الزمن: الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الأحد، المكان: مقهى “ب” بحي الدار الحمراء الشعبي بسلا.. جلست أرتجف ما يشبه قهوة في انتظار صديقي الحميم للانطلاق نحو ساحة باب الأحد بالرباط للمشاركة في وقفة 20 مارس.. لاشيء في المقهى يوحي بأن “الشعب” معني بالوقفة.. الكل غارق في نميمته المعتادة: “فلان جاب طونوبيلة واعرة من الطاليان”، “فلانة راه عاد جات من البار، و طرف عندها !! “، “عيط لحميدة يجيب سوارت ديال الكراج باش نجبدو لحولي ديال السبوع”.. فجأة ظهر صديقي.. ركبنا سيارته المهترئة.. هاكم أول جملة “عدمية” من ضمن عشرات الجمل التي نطلقها يوميا تعليقا على هذا العالم “لمركب عوج”: ” و الله العظيم راه حشومة باش دير بحال هاد القزديرة خصك تجوع راسك وولادك.. كالك الطبقة الوسطى !!! “. في الطريق لازالت الدولة تلعب لعبة “الطرامواي” و “تهيئة” ضفتي أبي رقراق.. اخترقنا القنطرة بصعوبة بالغة قبل أن نتجه نحو جوار سجن لعلو حيث ركننا السيارة و التحقنا بالمسيرة التي غادرناها حوالي الثانية زوالا.. حوالي الخامسة مساءا، ذهبنا أنا و أخي إلى حمام الحومة. إنه حمام “خانز و بنين” كما نقول عن سندويتشات الصوصيص عندنا.. صاحب الحمام ملياردير لم يصرف على حمامه درهما واحد على مدى سنين طويلة.. النتيجة: قد تفاجأ ب”طوبة” ضخمة تتجول بين “البرمة” و “الكلسة” قبل أن تقرر العودة نحو “قادوس” مفتوح على كل “الرهانات”.. لقد فهم القارئ الكريم أن الحاج “م” نموذج عادي جدا لأصحاب الشكارة بالمغرب، كيفما كانت مجالات تدخلاتهم “التنموية”.. في “البرمة”، الأكثر سخونة من كل القاعات الأخرى، شبان “يتنابزون” حول “سطولا ديال الحمام” و يلعبون لعبة “لحسانة على طريقة رونالدينو”.. قلت لأخي: ” واش كاظن أن هاذو عندهم علاقة ب 20 فبراير، أو بخطاب الملك على التعديلات الدستورية، أو بأي خطاب كايهضر على المغرب و عليهم هوما نيت، أول و أوضح و أكبر ضحايا النظام؟”.. كان جواب أخي صادما: “علا هما غير هادو؟ هادو راه نواور على وحدين خرين !! “.. طلبت من أخي مزيدا من التفاصيل فانطلق في سرد لائحة مخيفة من “لي مامسوقينش لهاذ لبلاد، لي عندهم بحال ربح بحال لخطية”.. يقول أخي: ” كاين بعدا لي كايظنو أن المغرب كيفما هو رايب هو هاكاك، مخلوق من عند الله، دوريجين، كاين عاوتاني لي ضريف بزاف واخا هو فاهم كاتلكاه خاصو غير يتصنت لعضامو و يبعد علمشاكل، و كاين لي ما عندهم ما يديرو بالتغيير و فيهم جوج ديال النواع، فيهم هاذوك لي تكاو على لبلاد و مصلحتهم أن لمغرب يبقا باقي فعفنو، حيت تما كايكلو ملمزيان، و فيهم لي كايصحابهم البارصا و الريال و لعصير فلقهوة و القصاير على بوغلغال لخانز و العسان على الدريات و التبناد فلعراسات و غيرو و غيرو هي الدنيا و ما فيها، و هاد النوع كاتلكاه ماعندو مايدير بشي تغيير ليغادي يحيد ليه هاذشي كلو، وكاين لي ما كايهمو غير يدبر على راصو و ما سوقوش فلعالم، و كاتلكاه كاي يكوليك راه مع التغيير و هو خدام فأي حاجة كاتزيد تكبر لعفن فهاد البلاد، و هاد النوع فريا و خطير فدماغو و صعيب تعيق بيه، وكاين لي كايبان ليه حفير الشانطيات و تطلاع العمارات و تحريك الكاطكاطات لي على بالك دليل على أن المغرب حسن من فرنسا و السبليون و لماريكان لي “ما بقا فيهم مايدار”.. أريد بعجالة أن أضيف إلى هذه اللائحة المخيفة الآتية أسماؤهم: رجال المجالس العلمية الدينية الذين خرجوا ببيان “ديني” موغل في التقليدانية و الرجعية و مناصرة الاستبداد، و أصحاب الثروات المشبوهة الذين لايمكن أن نعلم في اللحظة التي تقرؤون فيها هذه السطور ما هم يفعلون ( أفادت تقارير صحفية أن وتيرة تهريب الأموال من المغرب نحو الخارج ارتفعت بشكل غير مسبوق بعد خرجة العشرين من فبراير !!!)، ثم هناك أصحاب نظرية “المغرب أجمل بلد في العالم”، و هم نوعان، يتكون الأول من جيش الأميين “لي ماعارفينش لفلم علاياش طالع” و الذين تعيش غالبيتهم على العفونة الملمعة، فيما يتشكل النوع الثاني من تجمع واسع لمن اغتنوا و انتفخوا و غيروا لغتهم و جلدهم و عقموا أنفسهم و زوجاتهم و أولادهم ضد كل من لايشبههم، ثم هناك-وهذا نوع خطير جدا-مروجو السموم البلاغية من مثل “واش كاين شي واحد كيموت بجوع فلمغرب”، أو أيضا “حنا لمغاربة ما كانحمدوش الله على خيراتنا، ماكانشوفوش العذاب ديال بنادم ففرانسا لي لكوميرة فيها بعشرااا ديال دراهم !!!!”، ثم هناك-أخيرا و ليس أخرا- كل هؤلاء “الباحثين” في العلوم السياسية الذين لايترددون في تسريب “بداهاتهم” المغشوشة داخل قوالب شبه علمية، بداهات تحمل بلادة/وقاحة سياسية أخطر ما فيها أنها متيقنة من ذاتها، ( نتذكر هنا كل التحليلات المتحالفة مع عقيدة الجمود التاريخي بالبلاد، أخرها “تحليلات” عضو في اللجنة التي تحضر مسودة الدستور، و التي قال فيها بأن المغاربة غير مستعدين للديمقراطية الحقيقية، و أقصى ما يمكن أن يحلموا به هو نظام يحقق لهم “الأمن” و “الاستقرار” !!!)، الخ... هذه لائحة مختصرة جدا عن من يشكلون ما يمكن أن نسميه في قلب لإحدى التعبيرات التاريخية للراحل الجابري بالكتلة المغربية المضادة للتغيير.. هل هذا هو الاستثناء المغربي؟ لا أعتقد ذلك.. ما أعتقده هو أن البالون المغربي لم يصل بعد – و هو ما لا أرجوه أبدا- حد الانتفاخ الكامل الذي يسمح بانفجاره مع أول احتكاك بسيط.. لحد الآن، لازلنا جميعا ننفخ بشراسة نادرة في البالون... حتى و إن اعتقدنا بغير ذلك.. و للخروج من هذه المصيدة التاريخية، علينا تفادي أية حلول ترقيعية مسكنة، من مثل إحداث ثقوب تنفيسية في البالون، علينا إحداث تغييرات راديكالية عميقة، علينا التوجه بصرامة غير مسبوقة نحو اجتثاث الألم المغربي من جذره، ألم الاستبداد/الفساد/التخلف..