رغم قضائه حوالي سنة بين القضبان محروما من حريته، لم تكن كافية لجعله يعدل عن تصرفاته العدوانية تجاه الجنس اللطيف. فبعد مغادرته ، قبل أربع سنوات، واصل، حسب ما جاء في شكايات ضحاياه، تقمص دور "خطاف" بمختلف محطات سيارات الأجرة والحافلات لنقلهن. وبعدما ينطلق بسيارته يتوجه إلى أمكنة خالية، حيث يغتصبهن ويسلبهن ما بحوزتهن من حلي وهواتف نقالة وساعات يدوية بالعنف والتهديد. وقبل أن يبلغ صدى عملياته الإجرامية إلى أسماع الكثيرين واصل عملياته. ومع تكرار الشكايات أصبح موضوع مذكرة بحث وطنية، تم اعتقاله على إثرها يوم الثالث من شهر دجنبر المنصرم ليودع السجن في انتظار محاكمته… جلس أمام الضابط يتلعثم، ويبعد عنه التهم الموجه إليه.. "هما اللي ركبوا معايا بخاطرهم"، بعدما تلى عليه مقتطفات من مضمون الشكايات، وظل يستمع لمبرراته الواهية وهو غير مصدق أن هذدا المسن يملك الجرأة على القيام بالأفعال الإجرامية التي جاءت في مضمون شكايات الضحايا دون التفكير في كونه أبا.. ليتساءل: كيف سيتقبل شخص إقدام آخر على اختطاف واغتصاب وهتك عرض وسرقة وتعنيف إحدى بناته التي تكفل برعايتها لسنوات حتى اشتد ساعدها، ويأتي من يقضي على حياتها الأسرية والمهنية. وحين انتهى مساعد الضابط من تحرير المحضر طلب منه إمضاءه ومرافقته إلى "الجيول"، حيث سيقضي ليلته قبل إحالته على العدالة بعدما قضى أمرا كان مفعولا ولم يتحكم في نزواته التي أودعته السجن في انتظار انطلاق جولات محاكماته. يوم المحاكمة كانت غرفة الجنايات غاصة بالعديد من الذين حضروا لمتابعة فصول محاكمته من ذوي الضحايا وأقاربهن خلال جلسة ذلك اليوم الذي كان فيه عدد من المتهمين متابعتين بالاغتصاب وهتك العرض في حق أطفال وفتيات ونساء من مختلف الاعمار. لكن الجميع فوجئوا بقصة المتهم الملقب ب "غول فاس"، حين انطلقت محاكمته بتقديمه أمام النيابة العامة بحضور ضحاياه، بعدما علموا بأنه متابع بتهمة الاختطاف والاحتجاز والاغتصاب والسرقة… لم يصدق أحد التهم الموجهة إليه وهو في هذه المرحلة العمرية، ليستنكروا ما أقدم عليه من فعل فظيع. أما المتهم فلم يكن بيده سوى الإجابة عن أسئلة الهيأة بخصوص التهم التي واجهته بها. اختطاف، احتجاز، اغتصاب وسرقة ترعرع المتهم، الذي أثمر زواجه بإنجاب 11 طفلا، بين أحضان أسرة بدوار «أولاد بن عبد الرحمان»، في بيئة تفتقر لأبسط ضروريات الحياة والمؤهلات الثقافية والتربوية القادرة على تقويم السلوك وتنمية المدارك المعرفية والرفع من الأخلاق الانضباط. بيئة من شأنها أن تكسب المترعرع فيها توازنا في شخصيته، يقيه من التصرفات العدوانية والمتهورة التي قد تقوده إلى التشبع بثقافة يغلب عليها التهور والامبالاة نتيجة تصرفات شاذة، ربما كان يريد منها الانتقام من الجنس اللطيف بعدما تعرض للنصب أو السرقة على يد إحدى "المومسات" أو "الخليلات"، لأن الأمر كان لديه «سيان» . بفاس، مكناس، الخميسات، مسيور، الناظور، صفرو ومدن أخرى، تهاطلت الشكايات على المصالح الأمنية التي تفيد تعرض العديد من النساء للاختطاف والاغتصاب والسرقة… ومن الأمثلة مستشارة بإحدى الجماعات القروية التي قام المتهم باختطافها بعدما أوهمها أنه "خطاف"، سينقلها إلى حيث تريد الذهاب. وبعدما رفضت ركوب سيارته بداعي أنها في انتظار سيارة أجرة كبيرة لأحد أفراد عائلتها، نزل من السيارة ووضع يده على فمها وأنفها وقام بتخديرها حيث لم تستفق إلا وهي داخل سيارته بالقرب من منطقة عين بيضة، حيث أبدت المستشارة مقاومة شديدة منعته من اغتصابها وجعلته يلوذ بالفرار بعدما سلبها حليها وساعتها اليدوية. وبنفس الطريقة اختطف شابة أخرى من أمام باب «إعدادية 6 نونبر» بحي النرجس واقتادها تحت التهديد إلى حامة سيدي حرازم، إضافة إلى ضحية أخرى مطلقة حملت منه بعد اختطافها بعدما كانت تنتظر سيارة أجرة للذهاب لمحل سكنى شقيقتها، قبل أن تفاجأ بالمتهم يشهر سلاحه الأبيض في وجهها ويطالبها بمرافقته على متن سيارته إلى جبل. وفي يوليوز من السنة الماضية اختطف سيدة مهاجرة كانت رفقة أبنائها بعدما عرض عليها إيصالها. وبنفس الأسلوب أوقع في شباكه نساء بالجملة منهن من تمسكن بمتابعته أمام العدالة بعد تقدمهن بشكايات ضده، واللائحة قابلة للارتفاع في حالة حضور جميع الضحايا من فاس ومن مدن أخرى. ومن النساء من فضلن عدم التبليغ خوفا من الانتقام الذي ينهجه المنحرفون في حالة التبليغ عنهم، وخوفا من تداعيات الحادث على حياتهن الأسرية والمهنية. فاللائحة طويلة للنساء اللواتي وقعن في قبضته ومارس عليهن بطشه وساديته، وهو لايعلم أن الحيلة لا تنطلي على أحد، وأن رائحة اعتداءاته وجرائمه قد فاحت واستنشقها المحققون ليصبح موضوع مذكرة بحث وطنية.. اغتصاب وفق تكتيك محكم وفق تكتيك محكم كان المتهم يستغل انتشار ظاهرة النقل السري والفوضى بسبب أزمة النقل التي يعرفها قطاع النقل الحضري، فقرر المتهم تقمص دور "خطاف"، يحل بسيارته بمختلف المحطات التي يقصدها المواطنون بحثا عن وسائل النقل المختلفة، حتى السرية منها. وبعدما يختار ضحيته يشرع في استفسارها عن الوجهة التي تريد الذهاب إليها، وبأسلوب المتربص لفريسته يفلح في جعلها ترافقه وينطلق وقلبه يخفق من الفرحة لحصوله على الفرصة المواتية التي لايمكن إضاعتها، خاصة أن التي حركت مفاتنها شهوته الجنسية، أصبحت تحت رحمته بعدما تمكن من إقناعها، وأوهمها أنه "كيتعاون على الزمان" في زمن البطالة وغلاء المعيشة. وبعد الاستفراد بضحيته، ينعطف فجأة نحو إحدى الطرق الجانبية، حيث الأمكنة الخالية حيث اعتاد ارتكاب أفعاله الإجرامية. بعدما تشعر الضحية بأن الطريق التي يقطعها غير وجهتها يتملكها الخوف، حينها تقتنع بملامح الشر البادية على محيا مختطفها، وبعيدا عن الأنظار يوقف السيارة ويبلغها بسبب المجيء إلى ذلك المكان الموحش. ورغم إخباره أنها عازبة أو أنها متزوجة أو قاصر أو تلميذة لا يكثرت لتوسلاتها، ورجائها بأنها ليست من اللواتي يبعن شرفهن من أجل المال. وحتى اللواتي يسلمنه ما بحوزتهن من حلي ومنقولات لجعله يعدل عن اغتصابهن وتعنيفهن، لا يتوانى في الإمعان في الاعتداء عليهن جنسيا، تلبية لميوله الجنسي الشاذ.. كان يطلب من ضحيته الامتثال وإزالة ثيابها وحتى إذا ما حاولت الدفاع عن نفسها يعتدي عليها بالصفع ويشهر سلاحه الأبيض في وجهها. وبهذه الطريقة يجعل الفريسة تستسلم كالحمل الضعيف عندما يقع في قبضة حيوان مفترس.. يرتمي عليها ويشرع في العبث بجسدها دون إرادتها.. وينهي فعله الإجرامي بسلبها ما بحوزتها من مال وحلي ليتركها تندب حظها التعيس الذي قادها في ذلك اليوم المشؤوم الذي سيؤرخ لأسوإ ذكرى في حياتها.. ترتدي الضحية ملابسها وتلملم جراح جسدها المادية والمعنوية، حيث لا تهدأ يداها من الارتعاش من هول المفاجأة، ورغم العياء الذي يكون باديا عليها تتمالك نفسها وتستجمع قواها لمغادرة المكان حتى لايندم على تركها ويعود إليها أو يصلها وحش آخر. الجمعيات الحقوقية تدخل على خط «وحش فاس» فظاعة الأفعال الإجرامية التي ارتكبها المتهم والتي تنوعت بين السرقة، الاختطاف، الاحتجاز، الاغتصاب والسرقة بالعنف دفعت الجمعيات الحقوقية إلى الدخول على الخط عبر تنظيم ندوة صحفية يوم العاشر من شهر دجنبر الماضي. خلالها فجرت مستشارة جماعية، كانت من بين ضحايا المتهم، المسكوت عنه، بالقول إن الشكاية التي تقدمت بها ضد المتهم المسجلة بالنيابة العامة لدى استئنافية فاس تحت عدد 108/3104/2013 من أجل اختطافها واحتجازها وسرقتها ومحاولة اغتصابهم، قد تقرر حفظها في ظروف غامضة. . .. أضافت أنها تقمصت دور المحققين لمعرفة هوية المتهم الذي تخصص في اصطياد نساء وفتيات مدينة فاس، ومدن أخرى وتعنيفهن بعد تلبية رغبته الجنسية دون إرادتهن وسلبهن ما بحوزتهن من مال ومنقولات. وعبر مركز الاستماع والتوجيه والإرشاد القانوني عن امتعاضه من تفشي مثل هذه السلوكات في مجتمعنا بسبب التساهل في التعامل مع مثل هذه القضايا، ما جعل المتهم يتمادى في أفعاله الإجرامية مضاعفا عدد ضحاياها من النساء اللواتي ناضلن من أجل تحقيق بعض المكتسبات الحقوقية التي تتطلب من أجل محاربة الظاهرة التي تتطلب تبني استراتيجية متكاملة بين كل الفاعلين في معالجة الظاهرة للوقوف ضد كل أشكال التمييز ضد الجنس اللطيف. مركز «نجمة» العضو في الشبكة الوطنية «نساء متضامنات» دخل على الخط في هذه القضية التي جعل خلالها المتهم العديد من النساء تحت رحمة نزواته الجنسية في ظل هشاشة المقاربة الأمنية وعلل المركز الحقوقي مواصلة المتهم تحقيق هذا الرقم القياسي في عدد ضحاياه من النساء بمنطق الإفلات من العقاب، الذي شكل حافزا له لتماديه في تقمص دور الخطاف الذي يكسب قوته بالنقل السري واختطاف واحتجاز واغتصاب وهتك عرض ضحاياه وسرقتهن وتعنيفهن. ووعد المركز الحقوقي بتقديم الدعم النفسي والقانوني والانتصاب كمطالب بالحق المدني في القضية، كما شدد المركز على ضرورة إخراج قانون تجريم العنف ضد النساء لما أصبح يشكله من خطر يتهدد أمن وسلامة المجتمع. محاكمة المتهم أثبتت التحريات الأمنية أن المتهم من ذوي السوابق العدلية، أولها كان سنة 2008 من أجل تهمة الاغتصاب، حيث قضى 10 أشهر بالسجن، وأفرج عنه سنة 2009. وبعد فترة واصل كتابة سيناريوهات مسلسلاته الإجرامية بدموع ضحاياه وتوسلاتهن والتوقيع بأحرف بارزة على لائحة ضحاياه، مزهوا بذلك ومتناسيا أنه يسير في الطريق التي رسمها له الشيطان دون أن ينبهه لعواقب ذلك على مستقبله ومستقبل أسرته التي عليها تدبير أمورها لتوفير مصاريف المؤونة والتنقلات لزيارته بالسجن، بعدما أفضى التحقيق إلى إحالته على العدالة التي أودعته السجن المدني بعين قادوس. فعلى متن سيارته بحامة سيدي حرازم، بعد اطلاع رجال الدرك على رقم السيارة ذات الترقيم المزور، التي كان ينفذ بها عملياته الإجرامية. تمنى في ذلك الوقت لو انشقت الأرض وابتلعته على أن يقع في قبضة الأمن، بعدما أصبح مطوقا بتهم عقوباتها مشددة. لكن لم يكن بيده سوى اجتياز مرحلة التحقيق ومواجهة ضحاياه اللواتي استيقظن على خبر اعتقاله وعدن بذاكرتهن إلى الوراء حين مارس عليهن وبطشه. وجاء اليوم الذي تمت فيه مواجهته بضحاياه، ومتابعته أمام العدالة رغم علمهن أن ذلك لن يفيدهن في شيء. لكن ذلك على الأقل سيخفف من معاناتهن بعدما سيزج به سنوات في السجن، لينجي نساء أخريات من الوقوع في قبضته .