فضيلة عمارة، أو «محبوبة الضواحي»، التي لم يتردد ساركوزي في اختيارها لتكون سكرتيرة الدولة الفرنسية في شؤون المدينة، والتي تعتبر اليوم المسؤولة عن تحسين صورة ساركوزي في الضواحي الباريسية، تعبر في هذا الحوار عن مشاكلها مع اليسار الفرنسي، وعن علاقتها بزميلتها المغربية رشيدة داتي، ونظرة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إليها، وعن زيارتها لإسرائيل، ومشاكلها مع بعض الوزراء الفرنسيين الذين يطالبونها بتحسين طريقة كلامها «السوقية». < في استطلاع للرأي أنجزته مؤخرا مجلة «جون أفريك» ومركز «إفوب»، صرحت شريحة واسعة من الفرنسيين ذوي الأصول الإفريقية أنك تعتبرين الوزيرة الأكثر تمثيلية لهم. ماهو تعليقك على هذا الأمر؟ - بداية هذا الأمر يسعدني، خصوصا عندما يجد أناس أنني أشبههم، وهذا يعني أنه ليس هناك فرقا بين فضيلة عمار الرئيسة السابقة لجمعية «لسنا عاهرات ولسنا خاضعات»، وبين فضيلة عمارة الوزيرة في حكومة ساركوزي. ويشرفني كثيرا أنه لم تحدث هناك قطيعة بين حياتي السابقة وحياتي الحالية. أريد أن أبقى كما أنا. < هل هي شرعية منحت إياها بعد ولوجك الحكومة؟ - بالتأكيد. الدليل هو أنني ورشيدة داتي و«راما يادي» لنا مصداقية في ما نقوم به وفي المهام التي كلفنا بها رئيس الجمهورية والوزير الأول. < ولكن في كل الأحوال يبقى هناك اختلاف بينكن أنتن الثلاث. أنت على العموم المفضلة عن داتي ويادي؟ - ربما لأنني دائما على اتصال بالناس في الميدان، لكي نعد مشروع «أمل الضواحي»، وهذا تطلب مني أن أكون باستمرار في الأحياء الشعبية. < الناس يحسون أنك قريبة منهم لأنك تشبهينهم: تلبسين مثلهم، تتحدثين لغتهم... < أتمنى أنهم يتكلمون أحسن مني! أظن أن هذا الجانب الطبيعي والمرن في شخصيتي هو ما يفضلون، على الأقل هذا ما يصرح به لي سكان الضواحي وسكان الطبقة المتوسطة المهاجرون، في كل الأحوال أنا كما أنا وسأستمر هكذا. < وكيف تنظرين إلى زميلتك رشيدة داتي التي ظهرت بملابس ديور الفاخرة على العدد الأخير ل«باري ماتش»؟ - لكل وجهة نظره في الأشياء. وبالنسبة إلي، ليس هذا هو تصوري لرجال ونساء السياسة، ولكن في النهاية الكل يفعل ما يريد. < ماهي علاقاتك ب«أختيك» رشيدة داتي وراما يادي؟ - أنا أحترمهن. ونحن الثلاث نمثل التعددية في الحكومة الفرنسية، وهنا يجب «أن نعيد لقيصر ما هو لقيصر»، وينبغي ألا ننسى أن الرئيس ساركوزي كان شجاعا حين اختارنا لنكون في الحكومة، وإلا لكنا نحن الثلاث بقينا ننتظر طويلا. < لكن لا بد لشعبيتك أن تجلب إليك حسد الآخرين؟ - ليس هناك ما أحسد عليه فأنا مجرد سكرتيرة دولة في مدينة. < وماذا عن بقية أعضاء الحكومة؟ - أحيانا هناك بعض الصعوبات، ولكن لا أظن أن أحدا سيحسدني لأنني ولدت فقيرة. < الطبقة السياسة تنتقد فيك أنك ما زلت تستعملين مصطلحات «بذيئة» في حديثك. ما جوابك؟ - الوظيفة تفرض علي تغيير بعض الأشياء، لكنني سأستمر في الحديث إلى الناس كما أسمعهم، لأتمكن من ملامسة أحاسيسهم ومناقشتهم، في إطار الاحترام بالتأكيد. < هل من قبيل الصدفة أنه بعد أن نهرت أحد الأشخاص في الضواحي قائلة «بلعا» (اقفل فمك)، تبعك الرئيس وسب أيضا أحدهم قائلا «اذهب أيها الخنزير»؟ - بماذا تريدني أن أجيبك؟ أنا لم أسلم المشعل إلى الرئيس، أنا أكثر سوءا من الرئيس، لأن هذا الأخير لا يضع لسانه في جيبه، لحسن حظه. في كل الأحوال ما قام به الرئيس كان ردا على استفزازات ذلك الشخص، وتم تسييس القصة فيما بعد. < لكن وظيفة الرئيس تتطلب من صاحبها أن يمسك لسانه أكثر؟ - بكل تأكيد، لكن وظيفة الرئيس لا تعني أن تجعل كل من هب ودب يمشي فوق ظهرك. نيكولا ساركوزي هو قبل كل شيء إنسان، والاحترام ينبغي أن يكون متبادلا. < رئيستك الوزيرة «كريستين بوتان» تعتبر الإجهاض «لا إنسانيا»، ولها أفكار مختلفة عنك في موضوع المثلية الجنسية، كيف تتعاملين مع «بوتان» وأنت التي تؤمنين بالحرية والمساواة؟ - رغم أنني لا أتفق معها في كثير من الأشياء، ولا نتقاسم نفس الأفكار، إلا أنني أحترمها لأنها امرأة ذات قناعات مثلي، ونحن لا نتناول أبدا هذه المواضيع في أحاديثنا، نحن نعمل وفقط. < ولكنكما تشكلان ثنائيا غريبا، مثل الماء والزيت. أليس هذا صحيحا؟ - في هذه النقطة رئيس الجمهورية لا يحب الحالات العادية، فبالنسبة إليه أن تجمع، في مهمة واحدة، بين أشخاص مختلفين جذريا، فذلك يسمح بالقيام بمنجزات جيدة، ويكون مصدر دينامية مستمرة. < لكن هل تتعطل الأمور بينكما ام تسير على ما يرام؟ - أظن أنه لم يكن لطيفا من جانب «كريستسن بوتان» أن تصرح بأنها لا تؤمن بمشروع «الضواحي»، كما لو كان مجرد مشروع زائد في البرنامج الحكومي، في الوقت الذي كنت فيه أنا أصرح منذ اليوم الثاني لتعييني بضرورة أن تكون هناك رؤية شمولية للأمور، وأن يكون هناك إصلاح يشمل موضوعات الصحة والتربية والثقافة...إلخ. < يقولون إنه لم يكن لديك دعم كبير من طرف الحكومة؟ - أنا امراة يسارية دخلت حكومة يمينية، تحت طلب من نيكولا ساركوزي في موضوع محدد وهو موضوع «الضواحي». لقد قبلت بذلك لأنني أثق بساركوزي، وأثق بإرادته تغيير الأوضاع في الضواحي. لكنني دخلت هذه الحكومة أيضا لأنني كنت واثقة من أنهم لن يجبروني على القيام بأشياء تتعارض مع أفكاري، وأنهم سيحترمون هويتي، وطريقة عيشي، وقناعاتي. < في النهاية إذن من يدعمك هو ساركوزي؟ - نعم. وفي الواقع عندما بدأ الجدال حول موضوع الهجرة، طالبت العديد من الجهات، من اليمين كما من اليسار، باستقالتي من منصبي، وكان الرئيس ساركوزي هو الوحيد الذي لم يتنازل، لأنه يحترمني كما أنا. < الحكومة وضعت مخططا من أجل «هجرة منتقاة» على أساس «الكوتا»، هل أنت مرتاحة لهذه السياسة الجديدة في الهجرة؟ - مفهوم «الهجرة المنتقاة» لا يزعجني لأن الهجرة كانت دائما منتقاة، وبكل صراحة أنا مع تدبير الهجرة التي تسمح للناس بالبقاء في بلدانهم وعدم تركها، كما أن المخطط الموازي لمشروع «الهجرة المنتقاة»، الذي ستشرع الحكومة في تنفيذه، لم يفهم جيدا. في المقابل أنا ضد معيار «الكوتا»، وهذا الأمر قلته عندما كنت لا أزال على رأس جمعية «لسنا عاهرات. لسنا خاضعات»، وعدت وأكدت نفس الموقف عندما انطلق النقاش حول موضوع الهجرة، وفي هذا الصدد فإن وزير الهجرة، بريس أورتفو، يعرف موقفي جيدا من هذا الموضوع. < في جانب آخر بماذا تحسين حين يتم طرد أحد المهاجرين من الأراضي الفرنسية؟ - كلما طرد أحدهم أشعر بالألم وبكثير من الحزن. < في هذه الحالة سيقول لك السيد «بريس أورتفو»، إنه يجب عليك الالتزام بالقانون بدون ردود فعل نفسية؟ - أنا مع تسوية وضعية المهاجرين العمال من المهاجرين السريين والعائلات التي تقطن في فرنسا منذ سنوات خلت والتي تساهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لدولة فرنسا. يجب أن تعرف أنني حساسة جدا تجاه كل ما يتعلق بموضوع الهجرة، لأن عائلتي أيضا لا تملك إلا بطاقة إقامة، وأتذكر أنني عندما كنت طفلة كنت دائما أرافق والدي من أجل تجديد أوراق الإقامة، وكان ذلك بمثابة اختبار في كل مرة. < وما هي مواقف بقية الوزراء؟ - هناك من يهتمون أكثر من غيرهم بهذا الموضوع، مثل كاتبة الدولة في حقوق الإنسان «راما يادي»، والوزير المكلف بالتضامن ومناهضة الفقر «مارتن إيريتش»، ووزير الشؤون الخارجية «بيرنار كوتشنير»، وأيضا «جون لوي بورلو» وزير الدولة المكلف بالبيئة. < وماذا عن المغربية رشيدة داتي؟ - في الحقيقة رشيدة داتي تتبنى مواقف الحكومة. < من جهة أخرى هل أزعجك قرار إضافة مصطلح «الهوية» إلى وزارة الهجرة لتصير «وزارة الهجرة والهوية»؟ - ربما سوف يصدمكم جوابي لأن هذا القرار لم يزعجني ولم يفاجئني. فهذا الأمر ليس هو ما يخيفني، وهنا لا يجب أن نخلط ما بين الأعداء، لأن «الهوية» التي انضافت إلى «وزارة الهجرة» لا تشبه ذلك المفهوم «للهوية» الذي يدافع عنه «جون ماري لوبان»، وبالنسبة إلي أنا أشعر بالسعادة عندما أعلم أن وجبة الكسكس هي أول الوجبات المطلوبة في المطاعم الفرنسية. < ما صرحت به الآن خطير! - إنه على مسؤوليتي. < هل أصدقاؤك اليساريون عنصريون؟ - هي ليست قضية عنصرية وفقط، الأمر هو أسوأ من ذلك، لأنني كنت أفضل أن يواجهني اليساريون ويقولونها لي في وجهي: «فضيلة نحن لا نحبك». إنهم يجعلون دائما من قضية المهاجرين «زربيتهم»، ويجعلون منا «أبواقهم» ويقبلون أن نصير مسؤولين جمعويين، ومستشارين في البلديات، وقاعدة جماهيرية، ولكن ليس أكثر من ذلك. والمثال الجيد الذي يمكن أن أقدمه في هذا الصدد هو نموذج مالك بوتيه، رمز مناهضة العنصرية في فرنسا، والذي وضع أمامه اليساريون عوائق في الانتخابات التشريعية في 2006. لقد حان الوقت لكي يوضح اليسار الفرنسي موقفه من أبناء المهاجرين. < ما هي أهم نقاط برنامجك «أمل الضواحي»؟ - أهم الأشياء هي طريقة وضعه، بحيث التقيت مباشرة بأناس من جميع المستويات الاجتماعية: جمعيات، منتخبون، السكان...إلخ. لقد راهنا على 3 موضوعات أساسية: فك العزلة، التربية، وتشغيل الشباب. < متى ستحصلين على النتائج الأولى لمشروعك؟ - تراجع مستوى العطالة هو أهم شيء أهتم به الآن والذي أضعه نصب عيني. ومن الآن وإلى حدود نهاية سنة 2008 سنحصل على المعطيات الأولى، كما نقول عندنا بالأمازيغية «أوال داوال» (لدينا كلمة واحدة)، وسأقدم تقريرا عن كل شيء، واليوم أقوم بجولات ماراتونية في الميدان لأرى بعيني هل تتقدم الأمور، لقد اخترنا في البداية المواقع الأكثر حساسية، والمشروع سيشمل فيما بعد كل المناطق. < كيف يرى ساركوزي، «المكروه» في الضواحي، ما يحدث اليوم؟ - نظن دائما أن الرئيس هو موضوع رفض عام في الضواحي، وهذه ليست هي الحقيقة. عندما كان ساركوزي وزيرا للداخلية كان جزء كبير من الشباب الفرنسي لا يحبه. ولكنه يظهر اليوم كأحسن ضامن لإدماج واقعي لشباب الضواحي، وخصوصا من هم من أصول غير فرنسية. يمكن أن نختلف مع سياسته، ولكنه اليوم يعتبر من الشخصيات السياسية التي تدافع عن قناعاتها بشجاعة، وفي علاقة بموضوعي التعددية وإدماج الشباب فهو يقوم بالعديد من الأشياء دون أخطاء. < هل بالفعل ينظر إليه شباب الضواحي بهذه النظرة؟ - بكل صراحة، إنه الواقع. < وهل يعود الفضل إليك في ذلك؟ - حين قرر ساركوزي تعيين رشيدة داتي وراما وأنا، فذلك ساهم في تغيير صورته في الضواحي، والشباب يقولون لي ذلك ويراسلونني في الموضوع. < كيف التقيت بساركوزي؟ - هو من التقاني عندما كنت لا أزال رئيسة لجمعية «لسنا عاهرات. لسنا خاضعات» في سنة 2003، وكان يريد أن يعرف ما نقوم به في الجمعية. بعد ذلك التقيت رشيدة داتي، عندما كانت مستشارة وزير. ولم تعجبني في البداية عندما كانت تحمل حقيبة «الوقاية من الانحراف»، وكان يجب علي أن أوضح لها بصرامة أنني لست منحرفة. أفكر مثل الفرنسيين ولدي أنفة الجزائريين - من جهة أخرى ما هي مواقفك بخصوص الشرق الأوسط؟ < لقد كنت دائما مع قيام دولة فلسطينية، وإسرائيل، كدولة قوية، يجب أن تقوم بما هو ضروري لقيام دولة فلسطينية. ومع مستشاري محمد عبدي كنا من أول الموقعين على اتفاق جنيف بين ياسر عبد ربه و«يوسي بيلين»، في 1 دجنبر 2003. - لقد زرت إسرائيل أليس كذلك؟ < نعم عندما كنت رئيسة جمعية «لسنا عاهرات. لسنا خاضعات»، وقد دعاني إلى هناك بعض الأصدقاء الإسرائيليين، والتقيت أيضا بالشباب الفلسطيني وأوضحوا لي أن الأعمال المناهضة للسامية في الضواحي الفرنسية لا تخدم قضيتهم. - لقد منعت طويلا من دخول الجزائر هل هذا صحيح؟ < لقد كان ذلك بعد التظاهرة التضامنية التي نضمناها ب«كليرمون فيرون» بعد أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر، لكنني لم أتأكد مما إذا كان هناك فعلا قرار بمنعي من دخول الجزائر، ولكن أحدهم قال لوالدي إنه من الأفضل ألا أدخل الجزائر في ذلك الوقت، وسنوات بعد ذلك زرت الجزائر بدون مشاكل. - لقد كنت من بين أعضاء الوفد الذي رافق الرئيس ساركوزي أثناء زيارته الأخيرة للجزائر. بماذا شعرت آنذاك؟ < كنت أحس بالفخر بتمثيل دولة فرنسا في الجزائر. - ماذا قال لك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟ < لقد قال لي إنه يحس بفخر كبير «لتواجد ابنته الجزائرية في الحكومة الفرنسية». - في النهاية أنت فرنسية أم جزائرية؟ < الأمر بسيط: أنا فرنسية من أصل جزائري. - إلى أي جهة تميلين أكثر؟ < أفكر مثل الفرنسيين ولدي أنفة الجزائريين. بتصرف عن مجلة «جون أفريك»