هناك خيط رقيق يفصل بين الغزل وإبداء الإعجاب وبين التحرش الجنسي. في دول كثيرة لا يسمح القانون بالتعرض للنساء في الشارع، وهناك عقوبات تصدر في حق كل من خالف ذلك، إلا أن المغرب متسامح كثيرا مع الظاهرة، لكن، هل الرجال وحدهم من يقترفون هذا السلوك؟ ألا يمكن اكتشاف العكس، حينما تلجأ النساء إلى التحرش مستعملات أساليب مختلفة، يستطيبها الذكور ويتمنون أن تكثر؟ المشكل الأخطر هو تحرش العمل، الذي يخلف ضحايا بالجملة، دون أن يستطيع أحد كسر جدار الصمت، مادام المذنب هو رب العمل أو المسؤول المباشر هناك اتفاق غير معلن بين البنات والأولاد يسمح بتبادل الغزل والتلميح الجنسي في الشارع، من قواعده التمنع والصدود بالنسبة إلى الإناث، والإلحاح على نيل ابتسامة أو دعوة إلى المزيد من المديح ووصف الجمال بالنسبة إلى الذكور. لكن ما هي حدود الغزل والبصبصة، وأين تنتهي الرغبة في التعارف وربط علاقة لتتحول إلى تحرش جنسي؟ من جهة أخرى يكمن خلف الصدود والرفض الذي تبديه البنات رغبة مضمرة في نيل الإعجاب والبحث عن شخص يتكلم معهن ويصف محاسنهن، ويفضلن ألا يتجاوز ذلك الحدود المسموح بها، لئلا يتحول الأمر إلى عنف لفظي، يتجه نحو الاعتداء. وهناك أيضا من لا تقبل أن يعترض طريقها رجل، وفي هذه الحالة فالغزل كيفما كان شكله هو في نظرها تحرش جنسي لا لبس فيه. تقول سيدة تزوجت قبل سنة إن بعض المغاربة لا يوقرون أحدا، «تخيل أنني أخذت سيارة أجرة، وفي الطريق عبر لي السائق أنه يرغب في التعرف علي، فقلت له: واش هاد الكرش مابانتش ليك» في إشارة منها إلى أنها حامل. هذا مثال واحد من حالات كثيرة تقع كل يوم، فيها ما هو مقبول ويدخل في إطار الأخلاق الجمعية والمسموح بها، وفيها ما يصل إلى حدود قصوى توجب العقاب. ممر الأمير لا يمكن أن تنتبه في ممر الأمير مولاي عبد الله التجاري بسهولة لنوع خاص من الشباب والبنات، يقطعونه جيئة وذهابا مرات عديدة، دون أن يصيبهم تعب المشي ومشاهدة واجهات بوتيكات الملابس. يجب أن تكون نيتك مبيتة لتتمكن من التعرف على هؤلاء المشاة، الذين يتواجدون في هذا المكان المعروف في الدارالبيضاء بهدف تحقيق مآرب لا علاقة لها بالتبضع أو المرور بمحض الصدفة من هذه الطريق المكتظة بشكل غريب. زبائن مقهى «لا شوب» وحدهم لهم القدرة على إحصاء عدد المرات التي قطع فيها هؤلاء الأشخاص ممر الأمير، ومنهم من يكون بفعل تكرار المشهد قد تعود عليهم وصار يعرفهم. يعترف إبراهيم العاطل عن العمل بأنه تعود على الذهاب إلى ممر الأمير التجاري، قصد اصطياد فتاة أو امرأة، يرمي شباكه وينتظر سقوط الضحية، ويقول إنه في سبيل ذلك يرتدي بذلة أنيقة ويضع ربطة عنق ويحمل في يده حقيبة، كي يوحي للنساء بأنه شخص مهم، لكنه في الغالب يقع على فتيات جئن أيضا للبحث عن ضحية من الرجال، وفي حالات قليلة تنطلي الحيلة على امرأة محترمة، ملحا على التشبث بخيط الأمل إلى أن تقع الفريسة التي يتمناها. في الثلاثاء الماضي كانت امرأتان في الأربعينيات من عمرهما تتجولان في ممر الأمير، دون أن تشتريا أي شيء، ودون أن تغادرا أيضا هذا الموقع الاستراتيجي، واحدة منهما ترتدي «جلابية» وتتمايل في مشيتها بطريقة تستفز عيون الرجال، وتلتفت لقنص أي واحد يبدي رغبته في مرافقتهما. شخصان آخران ربما جاءا لنفس الغرض تحدثا معهما ومشى الأربعة في الطريق وتجولوا كأنهم يعرفون بعضهم البعض لسنوات طويلة، ليفترقوا فجأة، دون أن يتمكن أحد من معرفة ماذا حدث بالضبط، وفي مكان آخر من «البرانس» عادوا للحديث من جديد، للتفاوض وتذويب الخلافات السابقة. المهنة متحرش يروي أحد الشباب، والعهدة عليه، أنه دأب على التوجه بسيارته إلى ضريح «سيدي محمد» بعين السبع، والانتظار أمام الباب حتى لحظة خروج امرأة، محاولا إقناعها بالركوب معه. يقول إنه اختار هذا المكان الذي تأتيه النساء لإبطال السحر أو تفعيله، وللتبرك أو طرد النحس، لأنه الموقع المفضل والأمثل للإيقاع بالعوانس اللواتي يقصدن الشيخ المدفون بعين السبع ويطلبن منه أن يعثر لهن على عريس ويفك عقدتهن، فيوهمهن الشاب صاحب السيارة بأن الولي الصالح حقق مرادهن وأحضر لهن زوج المستقبل إلى غاية الباب، كي يتقدم إلى خطبتهن. لقد أكد أنه حصل على مغانم كثيرة بهذه الطريقة، وأوقع أكثر من عانس في خدعته الماكرة. وهناك موضة أخرى يستعملها البعض هذه الأيام، ويمكن أن تسمى التحرش بالخلف أو بالنقيض، مثل ذلك المنهج المنطقي المعروف، حيث يعمل المتحرش على الاقتراب من الفتاة، ويشرع في الاحتجاج عليها بالقول «علاش آختي باغيا تهضري معايا، لا آختي ما باغيش نهضر معاك»، وهي طريقة يعترف أصحابها بأنها تؤتي أكلها أكثر من تلك التقليدية والتي تقتصر على قاموس الغزل المعروف، ويمكن بواسطتها انتزاع ابتسامة من الفتاة بسهولة وجعلها تتحدث معك. وفي الحي الصناعي يستغل مجموعة من الشباب أوقات تناول طعام الغداء، وخروج النساء المشتغلات في معامل النسيج في المساء، وينصبون فخاخهم عارضين عليهن رغبتهم في ربط علاقة، ويقول أحد القاطنين بالقرب من الحي الصناعي إن»معظم البنات في هذه المعامل تتملكهن الرغبة في العثور على زوج»، مؤكدا أنهن صيد سهل، ولا يتطلب كثير موهبة. أما المقاهي فهي بدورها مكان مفضل لممارسة هذه الهواية، التي تتطلب إتقانا كبيرا وأناقة ظاهرة مع ضرورة التوفر على هاتف نقال من آخر جيل، وأن يدعي الشخص أنه يتلقى مكالمات تدور حول المال والشركة أو المشروع الذي يملكه، والحال أنه لا يملك أي شيء إلا ثمن القهوة. وهناك نموذج آخر من زبائن المقاهي الذين يبحثون عن الفتيات، يشبهون زملاءهم في البذلة الأنيقة وربطة العنق، إلا أنهم وبدل البصبصة الكلاسيكية يستعملون إيماءات وحركات خاصة وغمزا بأعينهم لتقع الفتيات في عشقهم. تحرش بي أرجوك يحكي نادل في مقهى أنه اكترى رفقة بعض الأصدقاء العزاب غرفة في إحدى البنايات في المدينة القديمة بالدارالبيضاء، وكانوا يسكنون بجوار أسر كثيرة تضم بناتا وأولادا، ويقول إنه في إحدى المرات كان مستلقيا على سريره يغالب النوم، وفجأة سمع باب الغرفة يفتح لتدخل ابنة الجيران مغلقة الباب خلفها ورمت بجسدها عليه، «فضاجعتها أو بالأحرى ضاجعتني وأنا أرتعد من الفزع مخافة أن يكتشف أهلها الأمر وتحدث الكارثة أو أن يفرضوا علي الزواج منها». ويضيف أن تحرش النساء به تكرر أكثر من مرة، وفي ظروف مختلفة، «فقد كنت أعمل نادلا في مقهى بحي راق في الدارالبيضاء، تقصده فتيات جميلات يدخن المارلبورو لايت، ومرة طلبت مني واحدة أن أذهب لأحضر لها علبة سجائر وأوصلها لها في الشقة التي تسكن بها، خرجت مسرعا من المقهى لأشتري المارلبورو، وفي الوقت الذي دخلت إلى بيتها وجدتها عارية تماما إلا من السوتيان، فأغلقت الباب خلفنا وبدأت تلاطفني وتضحك معي، لكني تمنعت في البداية لخوفي من الباطرون وقلت لها إني تركت المقهى فارغة وعلي أن أعود حالا، فردت علي معاتبة بأني لا أكف عن ترديد لازمة العمل «ديما نتا خدام»، فاضطررت لأن أمارس معها الجنس بسرعة لأن صاحب المقهى ينتظرني، ومن ناحية أخرى درءا لكل مفاجأة كأن يدخل فجأة شقيقها أو والدها». ويحكي الشخص نفسه أنه قبل أن يشتغل كنادل كان يعمل عند بقال في أحد الأحياء الشعبية، حيث كانت تسكن فوق الدكان معلمة تتردد على المحل، «ودائما تلح علي أن أصعد عندها لأركب مصباحا أو أصلح صنبورا وغيرها من المبررات الكثيرة التي تختلقها، وكنت كلما استجبت لطلبها وصعدت تعتذر وتقول إنها كذبت علي لأن هذا هو الحل الوحيد كي أستجيب لها، ولو لم تتذرع بذلك لما صعدت، والغريب في الأمر أنها استمرت في معاكساتها، إلى أن طلبت مني أن أحضر لها سلما من الدكان، فرفضت وانتهت علاقتنا بعد ذلك». النساء لسن بريئات في كل الحالات، وليس الرجل وحده من يتحرش، هن أيضا يقمن بذلك، كما حدث بالضبط لعبد القادر، الذي كان ضيفا عند أقرباء له يتعشون ويجتمعون حول مائدة مفترشين الأرض، أما الوجبة فهي قصعة كسكس كبيرة، في تلك الأثناء بدأ الضيف يشعر بشيء يلمس قدميه من تحت المائدة، ولم تتوقف هذه المداعبة بأصابع القدم، رغم أن الجميع كان منهمكا في الأكل، ويقول عبد القادر إن هذه البنت كانت في وقت سابق تحاول التحرش به مستعملة إيحاءات جنسية ونظرات داعرة إلا أنه لم يبد تجاوبا مع رغباتها الآثمة «لأني أكن الاحترام لوالدها». النساء أيضا يتحرشن أن يقف رجل بسيارته وينادي على فتاة كي تركب معه أمر مألوف وتعود الناس عليه، وصار لتكراره يدخل في إطار «المقبول» من طرف المجتمع، لكن أن تقوم بهذه العملية امرأة، فهي مسألة مثيرة للدهشة والاستغراب، والحال أن هناك حالات كثيرة تؤكد ذلك. يروي شاب في الثلاثينات أنه كان سائرا في شارع مولاي يوسف بالدارالبيضاء غير مهتم بما يجري حوله، ليفاجأ بسيارة تقترب منه وتسرق انتباهه الذي كان غائبا، كانت السيارة تسير ببطء منسجمة مع خطواته، مما أرغمه على محاولة النظر إلى من يوجد على متنها، وفي تلك اللحظة رأى سيدتين تشيران إليه كي يصعد. «لقد ترددت في البداية، وارتأيت أنه من الأفضل أن يركنا سيارتهما قرب إحدى المقاهي لنجلس ونتحدث قبل الإقدام على أي شيء آخر، وهي فرصة لأتعرف على نواياهما وماذا تريدان مني أمام زبائن المقهى، كي لا أفاجأ بأشياء لم أكن أنتظرها، أو أن أتعرض لموقف حرج أو عملية نصب، والغريب أنهما ألحتا علي كي أصعد وهما تبتسمان، وبالنسبة إلي كان ذلك يمثل جرأة غير عادية من فتاة مغربية تدعو غريبا لركوب سيارتها، فأذعنت لرغبتهما وصعدت وتحدثنا عن هذه النقطة بالضبط وكانت موضوع نقاشنا على طول الطريق التي قطعناها بالسيارة». ويضيف هذا الشاب محاولا فلسفة هذه التجربة: «الغريب أن هذا التحرش بدا لي أنه ينطوي على نزعة تحررية وبقدر ما يكشف في نفس الوقت عن انغلاق أفق وعن الرغبة في تجريب علاقات مختلفة خارج القنوات الاعتيادية، فقد تكررت اللقاءات مع صاحبة السيارة، وانتهينا إلى الفراش، وكما ابتدأت هذه العلاقة التي لم تنبن على أسس متينة انتهت بقضاء وطرها مني بعد أن أرغمتني على النوم معها، وكانت خاتمة هذا الارتباط الغريب هي الفشل والجنس، أنا أقدم جسدي وهي سيارتها ورغبتها القوية في مضاجعة الغرباء، الذين تبدلهم كما يبدل الناس جواربهم». وفي شهادة أخرى يؤكد شاب أنه تعرض للتحرش حينما كان يتجول في المحل التجاري المعروف «ألفا 55»، ففي الوقت الذي كان يجرب بعض القبعات التي تعرض للبيع فوجئ بامرأة تمتدحه وهو يعتمر القبعة بالقول «جاك فن هاد الشابو»، ليكملا جولتهما معا في أروقة ألفا، وليخرجا بعد ذلك كعشيقين إلى أقرب مقهى. ركوب الحافلات والنساء تؤدي الحافلات في المغرب وظائف كثيرة ونافعة، فهي توصل الناس الذين لا يملكون سيارات ولا ثمن طاكسي إلى الأماكن التي يرغبون في التوجه إليها، كما أنها تقدم خدمة كبيرة للصوص الذين يجدون في الازدحام الذي توفره جنة لنشل الركاب وسرقة محافظ نقودهم وهواتفهم النقالة، ومن جهة أخرى فالحافلات هي مكان مفضل لممارسة هواية التحرش الجنسي بالنساء، حيث يختار البعض ركوبها لهدف أكبر هو ركوب الجنس اللطيف من الخلف. هناك أشخاص متخصصون في هذه «المهنة»، ولا يصعدون إلى الحافة بغرض الوصول إلى مكان ما، إنما يتلخص هدفهم في الصعود إلى ذروة لذة مرضية. يسكن في أحد أحياء الدارالبيضاء الشعبية شخص معروف بهذه الهواية، يمارسها منذ سنوات بحماس منقطع النظير رغم كل ما يمكن أن يترتب عنها من مشاكل وصعوبات، حيث لا يتردد في إخبار «أبناء الدرب» بمغامراته الكثيرة في الحافلات التي تجعله أحيانا يقع في مواقف حرجة، كما أنه لا يخجل من الافتخار بإنجازاته الكبيرة. ومن الحكايات التي يرويها أصدقاؤه عنه أنه خرج ذات يوم متجها نحو محطة الحافلات، وكان يلبس سروالا أبيض، وبمجرد ما بدأ يؤدي مهمته الجنسية خلف إحدى النساء حتى شرعت المرأة في الصراخ طالبة النجدة من باقي الركاب، الذين هبوا لإنقاذها، ليكتشفوا البنطلون الأبيض المبلل، فانهالوا عليه بالضرب. وأسر بعد ذلك لأصدقائه أنه ارتكب خطأ فظيعا تمثل في اختياره غير الموفق للون السروال، مما جر عليه الفضيحة ونيله لحصة محترمة من الصفع واللكم، كما قال لهم إنه يتصرف هذا التصرف رغما عنه ولا يستطيع مقاومة هذا الإغراء، معترفا بأنه لا يجد متعة في ممارسة الجنس، وأنه يكتفي بالالتصاق بمؤخرات النساء في الحافلات، التي تحقق له متعة لا تضاهى، إلى درجة أنه لا يستطيع كبح هذه الحاجة الملحة، ورغم الضرب الذي تلقاه أكثر من مرة فإنه يتمتع بهذه الممارسة ولا يملك القدرة على التوقف عنها، باحثا عن الزحمة بين النساء أينما كانت، مضيفا أنه يعي أن الأمر تحول بالنسبة إليه إلى حالة مرضية، حتى إنه بدأ يطمع في الالتصاق بالأطفال الذي لم يسلموا من نزواته الشاذة، دون أن يفكر في الاعتداء عليهم جنسيا، لأنه لا يستطيع ذلك ولا يثير فيه أي رغبة جنسية، بل يكتفي بتقريب عضوه التناسلي ولصقه بأي عجيزة، وهنا تتوقف استيهاماته ولا تتعدى هذه المرحلة، فالمؤخرات تسرق لبه، كما أنه يؤكد أنه يستمني بشكل غير طبيعي ويفوق الخيال. تحرش إلكتروني قبل أشهر قامت إحدى شركات الهاتف المغربية بتقديم عرض مغر أسال لعاب عدد كبير من الزبائن، تمثل في منح المنخرطين الجدد إمكانية الحديث مع بعضهم البعض مجانا ولمدة غير محدودة. وبالفعل استغل عدد من الناس هذه الهدية الترويجية لتركيب أرقام كيفما اتفق، على أمل أن يعلق صيد ثمين في الصنارة، ويقول أحد الذين تمكنوا من الحصول على رقم هاتف نقال يعود إلى هذه الشركة أنه كان يتلقى مكالمات كثيرة من ذكور وإناث لا يعرفهم، يتصلون به لمجرد أنهم يتوفرون على هواتف ثرثارة وبدون مقابل، حيث كان بعض الذين يتصلون وبمجرد علمهم بأن المخاطب رجل يقطعون الخط، أما البنات فقد كن يتحدثن معه ويطلن الكلام، ويؤكد أنه التقى بعضهن من خلال هذه الوسيلة، حيث كان بدوره يلجأ إلى هذه العملية ويفرد شباكه قاضيا ساعات في الاتصال إلى أن يعثر على صوت فتاة. وفي علاقة دائما بالهاتف النقال، يستعين عدد كبير بتقنية «البلوثوت» لاصطياد الفتيات والعكس، حيث يقوم الشخص في مقهى تقبل عليها البنات مثلا ببعث رسائل تتلقفها هواتف كل الجالسين في المقهى، تتضمن أرقام الهاتف أو رسائل ذات طبيعة غزلية، يمكنها أن تفضي إلى لقاء في الحين أو اتصال بعدي، أو ربط موعد. لكن هل يمكن اعتبار هذه الظاهرة تحرشا، أم تظل في إطار المسموح به وما منحته الاختراعات الجديدة من إمكانات للتواصل، وهل يمكن أن توضع في قائمة خاصة تدخل في خانة ما يمكن تسميته بالتحرش الافتراضي أو الرمزي؟ لقد أتاحت شبكة الأنترنت مساحة واسعة للفضفضة وتبادل الاعترافات والرغبات الممنوعة والمحرمة في العالم الواقعي، جسدتها بالملموس غرف الدردشة والعلب الإلكترونية، حيث يجد الشباب وحتى الكبار في الشبكة العنكبوتية مجالا مناسبا للتحرش وتبادل الكلمات البذيئة والداعرة، والإفصاح عن المكبوتات، مادام الشخص الموجه إليه الكلام، سواء كان ذكرا أو أنثى، يعرف أنه يأخذ مسافة تفصل بينه وبين المتحرش به، بل إنه يحب أن يسمع ويرى ذلك في شاشة الكومبيوتر، كتعويض منه عن واقع يرفض تصرفا كهذا. كلية الآداب وعلوم التحرش كان الطلبة يصطفون في طابور أمام إحدى القاعات، في انتظار أن يأتي دورهم لاجتياز الاختبار الشفوي، الأستاذ يجلس لوحده خلف مكتبه، يوجه لكل طالب بعض الأسئلة حول مفهوم «القطيعة» ومفاهيم فلسفية أخرى، وفجأة قرر أن يخرج ليفرق شمل الطلبة الذين كانوا يتهيؤون ويطالعون كتبهم قبل لحظة الحسم، آمرا الطلبة الذكور بالمغادرة على أن يأتوا صباح الغد لاجتياز امتحاناتهم، مع تأكيدهم أن هذا اليوم مخصص فقط للطالبات. ولأن الجميع على علم بسمعة هذا الأستاذ، فقد قرر بعض الفضوليين انتظار زميلاتهم لمعرفة ما يقع بالضبط، وماهي هذه الأسئلة التي يطرحها كي يستعدوا لأي احتمال. ومع الوقت تحول هذا الاختبار الشفوي إلى مشهد مضحك ومثير للحنق في نفس الوقت، بعد أن خرجت طالبة بأزرار قميصها مفتوحة وشعر منفوش كأن أيد كثيرة لعبت به، لتليها أخريات اعترفن أمام الطلبة الذكور بالأسئلة التي طرحها عليهن الأستاذ الجامعي والتي تتعلق في معظمها بربط موعد، أو مداعبة بسيطة مقابل نقطة جيدة، وحتى بعض اللواتي قبلن شروطه حكين ماذا فعل بهن بشفافية كبيرة، لأن بعض البنات لا يجدن حرجا في قول مثل هذه الأشياء. وفي اليوم التالي جاء الموعد المخصص للذكور، ونصح الأستاذ طلبته بالاعتناء بدروسهم وضرورة المطالعة وقراءة المراجع في مصادرها الأولى، وإلا لن يمكنهم الاستمرار في هذه الشعبة التي تتطلب مجهودا كبيرا وتفانيا في التعلم. نفس الأمر تقريبا تتعرض له الراغبات في العمل اللواتي يجب عليهن إبراز كفاءاتهن الجنسية واستعدادهن للخضوع لنزوات المدير أو الرئيس المباشر، لكي ينلن القبول. معجم التحرش يخضع معجم التحرش مثله مثل اللباس لتقلبات الموضة، فالكلمة التي تنفع في زمن محدد تتحول إلى صرعة قديمة ومثيرة للسخرية، ما إن تسمعها الفتاة حتى تبتعد عنك متأففة من سماع صوتك. فقد أصبح من النادر أن تسمع حاليا «فين آلزين والغزالة والفن ومانشوفكش والزوينة وسعاد ونادية وغيرها من الأسماء أو زوزو وفين التوت ومشاء الله وتبارك الله ...». أما كلمة «الصاطة» التي كثر استعمالها في السنوات الأخيرة، فليس استعمالها مضمون العواقب، وقد ينقلب مفعولها لينفر البنت من المتحرش، باعتباره قليل ذوق. لقد عوض الهاتف والرسائل القصيرة والأنترنت الشباب عن تحمل مشاق محاولة استمالة الفتيات والتأثير عليهن بالغزل والمديح، وأصبحت هذه الاختراعات تفي بالغرض. الأكثر لباقة يستعملون معجما فرنسيا متأنقا مع نوع خاص من الإناث لا يقبلن من يتحدث معهن بالدارجة ف«ما بيش» تختلف كثيرا عن «الغزالة ديالي» لكن البعض الآخر يفضل الاستعانة بأسماء المغنيات والممثلات المشهورات، لأنهم على دراية أن كل فتاة تحلم بأن تكون شبيهة بنانسي عجرم أو هيفاء وهبي، أما إذا رفضت الواحدة إطراء الشاب المتغزل وعبرت عن امتعاضها، فإنه يغير موقفه في الحين ويصفها بالمحلبة أو البقرة التي تصدر اللبن إلى أستراليا، ولا أحد يعرف الأسباب الكامنة وراء اختيار هذه الدولة البعيدة دون غيرها، أو أن يشبهها ب«الهيشة» و«المعيزة» إذا كانت تضع ضفائر أو سمراء اللون، أو يقول لها «وا طرف هو» أو «واوا عندك». النساء أيضا يمتلكن معجمهن الخاص، ويستعملنه في البارات والفضاءات الليلية المغلقة كالكاباريهات والمراقص الليلية الشعبية، والتي يقصدها زبائن من البدو الأثرياء، وأصحاب بعض المهن كالمتاجرين في قطع السيارات المستعملة «لافيراي»، حيث تسمع الواحدة تتغزل في الرجل باستعمال جمل وكلمات معروفة في هذا الوسط مثل «فينك آلموسطاش»، «شي كاس آللحية» أو«الفورمة» و«الزين» و«فينك أخويا» و«بغيت نسولك» وفي حالات كثيرة يتم استعمال الإيحاء والإيماءات ومصمصة الشفاه والغمز بالعيون.