إذا كانت «ترانسبرانسي المغرب»، قد اتهمت الحكومة، قبل أيام، بعدم الإقدام على خطوات عملية لمحاربة الرشوة، وأن هناك هيمنة للفساد، ولا يكاد يسلم منه أي قطاع، فإن هذه الحقيقة، هي نفسها التي خلصت إليها منظمة ”الشفافية العالمية”، في تقريرها لسنة 2012، وذلك بعدما تراجع تصنيف المغرب في مؤشر مدركات الفساد بالنسبة للمنظمة الدولية من المرتبة 80 السنة الماضية، إلى المرتبة 88 هذه السنة. ووفق هذه المؤشرات، فإن الفساد يعرف انتشارا في العديد من القطاعات. فحسب الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، تعتبر الإدارة الضريبية من بين القطاعات الأكثر تعرضا للرشوة، وأن النظام الضريبي يساهم في امتلاك الثروات لصالح أقلية في مقابل أغلبية فقيرة، وبعد المجال الضريبي، الذي يعد من المجالات التي تستفحل فيها الرشوة، حسب ”ترانسبارنسي المغرب”، يأتي النظام القضائي والموظفين العموميين في نفس المرتبة، تم تتلوهما الشرطة في مرتبة ثالثة ، وحسب البارومتر العالمي، ليس هناك قطاع واحد لا يمسه الفساد، بما في ذلك المجتمع المدني والأحزاب والبرلمان وأفراد من الجيش ووسائل الإعلام، باستثناء المؤسسات الدينية. وفي هذا الاتجاه، أكدت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة في عدد من تقاريرها أن للرشوة علاقة وثيقة بالمجال السياسي، خاصة في الانتخابات وعلى ذكر علاقة الرشوة بالمجال السياسي، مؤشر البارومتر العالمي برسم السنة الماضية، يشير إلى أن الأحزاب السياسية تحتل بالتساوي مع المؤسسة التشريعية، المرتبة الرابعة في تصنيف القطاعات الأكثر تضررا بالفساد، خلف كل من النظام القضائي والموظفين الحكوميين والشرطة، حيث لاحظ أن الممارسة الحزبية تشوبها عدة أعطاب تعوق نجاعة العمل الحزبي وتؤدي إلى تفشي مظاهر الفساد بالارتباط مع تدني مستوى الحكامة الحزبية وما تستوعبه من مبادئ كالشفافية والمساءلة. أما في ما يتعلق بالبرلمان، فإن الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة رصدت في تقرير سابق لها كيف أن الفساد الانتخابي انتقل إلى المؤسسة التشريعية بغرفتيها، وكيف أن هذه الأخيرة لم تتمكن من التخلص من تداعيات الواقع الانتخابي، حيث احتل البرلمان المرتبة الرابعة في ترتيب القطاعات الأكثر تعرضا للفساد بالمغرب برسم البارومتر العالمي للسنة الماضية. واقع، أرجعه التقرير إلى سلوكات أثرت بشكل بليغ على الحكامة البرلمانية والمتجلية على الخصوص، إلى الترحال البرلماني الذي ساهم في المساس في صورة ومكانة المؤسسة التشريعية، بالاضافة استمرار ظاهرة غياب النواب والمستشارين البرلمانيين عن الحضور إلى جلسات البرلمان بشكل منتظم. وإذا كان واقع الرشوة قد زاد استفحالا هذه السنة، فإن ذلك هو ما أكده عبد السلام أبودرار رئيس الهيئة المركزية للوقاية للرشوة الشهر الماضي، أثناء تقديم تقرير المؤسسة التي يشرف عليه لسنة 2010- 2011، حيث أكد أن «رقعة الفساد تتجه نحو التوسع والامتداد لتشمل مختلف مجالات تدبير الحياة». ترانسبارانسي الدولية: المغرب يتراجع في التصنيف العالمي لمكافحة الفساد تراجع المغرب إلى الرتبة 88 في التصنيف الجديد للمؤشر العالمي لإدراك الرشوة هذه السنة، وذلك بعدما كان يحتل الرتبة 80 السنة الماضية، حسب ما كشفت عنه منظمة “الشفافية الدولية” في تقريرها الأخير، حول ترتيب الدول في مكافحة الرشوة. تدحرج المغرب ب8 مراتب يضع حكومة عبد الإله بن كيران في المحك. فبعد مرور قرابة سنة على تنصيبها، لم يتمكن شعار «محاربة الفساد»، الذي رفعته الحكومة من شق طريقه إلى الواقع، بل على العكس من ذلك، «استفحل في عهدها الفساد ليعم جميع القطاعات الحكومية»، وذلك بشهادة منظمة “الشفافية الدولية”. فمن أصل 176 دولة التي شملها التقرير، لم يستطع المغرب تحسين ترتيبه على مستوى المؤشر العالمي لإدراك الرشوة، بحيث يواصل الفساد استفحاله في قطاعات حيوية، ويأتي النظام الضريبي والقضاء والموظفين العمومين على قائمة المجالات التي تعرف درجة أكبر من الفساد، إضافة إلى مؤسسات أخرى من قبيل البرلمان والأحزاب السياسية وغيرها. وحسب التقرير دائما، فإنه على الرغم من الحملة المتصاعدة ضد الحكومات الفاسدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال العام المنصرم، فإن مستويات الرشوة وسوء استخدام السلطة والتعاملات السرية ما زالت مرتفعة للغاية في الكثير من هذه الدول. ولم تخل لغة تقرير هذه السنة من التشاؤم بسبب اتساع دائرة الفساد الإداري والسياسي، في عدد من الدول كانت قد حسنت وضعها؛ فوفقًا لمؤشر المنظمة، جاء ثلثا الدول المصنفة على المؤشر تحت مستوى 50 نقطة، مما دفع محرري التقرير إلى الاعتراف بحقيقة واحده وهي أن «الفساد مازال ينخر في بناء المجتمعات في مختلف أنحاء العالم». حقيقة دفعت “هوغيت لابيل” رئيسة مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية، إلى القول بأنه «لابد للحكومات من تضمين إجراءات مكافحة الفساد عند صنع القرارات العامة»، دون أن تتردد في التأكيد على ما جاء بالتقرير ب«نتائج مؤشر مدركات الفساد لعام 2012 تثبت أن المجتمعات ما زالت تتكبد تكلفة باهظة بسبب الفساد» ويبقى اللافت للانتباه في التقرير، هو أن التحولات التي عرفها عدد من الدول العربية، و جاءت بحكومات إسلامية إلى السلطة لم تعط أكلها. فتونس، التي عرفت «ثورة الياسمين»، تراجعت مركزين لتستقر في المركز 75 في حين تدنى تصنيف سوريا، التي تشهد حربا أهلية، 15 نقطة إلى 144، لكن ليبيا تمكنت من إحداث تحسن حيث ارتفعت من 168 إلى 160، كما لم تسلم مصر من التراجع بعد صعود الإسلاميين إلى الحكم، و تراجعت في التصنيف إلى المركز 118، فيما يتعلق بمستويات الرشوة وإساءة استغلال السلطة والتعاملات السرية التي مازالت مستوياتها مرتفعة في أكبر دول العالم العربي سكانا، وهو ما تظهره المساعي المبذولة من أجل مكافحة الفساد التي ما زالت تراوح مكانها، في الوقت الذي تتحدث فيه الأنظمة الجديدة عن مصاعب طبيعية تستتبعها الثورات في المراحل الانتقالية. وإذا كانت الفساد يعم أغلب دول العام، حسب لغة تقرير منظمة “الشفافية الدولية”، فإن دول الدنمارك وفنلندا ونيوزيلندا أكثر دول العالم نظافة بعدما تساوت في المرتبة الأولى، في ما تبقى الصومال وكوريا الشمالية وأفغانستان، من الدول الأكثر فسادا بحلولها جميعا في المركز الأخير.