عندما انتهت من كلامها قال لها الأب غي جيلبير «أنت نمرة أمازيغية». تلك هي الكلمة الجميلة التي وجدها الأب الشهير بمواقفه المناضلة الشجاعة لكي يصف بها الحماس الذي دافعت به فضيلة عمارة عن فكرة منع النقاب في فرنسا ولكن كذلك «في بلدي الأصلي الجزائر وفي المغرب». صرخت فضيلة عمارة ليلتها في وجه الصحافي والناشر إيريك نولو الذي يعرفه متتبعو برنامج «لم ننم بعد» على قناة «فرانس 2»، وقالت له «أنت تنسى اليوم كل الدماء التي سالت من أجل الحرية في فرنسا, وتريد أن تعيدنا إلى زمن نستعبد فيه النساء». قال لها نولو الذي أراد الاختفاء وراء فكرة إن لكل واحد الحق في أن يرتدي مايشاء إن «المنقبة مثلها مثل التي تتعرى يمتلكان حق اختيار اللباس الذي يوافق هواهما», فأجابته «لاأحد غبي في هذا النقاش, عليك أن لاتنسى أن النقاب ليس لباسا فقط, إنه رسالة سياسية قادمة من جماعة أنت تعرفها وأنا أعرفها وكلنا نعرفها ولاأحد منا يستطيع أن يقول إنه يجهلها, لذلك علينا أن نكون واضحين: هل نحن مع قتل النساء وإخفائهن لأنهن عورة أم لا؟». لم يجد نولو بعدها كثير كلام ليجيب به فضيلة عمارة، التي ركزت على أن النقاب ليس فرضا إسلاميا ولاوجود له في الشريعة الإسلامية إطلاقا, مشيرة إلى أنه لباس أفغاني دخل العالم العربي مع موجة الكذبة الكبرى التي كانت تسمى الجهاد الأفغاني, ووجد في العقول العربية المريضة من يتبناه ويعتبره الحل النهائي لمشكلة المرأة في وطننا العيان: أن نخفيها عن الأعين تماما لكي يرتاح السيد الرجل ولاتثور غرائزه في كل حين. الكاذبون الذين يختفون وراء شعارات الحرية في اختيار المرأة لزيها يتناسون قصدا أنه لامعنى للحديث عن الحرية وأنت تعتبر جزءا ثانيا وأساسيا من المجتمع «عورة لابد من إخفائها», والكارثة العظمى هي أنه لاوجود لأي آية أو حديث نبوي يأمر المرأة بارتداء النقاب, لكن الجماعات المتطرفة التي يلزمها التهويل بأعداد المتعاطفين معها, ويروقها أن تقول باستمرار إن طروحاتها تلقى إقبالا في نفس المواطن العربي, لاتكترث بعدم وجود هذا النص الصريح, إذ الأهم في نظرهم أن يوجد نص ألقاه مفتي جاهل لايفرق بين فرائض الدين وبين سننه. وحتى حين تجرأ الراحل مفتي الجامع الأزهر وأحد كبار العلماء الذين مروا على هذه الأمة الجاهلة الشيخ طنطاوي وقال إن «النقاب عادة وليس عبادة» ثارت ثائرة القطيع, وسمع الرجل كثير شتائم وسباب رد على مطلقيها بالقول الحليم «هذا ماعلمنا الله إياه, فأتونا بما أنتم عالمون». لم يجيبوا لأنه لامجال اليوم في تابوتنا الممتد من الماء إلى الماء لأي إمكانية للنقاش الحر المتفتح القادر على قول كل شيء. المجال مفتوح فقط للتخوين والتكفير والسب والشتم, وفيما عدا ذلك لاشيء. عندما سألو الجزار الفرنسي ذا الأصل الجزائري عن نسائه الأربع أجاب «هن لسن زوجاتي, إنهن عشيقاتي فقط». أحدهم أعطى للباس الفتوى بأنه يحق له الكذب لئلا تجرده فرنسا من جنسيته هو الذي ارتكب جريمة التعدد في مجتمع لايقبلها, لكن الفتوى لم تقل لنا نحن الذين نحفظ الحديث النبوي الشريف عن «المؤمن الذي لايكذب» كيف سمحت لهذا «الأخ بالكذب أولا وكيف سمحت له إن كان صادقا أن تكون له عشيقات في الحرام, وحد الزنا للمحصن هو الرجم حتى الموت مثلما نعرف؟ فما العمل بالتحديد في مثل هذه النازلة؟». في الحقيقة لاأهمية للكذب على الدين بالنسبة لهؤلاء فهم أصلا اختاروا الدين ستارا لكي يدخلوا به ميدان السياسة وهم يعرفون أنه وسيلة وصول فقط, لأنهم ليسوا مثلنا نحن المسلمون البسطاء الذين نعتقد أن الدين الإسلامي مقدس وأنه دين عبادة وأنه ينبغي أن يظل بعيدا عن التدنيس بوسخ السياسة وألاعيبها الكاذبة. وهذا هو أس النقاش. المسلمون العاديون الذين يعتبرون دينهم مقدسا بالفعل وأمرا أجل وأخطر من المقامرة السياسية به, في مواجهة من يعتبرون أن كل شيء حلال بالنسبة إليهم في سبيل الوصول بإيديولوجيتهم المتطرفة إلى هدفهم المعلن وأهدافهم المضمرة: أن يصلوا أولا إلى بعض من الحكم بالاقتراع وتمثيل دور المقتنع بالحرية والديمقراطية, وبعدها أن يجهزوا على كل شيء. أن يحولوا نساءنا إلى توابيت سوداء متحركة ورجالنا إلى أناس يعتقدون أن طول «شطابة» الوجه دليل على قوة الإيمان. رحم الله المتنبي، فقد كان متيقنا أننا سنصل إلى يوم نترحم عليه فيه باستمرار ونحن نردد «ياأمة ضحكت من جهلها الأمم», أو لكي نتحدث لغة هذا الوقت ومثلما يقول الشعار الشهير «حمار وجاهل ومافاهم والو, وبخير».