كل المعطيات التي أفرزتها التفاعلات في منطقة جنوب المتوسط في السنوات الأخيرة تفيد شيئا واحدا هو أن طموحات شعوب المنطقة لن تتحقق إلا في إطار مجتمع ديموقراطي حداثي. فكل الشعارات ذات الحمولة الماضوية أصبحت متجاوزة، لأنها تنتمي إلى «الأوتوبيات» التي تحاول إخضاع الواقع لعملية اصطناعية بعيدة جدا عن العصر وانشغالاته. عصر تعتبر فيه الديموقراطية،لحد الآن،أكثر الأنظمة تحقيقا لحد معين من كرامة الإنسان. إذا تم التسليم بهذا المعطى الموضوعي، فالمشروع الديموقراطي الحداثي لا بد له من ركائز يقوم عليها، وأهم هذه الركائز تنظيمات مجتمعية تحقق التصارع في الأفكار والتوجهات في إطار قيم أسست لها الإنسانية انطلاقا من فلسفة الأنوار. بناء على هذه الركائز، فالمجتمع الحداثي الديموقراطي يقوم أساسا على وضوح فكري يفصل بين الديني والدموي والإداري، ويتخذ بالأساس من العلمانية قاعدة للتعامل. والقصد هنا بالعلمانية الفصل بين الديني والعرقي والسياسي. وهو فصل يقوم على احترام الإختلاف ونبذ التمييز، وتنظيم المشترك بقانون وضعي يحفظ الكرامة للجميع ويحقق العدالة الإجتماعية في إطار من المساواة أمام القانون. لكن المجتمع الديموقراطي الحداثي الذي يقوم على العقلنة وسيادة القانون والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية،يتطلب وجود رافعات تقود المجتمع. رافعات عمادها النخبة المثقفة والسياسيون. فهل في المغرب اليوم رافعات لتحقيق هذا المشروع المجتمعي؟ الإجابة على هذا السؤال صعبة جدا إذا ما استحضرنا مستوى العبث اليومي الذي نقترفه جميعا في هذا البلد. فالنقاش الدائر بيننا يعتمد الكثير من الضجيج ويفتقد إلى كل مقومات النقاش. وهذا الأمر يفسح المجال للهامشي من الأشياء، فتطغى الشعبوية والإنتهازية، وينتعش الفساد، وتتقوى الماضوية بشكلها الظلامي الباحث عن الملاذ في نوستاليجا الذات الموجوعة. الإنسانية اختارت الديموقراطية عن علم وبحث وتجريب. والتجارب بينت أن الكلمة ستكون في الأخير للعقل. وعدم اعتماد هذه القناعة والعمل على تحقيقها سيبقينا في خانة التخلف لا محالة.