«المسيرة الشعبية ضد الفساد ونهب المال العام، ستساهم في الإخلال بالأمن العام»، خلاصة انتهت إليها في آخر لحظة السلطات المحلية بمراكش، وقررت إصدار قرار يقضي بمنع المسيرة. قرار اعتبره المنظمون دليلا آخر على عدم رغبة وجدية من يهمهم الأمر في القطع مع دابر الفساد وكل مظاهر الاختلالات والتجاوزات التي طالت مجالات صرف المال العام بعموم المملكة. وكانت التنسيقية الجهوية لمناهضة ونهب المال العام بجهة مراكش المشكلة من عدة هيئات حقوقية ونقابية وحزبية وبعض فعاليات المجتمع المدني، قد استجابت لدعوة السلطات المحلية بتأجيل المسيرة، مراعاة لشروط اللحظة التي كانت تعيشها المدينة والتي كانت تستعد لاستقبال فعاليات المهرجان الدولي للسينما وبطولة كأس العالم للأندية البطلة وكذا احتفالات السنة الميلادية الجديدية، حيث أكد حينها محمد فوزي والي الجهة لأعضاء التنسيقية عن احترام أهل الحل والعقد بالمدينة لحق التظاهر السلمي الذي يضمنه دستور البلاد، وبالتالي الدعوة لتأجيل المسيرة إلى وقت لاحق مراعاة للظرف الاقتصادي والاجتماعي. استقبل المنظمون دعوة المسؤول الأول بالجهة برحابة صدر وتفهم كبيرين، وقرروا اعتماد تاريخ19 يناير الجاري كموعد جديد لتنظيم فعاليات المسيرة، مع الاحتفاظ بنفس الشعار«لا للفساد ونهب المال العام، نعم للديمقراطية والعدالة»، ونفس المسيرة التي تنطلق من ساحة باب دكالة وتحط الرحال بشارع فلسطين. انطلقت عملية التعبئة وحشد جمهور المشاركين، والكل مطمئن إلى عدم وجود أي عائق من شأنه الوقوف حجر عثرة في طريق المسيرة، التي حددت لأهدافها جملة محاور من عيار: المطالبة بمحاكمة المفسدين وناهبي المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة والمهربة، ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، وكذا التحذير من مغبة أي انحراف أو تلاعب مهما كان مصدره يطال هذا النوع من الملفات، ودعوة كافة المؤسسات الدستورية بتحمل مسؤولياتها في التصدي للفساد واقتصاد الريع ونهب المال العام. في هذه اللحظة كانت المصالح المعنية منخرطة في اجتماعات ماراطونية، لمناقشة سبل وكيفية التعامل مع فعاليات المسيرة، والتفكير في المقاربة التي ينبغي اعتمادها، حيث توزعت الأفكار بين السماح للمواطنين بالانخراط في المسيرة والمشاركة، وبين فكرة منع المسيرة والاكتفاء بالسماح للمشاركين بتنظيم وقفة احتجاجية للتعبير عن مطالبهم وأفكارهم، قبل أن يأتي القرار الحسم بضرورة تسييجها بحبال المنع والتوقيف،ومن ثمة شروع رجال السلطة المحلية في طرق مقرات الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية بالمدينة، لتبليغها القرار المذكور تحت يافطة «اللهم إني قد بلغت». أسقط في يد الجميع وذهبت بهم التأويلات والتفسيرات كل مذهب، دون أن يملك أي أحد جوابا مقنعا عن هذا التراجع الصارخ، والدعوة لعقد اجتماع أعضاء التنسيقية لمناقشة كيفية التعامل مع الموضوع، ودراسة الخطوات الممكن اتباعها في مواجهته خصوصا في ظل ما اعتبر تناميا خطيرا لمظاهر الفساد ونهب المال العام بالعديد من المرافق العمومية، والتي وضعت جهة مراكش في مقدمة جهات المملكة التي تعاني من تداعيات هذه الظاهرة الخطيرة والمؤثرة على حياة البلاد والعباد. العديد من الملفات الفضائحية التي أصبحت حديث الخاص والعام بالمدينة، والتي كشفت عن تفاصيلها مجريات التحقيقات القضائية والأمنية، وانتهت بإحالة العديد منها على القضاء، ظل بعدها المتورطون يتربعون على كراسي المسؤولية، ويقتعدون مناصب هامة ذات علاقة بحياة المواطن، دون أن تهتز لهم رقبة، ليأتي قرار منع المسيرة المنددة بمجمل هذه المظاهر والقضايا. إسماعيل احريملة