فتيات اخترن لقب «العانس» بمحض إرادتهن، تفاديا للوقوع في زواج محكوم عليه بالفشل منذ البداية.. لديهن شروط وضوابط لا يمكنهن التخلي عنها، كما أنهن وضعن أوصافا معينة ل«فارس الأحلام» لا يمكن تجاوزها أو التخلي عنها، وكل من لا يحمل هذه الصفات فهو عريس غير مرغوب فيه... تمر السنوات ويتقدم بهن العمر، ومع ذلك، لا يعرفن معنى التنازل ولا الهزيمة، فهناك ما يشغل بالهن في الحياة بدل الزواج، غير مباليات ولا مكترثات بما يدور حولهن من أقاويل وإشاعات... تعيش «صوفيا» وحيدة بدون شخص يؤنس وحدتها، لكنها لا تشعر بأن الأمر يعيق سير حياتها، فقد اعتادت أن تعيش «وحيدة» وأن تعتمد على نفسها في كل صغيرة وكبيرة، دون الحاجة إلى رجُل في حياتها: «لا أشعر بأن عدم زواجي يعيق حياتي»، تقول هذه الشابة، بلغة موليير، وهي تتذكر تفاصيل قصة حياتها: «كانت أول مرة سأعيش فيها وحدي عند انتقالي إلى باريس لدراسة الفنون الجميلة». وقعت هذه الشابة، وقتها، في حب زميل فرنسي وعاشا مع بعضهما البعض لسنوات عدة، لكن هذه الشابة قررت أن تعود إلى المغرب، بعد وفاة والدها، من أجل استلام شركته، لأنها الابنة الوحيدة: «عدت إلى وطني وحيدة، لأن حبيبي رفض العيش في المغرب»، تقول «صوفيا»، بازدراء. قررتْ ساعتها أن تغلق باب قلبها في وجه الحب، بعدما صُدِمت في حب عمرها، بعد أول امتحان مرا به: «فقدتُ الثقة في الرجال، فحبيبي تركني عند أول اختبار تعرضتْ له علاقتنا»، تقول «صوفيا»، وهي ترفع حاجبيها. فقد حزمتْ حقائبها عائدة إلى وطنها الأم، مسكونة بخيبة أمل ولّدت لدى «صوفيا» (39 سنة) إحساسا بالخوف من المستقبل ومن إمكانية الزواج والارتباط: «لا أريد أن أتزوج لأنني أخشى الانفصال»، تقول «صوفيا»، وهي تنفث دخان سيجارتها، قبل أن تتابع: «لن أستطيع أن أتحمل خيبة أمل جديدة، على الأقل أنا منغمسة في العمل». ولعل هذا الأمر لم يكن هو السبب الوحيد الذي جعل «صوفيا» تختار حياة العزوبية، فحبها للتحرر وعدم قدرتها على تلقي الأوامر من الآخرين جعلاها لا تتراجع عن قرارها: «الرجال، عامة، يحبون إملاء قراراتهم على النساء، دون مناقشة». وتضيف «صوفيا» أنها لا تتقبل هذا الأمر، فلطالما عاشت في كنف أسرة تحترم الرأي الآخر وتمتعت بحرية النقاش والتعبير عن أفكارها، رغم اختلافها مع توجه أفراد أسرتها، وكان الأمر يقابَل بالترحيب من طرف والديها، اللذين علّماها التمسك بحريتها في التعبير عن معتقداتها، ولهذا فقد وجدت «صوفيا» صعوبة في إيجاد شريك يتقبلها «كما هي»، دون أن يحاول تغييرها، وهنا تتذكر أن العديد من الشباب الذين قابلتهم في المغرب كانوا ينعتونها ب«سليطة اللسان» أو «العنيدة» أو حتى «المتعجرفة»، لمجرد أنهم لا يقبلون بالاختلاف، على حد قولها. تفضل الحرية على الارتباط «سارة» نموذج الفتاة المغربية التي تعيش حياتها «طولا وعرضا»: شابة مرحة تحب الحياة وتكره الروتين والرتابة وترغب، دائما، في التجديد حتى في علاقاتها مع الجنس الآخر، فتارة تجدها في المغرب وتارة في إحدى الدول الأوربية. تعشق السفر والتجوال والتعرف على حضارات البلدان الأخرى، فهي كالعصفور، لا تحب أن تجلس في القفص: «أحب أن أعيش حياتي بالطريقة التي أريدها أنا وليس كما يريدني الناس أن أكون»، تقول سارة (36 سنة)، التي تقطن لوحدها في مدينة الرباط. لا تبالي هذه الفتاة، التي درست في المدارس الفرنسية، بأن تبقى بدون زواج وأن يلتصق بها وصف «عانس»، لأنها - عكس الفتيات الأخريات اللواتي فُرِضت عليهن هذه العنوسة لأسباب خارجة عن إرادتهن- «اختارت» هذا «الوضع»: «لا أبالي برأي الناس، فأنا أعيش حياتي كما أريد وأمارس جميع رغباتي الجنسية»، تقول «سارة»، قبل أن تردف ضاحكة : «إييوا أش بغيتْ بصداع الراس؟ أخرج، أسهر، أسافر متى أشاء ولا أحد يتدخل في قراراتي، فأنا أخذت الأمور الجميلة من الزواج»... وترى «سارة» أن الزواج يعني بداية حياة تطبعها مشاكل لا تنتهي إلا بانتهاء العلاقة الزوجية: «لا مجال للحرية، وقتك كله للأبناء»، تقول سارة، بلغة موليير، فمسؤوليات الزواج والتزاماته «تخيف» هذه الشابة، التي تعشق الحياة والغوص في ملذاتها، بدل الدخول في زواج قد يعيق تمتعها بالحياة: «الزواج مسؤولية أخشى ألا أستطيع تحمل ثقلها». ورغم أنها قد بلغت عقدها الثالث، فإن «سارة» ما تزال تعشق حياة السهر والملذات: «لا أعتقد أنني قادرة على تكوين أسرة في الوقت الحالي ولا حتى في المستقبل»، تقول «سارة» قبل أن تتابع: «قد يعتقد البعض أنني أحاول «التخفيف» عن نفسي، لكنني ما زالت أرفض جميع عروض الزواج التي قُدِّمتْ لي». ترسخت نظرة «سارة» السلبية إلى الزواج بعد ارتباط أغلب صديقاتها، فقد تغيرن كثيرا في نظرها، فبعدما كن «مرحات وخفيفات الظل وينعمن بروح النكتة»، أصبحن «يتحملن مسؤولية أكبر منهن وصرن يقضين أغلب أوقاتهن في حل المشاكل الزوجية التي لا تنتهي»، على حد تعبير هذه الفتاة «المتحررة»: «اللهم الإنسان يبقى ديالْ راسو بلا صداعْ الرّاسْ»... هكذا تصف «سارة» الزواج، الذي تعتبره مصدرا لجميع متاعب الحياة. لا.. لن أتزوج ! «لا.. لن أتزوج»، تقول «غزلان»، وهي مقتنعة بقرارها عدم الزواج. تعتدل هذه الحسناء في جلستها، وهي تقول، بثقة: «لست «نسخة» عن أمي ولن أكون كذلك أبدا»، قبل أن تتابع، وهي تمرر أصابع يديها بين خصلات شعرها الأشقر: «أرفض الزواج، لأنني أكره الخضوع لأوامر الزوج وخدمته، كما كانت تفعل أمي، فأنا طبيبة ناجحة ولدي المال، فلماذا أبحث عن رجل «يتحكم» في مشواري وطموحي؟»... ليس خوف «غزلان» من الدخول في تجربة زواج، بسبب عدم تقبلها فكرة أنه يعني أن يندمج شخصان ليكونا شخصا واحدا، لا أن «تختفي» شخصيتها وتنصهر في شخصية زوجها الشرقي، الذي يرغب في الحصول على زوجة «خاضعة»، السبب الوحيد وراء قرار «غزلان»، التي تبدو أنها مقتنعة به، دون إمكانية للتراجع عن رأيها: «يكفي ما أراه من عشرات الزيجات الفاشلة التي تحطم حياة السيدات... فما الذي سأستفيده عندما أخرج من تجربة زواج فاشلة لأصبح مطلّقة ومعي طفل أو أكثر؟» تتساءل «غزلان». تكيفها حجة فشل زواج أختها بعد مدة قصيرة من الزواج: «انفصلت أختي بعد زواج دام ثلاثة أشهر فقط، رغم أنها تزوجت بشخص تحبه، فلماذا أكرر هذه التجربة القاسية؟»... كانت التجارب الفاشلة التي أحاطت ب«غزلان» وراء اتخاذها هذا القرار المصيري: «المحاكمْ عامْرة غيرْ بدعاوي الطلاقْ».. هكذا توضح «غزلان» رأيها، قبل أن تتساءل، وهي تنظر صوب النافذة: «ما هو الهدف من الزواج؟»، تساؤل معروفٌ جوابُه مسبقا، كما تقول: «إنه الاستقرار والأمان والبحث عن السعادة»، قبل أن تسترسل موضحة أنها تنعم بكل هذه الأمور وتؤكد أنها ليست مستعدة لكي تخسر «الهناء» الذي تعيشه مقابل وضعية يرغب المجتمع في أن يضعها فيها. يخالها الناس مثلية لأنها ترفض الزواج «وفاء» فتاة تتمتع بجمال أخاذ وأناقة راقية، لكن الجميع قد يستغرب رفضها الزواج، خاصة أنها تتحدر من عائلة عريقة وميسورة. وفي كل مرة، يتقدم إليها عريس جديد، ترفضه، لأن «قصة» حب فاشلة عاشتها مع زميلها في العمل أفقدتها الثقة في إمكانية الحب: «اكتشفت أن كل من تقدم إلي يطمع في مرتّبي الكبير وفي مركزي المالي، خاصة أنني من عائلة ثرية»، تقول «وفاء»، التي تابعت: «حتى من كنت أخاله ملاكا على وجه الأرض كان يحب مالي أكثر مني». لكن رئيسة القسم في أحد الأبناك لا ترغب في أن تتنازل عن الشروط أو حتى عن الصورة التي رسمتها عن فارس أحلامها، وكلما تقدم بها العمر، كلما تمسكت أكثر وأكثر بهذه الشروط: «لن أتزوج من مجرد «صورة» لرجل وأتكفل به ماديا، وربما بأهله أيضاً».. تقول «وفاء»، مردفة: «لدي شروط معينة في الزوج الذي أنتظره ولن أتنازل عنها». لكن فشل هذه الشابة (34 سنة) في الحصول على زوج يرجع إلى خوفها من أن يكون الدافع المادي سببا لتقدم العرسان لطلب «ودها»: «أرفض أن أكون مجرد «صفقة» تجارية لأي رجل يحلم بالزواج مني كي أحقق له كل أنواع الرفاهية، ابتداء من الشقة الخاصة وحتى السيارة، ولهذا «طردتُ» من حياتي شبح الزواج أو الحب». رفضها الزواج خوفا من طمع الرجال يحرم «وفاء» من الإحساس بالأمومة: «أنا أحب الأطفال، ولهذا اعتبرت أولاد أختي أطفالي وأقوم ب«تفريغ» مشاعر الأمومة معهم، وهذا يكفيني.. أفضل ألا أسمع كلمة «ماما» على أن يشعر أبنائي في يوم من الأيام أن والدهم تزوجني بسبب الطمع وليس بدافع الحب». تبدو «وفاء» مقتنعة بقرارها، لاسيما أنها معروفة وسط عائلتها بالحكمة وبالتبصر في اتخاذ قراراتها، ولهذا فالعقلانية التي تتمتع بها جعلتها لا تأبه بالمشاعر والأحاسيس التي قد يقدمها لها شريك الحياة. «الراسْ المغطي احسنْ من العْريانْ»... لم تكن تظن «سمية» أنها قد تبلغ ال36 من عمرها دون أن تدخل قفص الزوجية، وهي التي كان لديها حظ وافر في تردد الراغبين في الاقتران بها منذ أن بلغت ال15. كانت تعتبر أن العانس هي التي تجاوزت سن العشرين، خاصة أنها تتحدر من مدينة تعرف ظاهرة الزواج المبكر: «لطالما ردّدتْ أمهاتنا المثل القائل «الراسْ المغطي احسنْ من العْريانْ»، في إشارة إلى الزواج، لكنني أفضل أن أظل عانسا طيلة حياتي على أن أقترن بشخص لا يعجبني ولا أميل إليه البتة، لست من اللواتي يتزوجن من أجل تغيير الحالة العائلية»، تقول «سمية»، وهي تتذكر أول خطيب «اقتنعتْ به» وسنها لا يتجاوز ال17، فانتظرها سنتين لتقتنع بالزواج منه وأقاما حفل خطوبة، لكنْ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ إن مشاكل خاصة حالت دون إتمام الزواج، بعدما كان قد تم التحضير لكل شيء... تعتقد «سمية» (أستاذة في الفيزياء) أن الفتاة كلما تقدمت في السن، كلما وجدت صعوبة في الاختيار ووجدت نفسها أمام تحدي القرار، لأنها ترغب في قضاء ما تبقى من عمرها مع شخص قادر على تحمل المسؤولية وعلى توفير شروط العيش الكريم ومنحها كل الحب والحنان، اللذين تحتاجهما. تلخص «سمية» معاناتها مع العنوسة قائلة: «أولا، أشعر بالوحدة القاتلة، لأنني أسكن بعيدة عن أسرتي، بحكم عملي، وأتمنى أن يكون لدي زوج يقنعني وأشعر معه بالسعادة، وكأنثى، لدي رغباتي التي أتمنى تحقيقها مع زوجي، وثانيا، أعاني من نظرة المجتمع إلى «العانس»، التي تؤرقني كثيرا، إذ كثيرا ما يطرح عدد من الأقارب السؤال الكبير: «لماذا لم تتزوجي بعد؟ و يذهب التفكير ببعضهم بعيدا إلى حد الاعتقاد أن «سحرا» قد أصابني ويجب أن ألجأ إلى العرّافات من أجل فكّه»... أصبحت «سمية» تتفادى الدخول مع والدتها في مناقشة موضوع الزواج، لأنها أصبحت تكره أن تسمع من أمها أنها قلقة على مصير ابنتها، تقول سمية: «ما يزعجني كثيرا هو أن أمي دائما تقول لي إن أمنيتها هي أن أتزوج قبل وفاتها وأنها ترغب في رؤية أبنائي، حتى تطمئن علي، وفي الحقيقة، كلما تحدثت أمي، أصاب بحسرة وأقول لها: «ماذا أفعل؟ هل تريديني أن أعلق لافتة أكتب عليها: انقذوني أريد زوجا؟!»...