الوصول إلى مضايق تودغة بنواحي تنغير مسألة لاتحتاج إلى عناء كبير. وجود «مرشدين» محليين من الشباب وأبناء المنطقة يدلل صعاب الراغبين في زيارتها لاكتشاف سحر الجبال الصخرية، التي يصل علوها إلى ثلاثمائة متر . وهي تمتد في الاتجاهات الخمسة ، تخفي معالم السماء، وتمنح للزوار فرصة التأمل في تشكيلات صخرية، صنعتها الطبيعة عبر السنين. الساكنة المجاورة لهذه المضائق خاصة الشباب منهم، تحولوا وبحكم معرفتهم بتضاريس المنطقة، وفي غياب فرص عمل إلى مرشدين ومدربين وأيضا متسلقين لجبالها.. في فترات الصباح عادة ما تكون الحركة في المضايق بطيئة. السياح القلائل الذين يظهرون بين الفينة وأخرى لايتوقفون طويلا فهم يسرعون بسياراتهم من نوع «كاط كاط»، يخترقون الطريق الأسفلتي الضيق بين الجبال، في اتجاه مواقع محددة لممارسة رياضتهم المفضلة في التسلق، بعد أن عبروا ورزازات بعد المرور على قلعة مكونة، ثم بومالن قبل الوصول إلى تنغير. فعلى بعد أسابيع وقبل أن ينفض الموقع غبار الركود إستعدادا لانتعاش الحركة السياحية في فصل الصيف تحديدا، يجد السياح ومعظمهم من الأجانب، الفرصة مواتية للإنطلاق للمغامرة، يتأبطون حبالا وحقائب على ظهورهم، ينتعلون أحذية ويضعون قفازات خاصة لتساعدهم على التسلق « وحدهم من تغريهم الجبال الشاهقة التي يصل علوها إلى 300 متر لممارسة فهم القادرون على ممارسة تسلق الجبال بكل حرية » هكذا يعلق عبد الله بائع الملابس التقليدية، وبعض المواد الغذائية ب« دكانه» بمحاذاة الطريق التي تعبر الفج، وهو يرتدي «دراعيته» ذات اللون الأزرق السماوي، فيما كان يتابع مرور السياح الثلاثة الذين بدت على وجوههم علامات الإنهاك الشديد، لكنهم رغم ذلك كانوا يبتسمون، وبتبادلون الحديث مع سعيد، مرافقهم من أبناء المنطقة، الذي ألف إطلاق عنان للحديث عن (خبرته) كمرشد جبلي « يلاه رجعنا من راس الجيل ، ربعة دسوايع ديال الطلوع، والهبوط من جبل لاخر » قال وهو يصف عمله المتقطع هنا بمضايق تودغة منذ أزيد من ثمان سنوات. متسلقو المضايق.. بين الجبال تعلم سعيد، مهنة «فوكيد» أو مرشد غير قانوني. بقامته المتوسطة، وجسده الرياضي، الذي اكتسب المرونة بفعل ممارسته بدوره لرياضة المشي وتسلق الجبال، بمعية الأجانب خاصة. ولعه بهذه الرياضة لاينتهي. لكن العائق الكبير الذي يقف أمامه كان صعوبة « التوفر على وسائل التسلق الضرورية لهذه الرياضة المحفوفة بالمخاطر ، فليس من السهل على أي كان المغامرة وممارسة هذه الهواية دون أدوات مناسبة لذلك.« خاص الماتيريال ديال كرامباج ديال الجبال». يعلق بحماس شديد. لكن سعيد الذي كان يرتدي جلبابا تقليديا فوق بذلة التسلق تمكن بفضل إتقانه لثلاث لغات أن يكسب ود السياح وصداقتهم ، وعدد مهم من ممارسي هذه الرياضة، خاصة القادمين من فرنسا واسبانيا، وانجلترا، . الثقة المتبادلة، مكنته من « إحتراف » مهنة مرشد فرغم أنه لايتوفر على الترخيص الضروري بحكم مستواه الدراسي، وغياب التشجيعات لأمثاله من أبناء المنطقة ، حسب قوله، فإن ذلك لم يمنعه من أن يكون هنا كل صباح في انتظار الفرصة لمرافقة «زبنائه» وارشادهم للأماكن المتاحة للتسلق. عملية مكنته كذلك من الحصول على عدته، بعد أن قايض خدماته للسياح، برغبته في االحصول على حبال التسلق المناسب والعدة الضرورية لذلك. « في المغرب ثمن هذه التجهيزات الرياضية باهظ، وبالنسبة لي، فإمكانياتي المادية لاتسمح لي باقتنائها كما يندر وجودها بالمدن المجاور». «أنه متسلق بارع..» هكذا وصفه باتريك المتسلق الفرنسي القادم من ضواحي باريس، والابتسامة تعلو محياه. كان منهمكا في لف الحبل، الذي استعمله منذ ساعة في تسلق الجبل الجاثم أمامه. تابع رفقة زميله، ارشادات المرشد بانتباه شديد. فباتريك وغيره ممن زاروا المنطقة سبق لهم أن رافقوا عددا من أبناء المنطقة، في رحلات استطلاعية تمتد لأيام إلى واحات ضرعة وزيز وتنغير النخيل، والقصور التاريخية القديمة المشيدة من الطين، والمقاومة لقساوة المناخ الذي يميز المنطقة. والتي يعود تاريخ إنشائها إلى 1630 م. أنشطة موازية.. شباب المنطقة، ومنهم حاملو الشهادات، تحولوا وفي غياب فرص عمل ومع مرور الوقت إلى مرشدين، يقضون سحابة نهارهم، في استقبال الزوار، وعرض خدماتهم في الارشاد السياحي الجبلي، هذا بالرغم من أنهم لايملكون شهادات أو تراخيص لذلك من طرف الوزارة الوصية على القطاع السياحي، لكن معرفتهم الجيدة بشعاب المنطقة، وخباياها يمنح للزوار فرصة للتعرف عن قرب على القصبات، والواحات التي تزخر بها المنطقة. « لاتوجد مراقبة أو تتبع من لدن الجهات الوصية على القطاع السياحي، لسبب بسيط أنها لاتولي أهمية للمنطقة للتنميتها سياحيا باستثناء، بعض المبادرات الخاصة لأبناء المنطقة، في خلق بعض الانشطة » يقول محمد أحد أبناء تنغير الذي، مارس الإرشاد بالمنطقة في فترات متقطعة من السنة خاصة خلال فصل الصيف، حيث يكثر الاقبال على المضايق، وتمنح بذلك فرصا متقطعة للعمل لساكنتها. هواية تسلق الجبال بدأت تستهوي أيضا بعض باعة المنتوجات اتلقليدية المحلية، التي يعرضونها في محلاتهم المشيدة في جنبات الطريق، وتحت قدم الجبل، لذلك اختار بعضهم تجريب العملية، خاصة منهم الشباب الذين تسمح لهم قدراتهم البدنية على المغامرة، والصعود في الصخور المسننة والعارية « تعلمنا من الدراري لي سبقونا، ولكن النصارى لي كيجيو هوما لي كيتقنوا هذا الرياضة ..» هكذا يلخص محمد كيف اهتدى إلى هذه الهواية. إصابته في الكاحل، بعد إنزلاق غير متوقع، حالت دون استمراره في ممارسة هذه الهواية، لكنه لم يندم كثيرا فهو الآن يقوم من حين لآخر بمرافقة عدد من أصدقائه القدمى، الذين تعودوا زيارة الموقع والقادمين من عدة مدن أخرى، ومرافقتهم في جولاتهم السياحية، ليس بالمضايق بل في عدد من المواقع السياحية بالجنوب المغربي. باعة آخرون، من توفرت لديهم إمكاينات الحصول على أجهزة التسلق، فإنهم يقومون بكرائها بأثمنة متفاوتة حسب الفصول. وسائل منها الحبال، وأجهزة الربط وحماية المتسلق، ثم القطع الخاصة للتثبيت في الصخور، والتي لاتصنع محليا، بل يتم «شراؤها» من الأجانب بأثمنة غالبا ما تكون «مشجعة». كراء هذه الوسائل يعتبر بدوره مصدرا للدخل في فترات الركود، وتراجع السياح القادمين إلى المنطقة. لكن الاقبال على هذا «النشاط» الموازي لم يلغ تشبتهم، بتجارتهم الأساسية المتمثلة في بيع كل ما تنتجه أيادي الصناع والصانعات التقليديات من منتوجات،يؤثتون بها دكاكينهم، وتمنح لتجارتهم خصوصية في الحفاظ على هوية المنطقة من الجانب الثقافي والاجتماعي.كالسيوف والمجوهرات النسائية بمختلف أنواعها، وأغلبها مصنوع من الفضة، والحلي والزرابي.. تودغت.. الحياة لاتتوقف بمضايق تودغة. في جهة سوس ماسة درعة غير بعيد عن مدينة تنغير الحياة لاتتوقف رغم الطابع القاسي للتضاريس. يصبح الزمن الحقيقي مرادفا لانتعاشة مقبلة للسياحة الجبلية. فهي مورد اقتصادي بالنسبة لعدد من القاطنين بالدواوير المتفرقة والواحات هنا. أما الماء، فهو يتدفق بين الجبال الصخرية القاسية يترجم الحياة بامتياز متحديا قساوة الطبيعة. هذا بالرغم من تراجع كمياته عن مستواها السابق. معطى أخبرنا به البائع عبد الله، بخبرته الطويلة في هذا الفضاء والذي اختار أن يضع دكانه في مكان بعيد عن بقية باعة المنتوجات التقليدية الآخرين. التساقطات المطرية القليلة في الأيام القليلة الماضية ألهبت حماس بعض الفلاحيين الذين خرجوا بفؤوسهم ومعاولهم لزراعة الأرض، والعناية بأشجار النخيل في واحات الوادي الممتدة إلى موقع تودغة، الذي تتضارب حوله التسميات. تضارب كان على لسان عبدالله والذي لخص قصتها بكون «تنغير قديما كانت تسمى تدغى، فأحد سكان الجبل جاء إلى السوق الأسبوعي مع زوجته التي تسمى « تودى » وبينما هو منشغل بالتسوق ضاعت زوجته في كثرة الازدحام الشديد، وعندما اكتشف الأمر بدأ يبحث عنها وينادي ” تودى ” ” تودى “. سمعه أحد الزائرين للموقع، فظن أن اسم المدينة ” تدغى “. غير أن التسمية الأصلية للمنطقة وفق لسان السكان المحليين هو ” تدغت ” وهو تحريف لكلمة ” تودغت “. بالنسبة لعبد الله فهذا التغير هو الأقرب لأن وادي تودغى هو عبارة عن واحة وسط الصحراء صخرية شبه قاحلة.ذات لون أحمر يميز أوكسيد الرصاص. ويخترقها وادي تودغى المدرار، وفيه نهر ينبع من سلسلة الأطلس الكبير ويصب في وادي اغريس. عبد الله ومعه بقية الباعة القلائل بالموقع السياحي متفائلون لكن بحذر، بدا ذاك واضحا على وجوه عدد منهم، شهاداتهم تعبر عن قلقهم للكساد فهم لايملكون وهم يمضون سحابة نهارهم في متابعة الأعداد القليلة من الوافدين. فالسياحة هي عصب الحياة بجبال تودغة. ترى ذلك في وجود الساكنة، المجاورة، ففي فصل الصيف تتحول المنطقة إلى مزار دائم للقوافل القادمة من مختلف المدن المغربية. أومن خارجه كذلك إلى درجة أن يمكن احصاء أزيد من مائة ألف زائر في أوقات الذروة، الأمر الذي سرع من وتيرة تشييد المنازل ودور الضيافة، خاصة من طرف مهاجرين من أبناء تنغير الذي اختاروا الاستثمار في هذا المجال، وفتحوا شهية المقبلين على اقتناء العقار بالمنطقة على القدوم وبكثرة، أملا في أن يتحول الاقبال على الموقع إلى حضور دائما لكن على طول السنة.