالتسيب والإهمال الذي قد يكون أحد أبرز العوامل التي ساهمت في حادث وفاة المرأتين، استبعدت مصادر طبية من المستوصف الصحي المحلي بأكدز الأمر. من جهة أخرى، اعتبرت أن غياب العناية اللازمة بصحة الأم والمولود، يرجع، إلى الاكتظاظ الناتج عن توافد ما بين 40 و60 امرأة شهريا على قسم الولادة، والذي يتوفر على قاعة وحيدة للولادة، مقابل افتقار المستوصف، لآلات خاصة بقياس دقات القلب ولضبط المخاض، إلى جانب انعدام الحضانات للمواليد وغياب الأطر الطبية المتخصصة والمؤهلة، حيث غالبا ما تشرف على عملية الولادة مولدة، تنعدم فيها القدرة على التحكم في مضاعفات الوضع، ومراقبة صحة الوليد، بالنظر لتكوينها المهني المحدود. هذا وبمجرد إلقائك نظرة خاطفة على «قاعة» الولادة بالمستوصف الصحي المحلي بأكدز، تتملكك الرهبة مما تسمع وتشاهد، نساء يجبن بهو القسم ذهابا وإيابا، نساء تئن من الألم، ولاحياة لمن تنادي. الممرضة المشرفة ألفت تلك الأصوات بقاعة الولادة، وتعتبر، أن ترك الحوامل يتوجعن، كما حدث مع إحدى الضحيتين، يسهل عليهن عملية الولادة بطريقة طبيعية دون اللجوء إلى عملية قيصرية.إذا كان هذا ما كشف عنه مصدر من داخل مستوصف أكدز، الذي يعد أحد «أعمدة» المؤسسات الصحية بإقليم زاكورة، فالتساؤل عن أوضاع المراكز الصحية الخاصة بالتوليد في المناطق النائية، يجيب عن نفسه... من جهة أخرى، علمت «الأحداث المغربية» أن طبيبة بالمستوصف المذكور، حديثة التعيين، وهي تنحدر بالمناسبة من مدينة مراكش، تقدمت بطلب إعفائها من مهامها لمرتين على الأقل، إلا أن المصالح المختصة لم تؤشر عليه بالموافقة. مما يطرح مجددا إشكالية استقرار الأطباء العامين والاختصاصيين بإقليم زاكورة، حيث يشكو أطباء الإقليم من ظروف عمل غير مشجعة بالمرة، والتي على رأسها مشكل السكن الملائم الذي يشكل أكبر العوائق أمام استقرار الأطباء والأعوان شبه الطبيين، ويعرف الإقليم نزيف حاد في الموارد البشرية بسبب ما يعتبر ظروف العمل غير المشجعة، حيث يعرف الإقليم منذ مدة مغادرة بعضهم دون عودة. وتبقى مجهودات الدولة في هذا الصدد غير كافية في نظر هؤلاء لجلب واستقرار الموارد البشرية الطبية، في غياب ما يعرف بالشروط التحفيزية التي قد تساهم في استقرار هؤلاء الاختصاصيين من سكن وشروط عمل وامتيازات توصف بأنها «جد هزيلة». ولأجل حل بعض مشاكل الصحة بأكدز، دائما، يطالب السكان بإحداث مستشفى محلي، يتوفر على الموارد البشرية والأقسام والتجهيزات الكافية، بما في ذلك، مركز لتخزين وتحاقن الدم، ليتم وضع حد لمعاناة المرضى، وخاصة النساء الحوامل.