حلمها في الهجرة والعيش في الخارج، قادها إلى التسرع في اتخاذ قرار الزواج من رجل بالكاد تعرفه، لا لسبب سوى أنه «زماكري»، بعد أن انبهرت بمظاهر الثراء البادية عليه، بينما راهن باقي أفراد أسرتها على ذلك الزواج لانتشالهم من براثن الفقر، غير أن حلمها سيجهض في مهده، قبل أن تتمكن من العبور إلى الضفة الأخرى. تتمتع سناء بقدر كبير من الجمال والجاذبية، ما جعل العديد من الشبان يتهافتون لطلب يدها، غير أن الشابة ذات الثالثة والعشرين سنة ظلت ترفض كل عروض الزواج التي تتلقاها بالرغم من أن المتقدمين إليها يتوفرون على العمل القار الذي يضمن لها الحياة الكريمة على أرض الوطن. «الزماكري ولا بلاش!» منذ أن غادرت مقاعد الدراسة بعد فشلها في اجتياز عقبة الباكالوريا، أصبح الزواج من مهاجر مغربي يقطن بإحدى الدول الأوربية، هو الحلم الذي يداعب مخيلة سناء، نظرا لمظاهر النعمة والثراء التي تبدو على كل «زماكري» يعود إلى أرض الوطن على متن سيارته الفاخرة لقضاء العطلة الصيفية. في سبيل تحقيق حلمها، تسلحت الشابة بكل وسائل الإغراء بدءا بالملابس المثيرة وانتهاء بأجود أنواع العطور، بحيث كانت تحرص على إظهار كل ما يجود به جسدها من مفاتن، عن طريق ارتداء الملابس الأنيقة والمثيرة التي تستعير معظمها من صديقاتها المنتميات إلى أسر ثرية، ويتوفرن على الإمكانيات المادية لتتبع آخر صيحات الموضة. مهمة سناء في البحث عن عريس كانت تبدأ غالبا في فصل الصيف، لكونه الفترة التي تشهد عودة المهاجرين المغاربة إلى أرض الوطن، خاصة المقيمين بنفس الحي الشعبي الذي تعيش فيه مع أسرتها المكونة من ستة أفراد. تصر سناء على أن تجوب مختلف الأزقة بالحي، وتحوم حول منازل «الزماكرية»، على أمل أن يلتفت إليها أحدهم، ويأتي لقرع باب بيت أسرتها لطلب يدها من والديها، حتى لا تنضم إلى صفوف العوانس كما هو الحال بالنسبة لشقيقاتها الأكبر منها سنا. تعرفت الشابة على عدد من الشبان المهاجرين بفضل مجهوداتها إلى جانب ما تتمتع به من مؤهلات خاصة، غير أن الأمر لم يكن يتعدى في أفضل الأحوال مرحلة الإعجاب الذي سرعان ما كان يتلاشى مع تكرار اللقاءات، لتتجرع سناء مرارة الفشل، وتواسي نفسها بما استطاعت الحصول عليه من هدايا وأموال خلال تلك العلاقات العابرة، قبل أن تعود إلى تكرار محاولاتها. بمباركة الأسرة استفادت سناء في كثير من الأحيان من دعم أفراد أسرتها وعلى رأسهم والدتها التي كانت تتقاسم معها نفس الحلم، وتعقد عليها آمالا كبيرة من أجل انتشال الأسرة بأكملها من براثن الفقر، وذلك بعد أن تنجح في العبور إلى الضفة الأخرى، وتساعد إخوتها العاطلين على الالتحاق بها، بحيث كانت الأم تحرص، بمجرد أن تسمع خبر عودة أحد أبنائهم من ديار المهجر، على اصطحاب ابنتها معها إلى منازل الجيران للقيام بواجب التهنئة والترحاب. راهنت الأم على أن تتوج تلك الزيارات بحدوث نوع من التقارب بين ابنتها سناء والمهاجرين الشبان وأفراد أسرهم، غير أنها كانت تخسر الرهان في كل مرة، وتفشل في مهمتها تلك، بحيث كان أولئك المهاجرون يعودون إلى بلد إقامتهم بعد أن يعقدوا قرانهم على فتيات أخريات أو يكتفوا بقضاء عطلة ممتعة في أحضان عائلاتهم. بعد العديد من الإخفاقات المتتالية، سوف تتعرف أخيرا سناء على رجل يكبرها بأزيد من عشرين سنة يعمل بالديار الهولندية، بينما تقيم أسرته في مدينة الدارالبيضاء، لتجمع بينها وبين الرجل المهاجر بعض اللقاءات قبل أن يعود إلى «بلاد الغربة»، واعدا إياها بالارتباط الرسمي في غضون أشهر. على غير ما تنص عليه العادات والتقاليد، لن يعود العريس المنتظر إلى بلده الأم ليقرع باب منزل والديها ويطلب يدها، بل سيعرض على سناء الزواج بموجب التوكيل الذي منحه لوالده، وهو الأمر الذي لن يٌواجه بالرفض من طرف الأسرة، خاصة سناء التي كان تفكيرها منصبا على الزواج من «زماكري»، ولا تعير أهمية للطريقة والظروف التي سيتم بها ذلك الزواج. أجهض حلمها دون أن يقام لها حفل زفاف، تزوجت سناء ب«لوكالة» من رجل بالكاد تعرفه، ولا تربطها به سوى المكالمات الهاتفية، الساعات القليلة التي يتواصلان فيها عن طريق الأنترنت، في انتظار أن يستكمل الإجراءات اللازمة كي تلتحق به. حالة من السعادة انتابت سناء التي شعرت بأنها اقتربت أخيرا من تحقيق حلمها، بعد أن علمت بأن زوجها سيحل بالمغرب في العطلة الصيفية، وكانت واثقة بأن زوجها سيزف لها خبر انتهائه من الإجراءات القانونية، كي ترافقه إلى مقر عيشه الدائم بمجرد انتهاء العطلة، لكن أملها سيخيب بعد أن أخبرها الزوج بأن تلك الإجراءات لا تزال متعثرة. بالرغم من ذلك، حرصت سناء على أن تقضي مع زوجها أيام جميلة، لم يفوتا فيها لحظة للاستمتاع بوقتهما من خلال السفر، قبل أن يعود الزوج إلى مقر عيشه الدائم وهو يطمئنها بأن التحاقها به سيكون في أقرب الآجال. مرت شهور عديدة، انتظرت خلالها سناء على أحر من الجمر أن يزف لها زوجها خبر استكمال الإجراءات، لكنه ظل يتجنب الحديث في ذلك الأمر، إلى أن بدأت تشعر بأنه يتماطل لسبب تجهله. قررت سناء الخروج عن صمتها بعد أن سئمت من الانتظار، وصارت تشعر بأن زوجها لن يفي بوعده لها، ليأتي التأكيد على لسانه، بحيث سيخبرها بصريح العبارة بأنه لا يوافق على التحاقها به في المهجر، ويفضل بقاءها بالمغرب، بينما يأتي هو من وقت لآخر من أجل زيارتها ومعاشرتها. عبرت سناء عن رفضها لذلك العرض، وخيرت زوجها بين تحقيق رغبتها أو الطلاق، كما قررت مقاطعته لأسابيع عديدة كوسيلة للضغط عليه، لكن السحر سينقلب الساحر، بحيث قرر الزوج أن يقوم بتطليقها بنفس الطريقة التي تم بها الزواج ب«الوكالة»، دون أن يكلف نفسه عناء الاتصال بها، ويحاول إعادة المياه إلى مجاريها في علاقتهما الزوجية. ندمت سناء كثيرا على استسلامها لطمعها، وخوضها تجربة الزواج من مهاجر لم تتسن لها فرصة التعرف عليه، قبل أن تتخذ ذلك القرار المصيري