تم الاعلان مؤخرا عن انطلاق عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية، والتي ستشملها مراجعة شاملة، مما يعني أن الانتخابات المقبلة ومعها الاستفتاء سيتم التصويت عليه باستعمال بطاقة الناخب، وهي العملية التي أدت إلى انتقادها في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، والذي يزكي هذا الانتقاد اليوم هو استمرار هيمنة وزارة الداخلية على الاشراف على هذه الاستحقاقات، رغم أنها كانت مسؤولة تاريخيا عن تزوير إرادة المغاربة، استعمال أدواتها وأعوانها من مقدمين وشيوخ للضغط على الناخبين وتوجيههم في الاتجاه الذي كانت تريده الدولة، وعلى المرشح الذي كانت ترغب في نجاحة... وعلى الحزب السري الذي كان يؤسس قبل كل انتخابات واستحقاقات ليفوز بقوة تحت غطاء وزارة الداخلية في تلك الانتخابات... وفي كل هذه العملية كانت بطاقة الناخب تعتبر من الادوات الرئيسية في تزوير هذه الاستحقاقات، بحيث كان تعدد البطائق للناخب الواحد يسمح له بالتصويت عدة مرات، كان يتم تسجيل الناخبين في دوائر انتخابية ومدن مختلفة مما يسمح له بالتصويت في دوائر انتخابية مختلفة، كان يتم تسجيل أشخاص متوفين ونجدهم بعد ذلك قد صوتوا رغم أنهم أموات...، لذلك ظلت هذه اللوائح الانتخابية محط جذب بين الدولة وبالأخص وزارة الداخلية وبين الأحزاب السياسية خصوصا الديموقراطية منها التي كانت تتحفظ على هذه اللوائح وتطالب بمراجعتها مراجعة شاملة، إلا أن جل المراجعات السابقة كانت مراجعة جزئية، ولم تسقط منها الاموات ولا أصحاب الدوائر الانتخابية المتعددة.... اليوم، ونحن نريد تدشين مرحلة جديدة، مرحلة نعتبر أنها إن استمرت في نفس النهج والنفس الاصلاحي، تريد الانتقال ببلادنا انتقالا حقيقيا، نحو الديموقراطية الحقة، حيث تكون للمغاربة فرصة المشاركة بشكل حر تجعل من المواطن المغربي غير خاضع لا لتوجيه بعض اجهزة الدولة، ولا للمال الحرام... لابد من مراجعة كل الادوات التي كانت تستعمل لتزوير الانتخابات وللتأثير على العملية الديموقراطية، وعلى رأسها كيفية التصويت. إن اتخاذ الدولة لقرار مراجعة اللوائح الانتخابية، يشير إلى أن هناك من لا يريد أن تمر الاستحقاقات المقبلة بما فيها الاستفتاء، بشكل غير سليم، وغير كامل، بشكل يسمح للبعض بالتدخل، وبتوجيه الناخبين، ورغم إعلان الدولة عن كون المراجعة ستكون مراجعة شاملة، إلا أن التجربة أكدت أنه لم تقع قط في أي مرحلة تاريخية، وفي كل الاستحقاقات الماضية أية مراجعة شاملة للوائح الانتخابية، بل القوائم لحدود اللحظة مازالت عليها العديد من الملاحظات، ومازالت الاحزاب السياسية تنازع فيها. إنه وأمام الانتقادات التي طالت هذه اللوائح الانتخابية، وأمام العمليات القيصرية التي عرفتها، ما بين كل تعديل وآخر، ما بين استحقاق وآخر، يجعلنا اليوم نسائل الدولة على استمرارها في نهج الاختيارات السابقة من حيث الاشراف عليها، ومن حيث طريقة التصويت. إن المغاربة الذين خرجوا للشوارع طالبوا بدستور جديد، وبآليات جديدة، طالبوا بالحرية ومن بين ما طالبوا به بشكل ملح هوالانعتاق من قبضة وهيمنة وزارة الداخلية على الحياة السياسية وعلى تحكمها في الاستحقاقات الانتخابية. إن المغاربة، الذين رفعوا شعارات جديدة، بالتأكيد يريدون أسلوبا جديدا في التدبير وفي الاعداد للاستحقاقات التي ينتظرونها، وأولى هذه الانتظارات هي إسقاط بطاقة الناخب لأنها كانت من أدوات الدولة التي استعملتها في تزوير الاستشارات الشعبية، وهي التي تم استعمالها من بين أساليب أخرى لنحصل على نتيجة 99 في المئة، بالتالي لابد ونحن نتحدث عن إعداد دستور جديد يؤسس للملكية البرلمانية الذي سيعرض على الاستفتاء الشعبي، أن تكون الاجراءات المصاحبة له، ولعملية الاستفتاء، تؤكد بما لا يدع من مجال للشك على أن الدولة عازمة على القطع بشكل نهائي مع أساليب الماضي. إننا اليوم في حاجة، إلى تعزيز الثقة في الاستشارات المقبلة، أن تمر بدون أن نسجل أي خرق فيها أو حولها، والبداية تكون من خلال عملية التصويت التي تم إقرارها. إن استمرار الدولة في دعوة المواطنين للتسجيل في اللوائح الانتخابية سيقابله فتور من طرف المواطنين، وهو الملاحظ لحدود اللحظة، لأن المغاربة نظرا للتزوير الذي طال الاستحقاقات السابقة فقدوا الثقة في الدولة وفي دعوتها للتسجيل، لذلك نحن في حاجة إلى إجراءات جديدة تعزز من ثقة المغاربة في نية الدولة، وفي عزمها على أن تمر هذه الاستشارات الشعبية بشكل سليم، لذلك كان لزاما ومازال أن يتم اعتماد البطاقة الوطنية كوثيقة رسمية للتصويت، إذ أنه لا يمكن أن نتوفر على عدة بطائق وطنية كما هو الحال مع بطاقة الناخب، وكذلك لا يمكن أن تكون لدينا عناوين عدة وفي دوائر مختلفة لأنه لا يمكن تزوير البطاقة الوطنية، ولا يمكن للأموات أن يصوتوا بالبطاقة الوطنية عكس بطاقة الناخب. إننا اليوم في حاجة إلى أن يتقبل الجميع النتيجة ولا يطعن فيها أو في الاجراءات المصاحبة لعملية التصويت، لأن طبيعة الاستفتاء المقبل، لا تحتمل أن نجادل في نتيجته، ولا تحتمل أن نطعن في كيفية التصويت لأن ذلك سيؤدي إلى الطعن مباشرة في الدستور وسيسائل الدولة ومؤسساتها، خصوصا وأننا اليوم أمام حالة من التعبئة جعلت كل المغاربة متيقظين، وغير قابلين للتراجع أو التنازل عن تحقيق مطالبهم، وستكون الوسيلة الوحيدة التي تجعلهم يتنازلون عن الشارع للتعبير عن رأيهم هو إجراء استفتاء شعبي حقيقي تصاحبه إجراءات انتخابية تعزز من مصداقية الاستشارة وجعل الجميع يتوجه للانتخابات ولصندوق الاقتراع وهو راض ومقتنع بأانه يصنع مصيره بيده، وبالأساس وهذا هو المهم متقبل لنتيجة الاقتراع كيفما كانت، حتى لو كانت لا تعكس رأيه أو رغبته، لأنه مقتنع بأنها مرت في ظروف نزيهة، وسليمة. من هنا، تكون البطاقة الوطنية، هي الوسيلة الأنجع والأوحد القادرة على ضمان مشاركة الجميع، والتي ستجعلهم، يتجهون لصندوق الاقتراع بشكل حر، دون توجيه، وستعفي الدولة نفسها من الجهد والعناء المصاحب لعملية تسجيل الناخبين وفي مراجعة اللوائح الانتخابية، إن التصويت بالبطاقة الوطنية، وهي الوسيلة التي تستعملها كل الدول الديموقراطية، ستؤدي إلى الحد من تدخل الشيوخ والمقدمين، ومن كافة أجهزة وزارة الداخلية، وستعزز من الثقة في الدولة وفي الارقام التي سيتم الاعلان عنها. إن بطاقة الناخب تعتبر في لحظتنا الراهنة، هي البديل عن اللوائح الانتخابية، وعن مراجعتها، وعن إعداد بطاقة الناخب، حيث إن الجهد الذي ستخصصه الدولة لكل هذا كان بإمكانها أن تخصصه لدفع الناس إلى التصويت ببطاقة الناخب، والاكتفاء بها كوسيلة وحيدة للتصويت. إننا اليوم، إذا كنا نطرح هذا الخيار البديل عن بطاقة الناخب، فإنه طرح نابع من الايمان بضرورة القطع مع الماضي ومع أساليبه، إنه ينطلق من الايمان بأننا في لحظة تاريخية، تضعنا أمام المنعطف، أما أن نستمر في خيار البناء الديموقراطي حيت يظل التشكيك في نزاهة الاقتراع وفي الحديث عن تدخل السلطة، وفي تصويت الموات، وفي تكرار الاقتراع والانتخاب مرتين وثلاث من الماضي، وذلك سيؤدي إلى إخراج بلادنا من حالة “الاحتقان” السياسي الذي نعيشه منذ 2002 الى الان، أوسيختار الحكام نفس أساليب الماضي من تزوير لإرادة المغاربة، والتحكم في الانتخابات والاستشارات الشعبية... وذلك سيؤدي إلى اليأس وإلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، وسينهي مع مقولة “الاستثناء” المغربي. * عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادي