دماء مصرية سالت بالتقسيط طيلة يوم الجمعة في حشدين متعارضين. الأول لنهر بشري مصري استجاب لدعوة قائد الجيش بالنزول لتفويضه محاربة الإرهاب، والثاني كان التسخين فيه في رابعة العدوية من قبل أنصار مرسي الذين سموا جمعتهم ب «غزوة بدر»، وفي النهاية استفاق المصريون فجر يوم السبت على حمام دم بالجملة. من المسؤول؟ ومن المستفيد؟، كل هذا فيه جدل عميق ومعطيات متشابكة، لكن العالم بدأ يقلق من هذه الغزارة. إعداد: عبد الكبير اخشيشن 30 مليون مصري تلبي دعوة التظاهر ضد الإرهاب في جملة من 3 دقائق دعوة لم تتجاوز ثلاث دقائق وأربعين ثانية استجاب ثلاثون مليون مصري في ظرف ثمان وأربعين ساعة لما طلبه «الزعيم» الجديد لمصر ممثلا في الفريق أول عبد الفتاح السيسي. هي ذي الحقيقة التي تأكدت يوم الجمعة لمن كانوا يشككون في الأعداد التي أسقطت الرئيس المعزول محمد مرسي، وذهبت جماعة الإخوان المسلمين إلى حد اعتبار الصور التي التقطت لتظاهرة 3يوليوز عبارةعن صورة تركيبية. معركة الأرقام حسمتها الصور الجوية التي أتيحت للقنوات المصرية وغير المصرية، ولم يتمكن أنصار الرئيس المصري المعزول الذين دخلوا في حشد كبير لمواجهة دعوة قائد الجيش لمضاهاتها أو تجاوزها، وبدا للمراقبين أن الخطاب الذي كانت تبرر به الجماعة تفسيرها للانقلاب العسكري قد ذهب أدراج الرياح، وحذر كثيرون من احتمالين لهذا الحشد، الأول يتمثل في عدم استعماله لقمع المتظاهرين السلميين لفائدة الرئيس المعزول، والثاني كان التحذير من جنون قيادة جماعة الإخوان المسلمين في ارتكاب حماقات لتحدي هذا الحشد العظيم الذي دق آخر مسمار في ادعاء الإخوان التحدث باسم الشعب المصري. ومنذ صبيحة الجمعة، بدا المشهد محسوما، ففي تحد أسطوري للأجواء الحارة بمصر ولأجواء الصيام ، كانت حناجر الملايين تصدح بميدان التحرير بشعارات التأكيد على ثورة الثلاثين من يونيو والدعوة لمحاكمة رموز حركة الاخوان وعلى رأسهم الرئيس المعزول والمرشد العام وكل من حرض بالعنف أو بالفعل، ولم يكد يصل موعد الافطار حتى انتصب لدى المراقبين سؤال منبهر عن كيفية إفطار كل هذه الملايين التي لم تكن تتوفر في ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية مثلا حتى على مسافة الجلوس لتناول الإفطار، وبعدها ستنطلق احتفالية التفويض لقيادة الجيش بمحاربة الإرهاب المحتمل. ملايين من المصريين في القاهرة والعديد من المدن الأخرى لبوا دعوة وزير الدفاع وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي طلب تفويضا لمواجهة «الإرهاب» بعد ساعات من قرار قضائي بحبس الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي احتياطيا بتهمة التخابر، وقال مصدر عسكري مسؤول إن أعداد المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين لتفويض الجيش وصلت إلى 30 مليونا. ونزلت حشود ضخمة إلى ميدان التحرير في قلب القاهرة وفي محيط قصر الاتحادية الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة (شرق العاصمة) للتعبير عن تأييدها للجيش الذي يخوض مواجهة مع جماعة الاخوان المسلمين بدأت منذ تظاهرات شعبية ضخمة في 30 يونيو تطالب برحيل مرسي وتوجت بعزله في الثالث من يوليوز الجاري. ورفعت بكثافة في ميدان التحرير وفي محيط قصر الاتحادية وفي محافظات أخرى عدة صور للفريق أول عبد الفتاح السيسي مكتوب عليها عبارات مختلفة منها «رمز الوطنية المصرية» و«الشعب كله معاك يا قلب الأسد» و«خليفة عبدالناصر». وردد المتظاهرون شعارات «انزل يا سيسي.. طهر يا سيسي». وجابت مسيرات تضم الآلاف أحياء ومناطق عدة في القاهرة، تدعو أهالي تلك الأحياء إلى النزول إلى الميادين فيرد الأهالي بالأناشيد الوطنية ورفع أعلام مصر وصور السيسي، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وبطريرك الأسكندرية والكرازة المرقسية في مصر تواضروس الثاني. وهتف المتظاهرون: «الشعب والجيش والشرطة إيد واحدة»، و«ارفع راسك فوق انت مصري»، و«إضرب يا سيسي»، بينما حلقت مروحيات للجيش في أجواء مناطق وسط القاهرة. واعتبر مراقبون أن خروج عشرات الملايين اليوم في القاهرة والاسكندرية وباقي محافظات مصر تفويضاً للجيش المصري للقضاء على الارهاب الاخواني للمصريين يعتبر بمثابة انتهاء جماعة الاخوان المسلمين تماماً، تلك الجماعة التابعة للتنظيم الدولي والذي لا يمت لمصر والمصريين بصلة، وبهذا التفويض الشعبي الجارف وتلبية الملايين لدعوة القوات المسلحة وللفريق الأول عبد الفتاح السيسي للخروج في تظاهرات اليوم يبدأ الجيش المصري حربه علي الإرهاب ضد جماعات هدفها القضاء على مصر والمصريين وجر البلاد إلى حروب داخلية ودماء القوات المسلحة المصرية عممت رسالة تعظيم وإجلال للشعب المصري الذي خرج بالملايين الجمعة الماضي، استجابة لنداء الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربي، لتفويض الجيش والشرطة لإتخاذ ما يلزم من إجراءات ضد الإرهاب والعنف المتوقع، وكتب العقيد أحمد محمد علي المتحدث العسكري للقوات المسلحة، على صفحته على موقع «فسسبوك» بعد منتصف ليل الجمعة، ومع الساعات الأولى من صباح السبت كلمات مقتضبة تعبر عن شكر القوات المسلحة للشعب المصري، حيث قال «إلى الشعب المصرى العظيم : تعظيم سلام … وشكراً». وجاءت الرسالة بإمضاء القوات المسلحة المصرية، بينما وضع صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وهو يؤدي التحية العسكرية ووضع صورة الجماهير التي خرجت وملأت ميدان التحرير والاتحادية وميادين مصر، وكأن السيسي يؤدي التحية للشعب المصري. قالت سكينة فؤاد – مستشارة رئيس الجمهورية لشئون المرأة- إن نزول الملايين في مليونية «لا للإرهابيوم الجمعة جاءت لإحساسهم بصدق نداء الفريق أول عبد الفتاح السيسي – القائد العام للقوات المسلحة – وشعورهم أن بلادهم في خطر. تظاهر مئات الآلاف من أنصار مرسي في القاهرة وفي عدد من المحافظات تحت شعار «جمعة الفرقان»، مطالبين بعودته إلى الحُكم. في مقابل ذلك احتشدت أعداد كبيرة من أنصار مرسي في مقر اعتصامهم الرئيسي بمحيط مسجد رابعة العدوية شمال شرق القاهرة، وفي ميدان نهضة مصر جنوب العاصمة. وهتفت الحشود «بالروح بالدم نفديك يا إسلام». وحلقت طائرات هليكوبتر عسكرية على ارتفاع مخفوض فوق محيط الاعتصام الرئيسي ل«الإخوان المسلمين» في ميدان رابعة العدوية. وقال شهود عيان إن الطائرات أسقطت مناشير على المعتصمين تدعو إلى الامتناع عن العنف. وفي محافظات عدة كان أن أنصار مرسي ينظمون مسيرات في وسط المدن الرئيسية وعواصم المحافظات، مردِّدين هتافات مناهضة للجيش والأزهر والكنائس، لكن النهر الجارف للمعارضين لمرسي أربكهم لتحدث العديد المناوشات والاحتكاكات كان أهمها في الاسكتدرية، حيث قتل ثلاثة أشخاص منذ العشية في اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لمرسي في الإسكندرية . وأفاد مدير المستشفى الجامعي في المدينة إن 30 شخصا آخرين نقلوا إلى المستشفى للعلاج من إصابات لحقت بهم في الاشتباكات التي حصلت بعد صلاة الجمعة قرب مسجد القائد إبرهيم. وأضاف أن 17 من الجرحى أصيبوا بطلقات خرطوش وأن ثلاثة أصيبوا بطلقات نارية في الاشتباكات التي استخدمت فيها أيضا الأسلحة البيضاء والحجار. غزوة بدر ترتد على الإخوان في صبيحة السبت الدامي عشرات القتلى ينقدون جماعة الإخوان من فضيحة خروج ملايين المصريين ضدهم منذ عشية الجمعة انتصب سؤال ما بعد التفويض الذي حصل عليه الجيش، وتنوعت الأخبار بين الحديث عن تحديد القوات الأمنية والجيش لساعة الصفر لفض اعتصامات أنصار مرسي برابعة العدوية والنهضة، وبين قائل إن فض الاعتصام لن يتم خارج مساطر قانونية تمر عبر القضاء، وبين متحدث عن خطط متعددة لتفكيك الاعتصام. السؤال الذي لم يتم الانتباه إليه، هو رد جماعة الإخوان المسلمين على هذا النهر البشري الذي عرى شرعيتهم الشعبية، وبدت التقارير الواردة من الاعتصامات الخاصت بهم ، تتحدث عن جنون داخل البسطاء الذين اكتشفوا أن ما كان يقال لهم داخل الاعتصام بدأ في التبخر، سواء وعود الشحت الإيديلوجي التي كان يقوم بها مجموعة من الشيوخ، أو من الكلمات التي كان يلقيها قيادات الاخوان والجماعات الاسلامية المناصرة لها. وفي كل الأحوال واصل آلاف المتظاهرين المؤيدين لمرسي اعتصامهم في تقاطع إشارات رابعة العدوية في مدينة نصر، فيما نظم التحالف الإسلامي الذي تقوده «الإخوان» مسيرات متفرقة في بعض مناطق القاهرة والمدن الرئيسية، بدت ضئيلة بحجمها، خلافاً لما حاولت وسائل الإعلام «الإخوانية» على شبكة الانترنت تصويره. وكان مؤيدو مرسي قد توعّدوا ب«رد مزلزل» على ما يصفونه ب«الانقلاب العسكري» في «جمعة الفرقان»، والتي اختاروا أن تكون في السابع عشر من رمضان، ذكرى غزوة بدر الكبرى. ومع مرور الوقت بدا أن انبزاغ شمس السبت على هذه الشاكلة سيعري تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل والخارج، ولم تتمكن القنوات الموالية لهم من إيجاد ما تبرر به الدفاع عنهم، بل وبدت عمليات التعويم وفبركة الصور غير ذات جدوى أمام شمس الملايين الساطعة التي كانت وكالات الأخبار والقنوات الفضائية تتوصل بها مباشرة من الجو. وإلى حدود الساعات الأولى بعد منتصف ليلة الجمعة، لم تنجح المواجهات المتفرقة بين أنصار الرئيس المعزول ومعارضية في مجموعة من المحافظات من تعكير صفو الانتصار الذي حققه معسكر المناوئين للإخوان، وحينها بدا أن الجماعة في طريقها لهزيمة نكراء في جمعة الحشد الأعضم. ومع مطلع الفجر، بدأت أفواج من معتصمي رابعة العدوية في الخروج إلى شوارع الأحياء المجاورة قبل أن يبدأ التوتر، ويتحول فجأة إلى عنف وعنف مضاد، ثم إلى جو من الرعب والدماء كانت حصيلته ثقيلة، وفي نهاية المطاف تحول مشهد التركيز على حشد الجمعة، إلى فاجعة صبيحة السبت، لينطلق مسلسل التأويل والتأويل المضاد. وزارة الداخلية التي كانت مهيأة لتكون الجلاد الوحيد فيما حصل على اعتبار أن عدد الوفيات الكبيرة حدثت في أنصار مرسي من المعتصمين والمحتجين، لترد الوزارة بندوة صحفية لوزير الداخلية، قال فيها إن أجهزة الأمن لم تستعمل الرصاص الحي في مواجهة المحتجين الذين بادروا بإطلاق النار وإشعالها. الصحف المصرية الصادرة صباح أمس الأحد تناولت الموضوع ، وكانت أغلبها متبنيا لما أوردته وزارة الداخلية، واعتمادا على مجموعة من المراسلين لها بعين المكان وهكذا أبرزت «الأهرام» و«الأخبار» و«اليوم السابع» و«المصري اليوم» و«الوفد» و«الشروق» تصريحات وزير الداخلية بأن رجاله لم يطلقوا الرصاص، وأن الاشتباكات وقعت حينما حاول أنصار الرئيس المعزول احتلال النصب التذكاري وقطع جسر ستة أكتوبر، مما أسفر عن إصابة عدد كبير من رجال الشرطة بالخرطوش. وأضافت «الوفد» أن ذبح ضابط أمن مركزي هو الذي فجر أحداث طريق النصر، في حين أرجعت الأهرام والأخبار الحادث إلى تحريض القيادي الإخواني صفوت حجازي، وأشارت «المصري اليوم» إلى ما قالت إنه فيديوهات تظهر أنصار مرسي يطلقون النار على الأمن، وكتبت «اليوم السابع» أيضا عن «5 فيديوهات صنعت موقعة شارع النصر» وقالت إنها كشفت ما وصفته ب«مخططات الدم الإخوانية للاستقواء بالخارج». وبينما تجاهلت بعض الصحف رواية الإخوان للحادث، ك«الوفد» و«اليوم السابع» أشارت صحف أخرى «كالمصري اليوم» و«الشروق» و«الأهرام» و«الأخبار» إلى شهادات «مؤيدي مرسي» الذين قالوا إنهم خرجوا في مسيرة سلمية، فقابلتهم الداخلية بالرصاص الحي. في المقابل جعلت جريدة «الحرية والعدالة» عنوانها الرئيسي : «قتلة.. سفاحون», مشيرة إلى سقوط 200 شهيد وخمسة آلاف مصاب في أحداث «مجزرة المنصة»، وإغلاق المستشفى الميداني أبوابه بعد نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية. ردود فعل دولية أعرب المغرب عن قلقه وانزعاجه مما آلت إليه الأوضاع في مصر. وقالت وزارة الخارجية والتعاون المغربية في بيان نشرته وكالة المغرب العربي الرسمية للأنباء إذ «يقدم (المغرب) أصدق تعازيه للشعب المصري قاطبة يؤكد مرة أخرى على الدعوة لإعلاء المصلحة الوطنية والتمسك بقيم الحوار والديمقراطية وبذل كل الجهد لتفادي مزيد من الضحايا. أعرب وزير الخارجية الأميركية جون كيري في بيان عن قلق واشنطن «العميق» بعد «إراقة الدماء والعنف» في مصر. وأضاف أن السلطات المصرية «لديها واجب أخلاقي وقانوني باحترام الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير»،في حين بعث للرئيس الأمريكي لاراك أوبما ببرقية للرئيس المؤقت يبارك فيها الاحتفال بثلاثة وعشرين يوليو، وينوه بالفرصة الثانية لثورة مصر. رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان أدان ما وصفه بأنه «مجزرة» في مصر، وانتقد الأسرة الدولية والدول الإسلامية خصوصاً على «صمتها»، بينما دعت وزارة الخارجية التركية من جانبها إلى نقل السلطة إلى «قيادة ديمقراطية». وفي الوقت نفسه تظاهر مئات في اسطنبول، تعبيراً عن دعمهم لمرسي. دعت فرنسا «كافة الأطراف وخصوصاً الجيش إلى التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس»، بينما أعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله السبت عن قلقه الشديد حيال أعمال العنف في مصر. أما في لندن، فقد دان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «استخدام القوة ضد المتظاهرين» ودعا «الفريقين إلى وضع حد لأعمال العنف». شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب ندد في بيان بسقوط ضحايا، مطالبا بفتح «تحقيق قضائي عاجل وإنزال العقوبة الفورية بالمجرمين المسؤولين عنه أيا كانت انتماءاتهم أو مواقعهم». من جهته قال نائب الرئيس المؤقت للعلاقات الدولية محمد البرادعي في تغريدة على حسابه على تويتر إنه «يدين بكل قوة الاستخدام المفرط للقوة وسقوط الضحايا». استعرض النائب العام المصري المستشار هشام بركات، نتائج التحقيقات الأولية التى أجرتها النيابة الكلية بشرق القاهرة فى الأحداث التى شهدها طريق النصر بين قوات الأمن وبين أنصار الرئيس الخلوع مرسي، فجر السبت. وقال مصدر قضائي إن النيابة العامة تناشد المواطنين وكافة وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية تقديم كل ما لديها من تسجيلات (صور – مقاطع فيديو) خاصة بالاشتباكات التي وقعت بين الأمن وأنصار الرئيس السابق محمد مرسي، في محيط شارع النصر القريب من مقر اعتصامهم بميدان رابعة العدوية.