قد تندهش عندما ترى شابًا في العشرين من عمره متزوجًا من سيدة أوروبية في الخمسين أو ربما الستين من عمرها، فلا يكاد يخلو شارع من شوارع المدن السياحية بالمغرب من عجوز أجنبية بصحبة شاب في العقد الثاني أو الثالث من العمر، الأمر الذي جعلنا نقف أمام ظاهرة باتت تكتسح المجتمع حيث ان العديد من الشباب والشابات يتزوجون من أوروبيات مسنات وبمباركة من أهاليهم،ونفس الشيء مع الفتيات فالسن لا يشكل اية مشكلة بل العكس فهو العامل الرئيسي لتمكنهم من من تحقيق حلم العبور إلى أوربا والتخلص من جحيم البطالة والفقر ... وفي هذا التحقيق نحاول أن نعرف الأسباب التي أدت إلى تلك الزيجات، وهل هي ناجحة أم تكللت بالفشل في النهاية؟ فهناك أسئلة عديدة سنطرحها على أساتذة علم الاجتماع وعلماء النفس لكي نصل في النهاية إلى حلول لهذه الظاهرة. مجرد صفقة في البداية تحدثنا إلى «ر س» (شاب في الثلاثين من عمره)، يشتغل في فندق تحدث الينا بكل جرأة وقال: «نعم تزوجت من أوروبية في الخمسين من عمرها، مقابل المال، فهي تدفع لي بسخاء، ، وتعطيني مرتبًا شهريًا ، وبهذا المبلغ الضخم أساعد في تجهيز أخواتي، والذي دفعني لذلك أنه لا يوجد أي عمل في الوقت الحالي يوفر لي هذه المبالغ التي أحصل عليه، ولأنني أرفض أن أمارس الحرام أقوم بالتعرف على الأوروبيات سواء من خلال عملي داخل الفندق أو في أماكن تجمعهن بالنوادي والحانات، وبعد توطّد العلاقة أقوم بالزواج منها وأطلب منها أن تساعدني بالمال، وأعدها أنني سألحق بها بعد أن تغادر إلى بلدها، وبمجرد أن تركب الطائرة أقوم بتطليقها..». أما «ر م « (36 عامًا)، وحاصل على الإجازة يقول: في البداية بعد تخرجي من الجامعة وبعد أن أخفقت في أن أجد فرصة عمل بمؤهلي لم أجد سوى العمل في مجال السياحة، متمنيًا أن أتعرف على أي سيدة تريد الزواج مني، ولم تمر فترة طويلة حتى تعرفت على عجوز أوروبية تكبرني بعشرين عامًا، ومن البداية اتفقنا على أن تقوم بمساعدتي ماديا و أن أسافر معها لبلدها . استمرت علاقتنا حتى حققت حلمي، وافتتحت مطعمًا وهو ملكي الخاص، والآن أبحث عن فتاة كي أستقر معها وأكمل باقي حياتي بجانبها، ولن أفكر ثانية في الزواج من أجنبية..». سحر اليورو أما «ف ن» (29 عامًا) فيقول وبدون أي خجل السبب الذي دفعني للتفكير في الزواج من أجنبية حتى لو كانت مسنة هو البطالة وعدم قدرتي على تحقيق طموحي ، فبعد حصولي على إجازة في الحقوق، ووقوفي لسنوات في طابور العاطلين، حتى ضاقت بي الدنيا، وعملت في شركات ومكاتب المحامين...لم أجد إلا الحلم بالعبور إلى أوربا، ومن هنا نصحني احد زملائي أن أبحث لي عن عجوز أوروبية كي أنعم بما ستعطيه لي من وضع مادي مريح، وبالفعل أصبحت بالنسبة لي مهنة بجانب عملي ، حتى تمكنت من التعرف على احدى السيدات الأوروبيات والزواج منها، وعندما سألناه: هل ندمت على هذه الزواج؟ قال بصراحة وجرأة: «لست نادمًا على الإطلاق، بالعكس ندمت بانشغالي بالكلية التي لم أجن منها سوى شهادة الإجازة..». تذكرة عبور للضفة الأخرى أما»ب ر « (33 عامًا)، فيرى أن التعرّف على المسنات حقق له حلم حياته في السفر إلى القارة الأوروبية، ويقول: «ارتباطي بالزواج من امرأة أوروبية جعلني أحقق حلم حياتي في السفر إلى إيطاليا و فرنسا ، وفي خلال خمس سنوات كنت قد حصلت على أوراق الإقامة الدائمة في بلدها الأوروبي، وأصبحت أعود للمغرب وأسافر إلى أوروبا بكل سهولة، ولم أكن سأحقق هذا الحلم إلاّ بهذه الزواج، وآجلاً أو عاجلاً سوف تنتهي هذه العلاقة التي اعتبرها مجرد تجربة ناجحة في حياتي». طوق نجاة من جانبه أكد ادير عنوش ، أستاذ باحث في علم الاجتماع أن معظم الشباب الذين يأتون إلى المدن الساحلية كأكادير أو مراكش أو أي مدينة سياحية أو الشلالات ، يكون هدفهم الأساسي ليس السياحة، ولكن البحث عن سيدة أجنبية للزواج، ولا يبالون بسن تلك السيدة، فهي تمثل البنك الذي يمدهم بالدولارات والعملات الأجنبية، وأضاف الأستاذ : «فالعجوز الأوروبية بالنسبة لهؤلاء الشباب هي طوق النجاة الذي يحقق لهم جميع أحلامهم وطموحاتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها منذ تخرجهم من الجامعة، وهي لا تطالبه بمهر ولا أي متطلبات مادية، بل في سنة واحدة يحصل الشاب على مبالغ طائلة، خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة، وأنا لا أعطي مسوغّات لهؤلاء الشاب، ولكني أحاول توضيح ما يفكرون به، فهذا الزواج بالنسبة لهم، وإن كان بالطبع غير متكافئ، الاّ أنهم يرون فيه صفقة رابحة». وحول خطورة هذه الظاهرة يضيف الأستاذ عنوش : «تكمن خطورة الظاهرة في انعكاس اثارها على المجتمع ككل؛ لأن الشباب يقلدون بعضهم البعض، وسيصبح هذا الزواج مغريا لكثير من الشباب، خاصة المحبطين منهم بسبب فشل المجتمع في منحهم العمل المناسب، وإخفاقهم في الزواج من فتيات في نفس أعمارهم؛ لطلبات الأهل التي لا تنتهي ، فأصبح الشاب يرى في كل هذه المغريات حلا لازماته المادية، هذا من جهة من جهة اخرى سيؤدي هذا النوع من الارتباطات إلى تزايد نسب العنوسة بين الفتيات اللواتي هن أولى بهؤلاء الشباب.. وعن سؤال حول الحلول لهذه الظاهرة أجاب الاستاذ ادير عنوش : «على المسؤولين إطلاق حملة للتوعية بأخطار الزواج من أجنبيات، ومواجهة الظاهرة، والحد من تناميها، ولابد وأن تتضمن الحملة الاستعانة بالعلماء والمؤسسات الإسلامية، ولجان المرأة بالأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني، لإقناع الشباب في سن الزواج بأفضلية الاقتران بفتيات البلد «. سيادة القيم الاستهلاكية وطغيان الماديات وراء رغبة زواج الشباب من اجنبيات من الوجهة الشرعية اكد استاذ عنوش باحث في علم الشريعة أن إقدام الشباب على الزواج من أجنبية مسنة أو غير مسنة، من أجل الانتفاع بمالها أو بجنسيتها، يأتي نتيجة ظروف الحياة وتقلباتها؛ إذ أصبح العصر ماديًا أكثر منه زمنًا للقيم والفضائل، وطغيان الماديات وسيادة القيم الاستهلاكية هما المتهمان في انجراف الجيل الجديد وراء هذا المبدأ الذي يجعلهم يتزوجون وفق النظرة النفعية، ويتناسون الهدف الأسمى من وراء الرباط المقدس؛ فمن الضروري توعية الشباب تربويًا واجتماعيًا بمفهوم الزواج الصحيح، الذي يكفل دوام العشرة، ومن المهم تربية أبنائنا وبناتنا على القيم الفاضلة». وعن الحكم الشرعي أشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: »تُنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك«، هذا الحديث يحض على تفضيل الدين والأخلاق على المال والجمال، وقد أكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الرجل الذي يتزوج امرأة لاستكمال دينه ولغض بصره يبارك فيه وفيها، ومن يتزوج امرأة لحسبها ونسبها لم يزده ذلك إلاّ ذلاً وفقرًا. فهذا القول الحكيم يرينا أهمية الاختيار لمن أراد الزواج الذي يُراد به الدوام والاستمرار؛ لأن الزواج ليس نزوة أو مصلحة وتزول، بل هو أسمى من ذلك؛ ففيه سعادة الدنيا والآخرة وسكن النفس».