إصابات في صفوف عناصر الأمن ، يتعرضون لها جراء رشقهم بالحجارة من قبل المتظاهرين ، أضحت مشاهد عادية خلال تدخل القوات العمومية لمواجهة عدد من الاحتجاجات التي شهدتها طنجة مؤخرا، لكن تطور العنف لدرجة التهديد بالقتل أصبح يثير قلق كل الجهات المعنية أمام إصرار بعض التيارات على زعزعة الاستقرار الأمني بالمدينة. أحداث مساء يوم الثلاثاء الأخير ، التي استعمل خلالها عدد من المتظاهرين في مسيرة السلفيين ، الهراوات والأسلحة البيضاء لمواجهة عناصر من الشرطة والقوات المساعدة خلال محاولة تفريقهم وإخلائهم من الشارع العام بعد منعهم من التوجه نحو مقر ولاية الأمن للمطالبة بإطلاق سراح أحد المنتمين للتيار السلفي ببني مكادة ، ( هذه الأحداث ) أخرجت هذه المرة الإدارة العامة للأمن ووزارة العدل عن صمتها ، أمام حجم خطورة الإصابات التي تعرض لها عدد من رجال الشرطة. المدير العام للأمن الوطني سارع إلى تكليف لجنة تفتيش مركزية بإعداد تقرير حول هذه المواجهات ، حيث حل أعضاؤها بالمدينة ، أول أمس ، وقاموا بجمع كافة المعطيات والاطلاع على صور المشاركين في التظاهرة المعنية. كما جاء رد فعل وزارة العدل سريعا أيضا عكس موقفها من احتجاجات سابقة ، حين أصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستيناف بطنجة بلاغا ، أمر فيه بإجراء بحث دقيق لإيقاف المتورطين المحسوبين على تيار ” السلفية الجهادية ” الذين يقفون وراء حادث الاعتداء على عناصر الشرطة. الاحتجاج الذي أطره أفراد ينتمون للتيار السلفي بغاية التضامن مع زميلهم الذي كان مبحوثا عنه بعد الاشتباه في علاقته بأعمال العنف التي كانت قد عاشتها منطقة بني مكادة القديمة خلال تنفيذ قرار قضائي بإفراغ منزل بحي أرض الدولة ، ( الاحتجاج ) شارك فيه مجموعة من ” الفراشة ” بشارع سوق بئر الشعيري المجاور لساحة تافيلالت ، حيث يسعى زعماء هذا التيار إلى فرض سيرطتهم على تلك المنطقة من خلال مساندتهم للباعة المتجولين باعتبار أن العديد منهم يمارسون التجارة على الأرصفة ، كما سبق لهم أن كانوا من بين أوائل المحتجين في أحداث أرض الدولة. الشخص الذي تحول إلى ” بطل ” بالنسبة للسلفيين منذ إقدامه على حرق جسده خلال وقفة احتجاجية كان قد نظمها مجموعة من أفراد أسر وعائلات معتقلي ” السلفية الجهادية ” أمام باب السجن المحلي بطنجة ، ظل يتزعم أغلب الحركات الاحتجاجية ببني مكادة ضد أي تدخل أمني بالمنطقة خاصة إذا تعلق الأمر بمحاربة الباعة المتجولين ( الفراشة ) ، حسب ما كشفت عنه تحقيقات الشرطة ، وقد ساهمت أحداث حي أرض الدولة الأخيرة ، بعد انسحاب قوات الأمن وإصابة العديد من عناصرها بجروح متفاوتة الخطورة ، في تعزيز ” قوة ” السلفيين ، الذين أبدو غير ما مرة استعدادهم للتصدي بكل عنف لأي محاولة أمنية لاختراقهم. القرار الذي اتخذه الوكيل العام بطنجة بتكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمهمة البحث مع ” رضوان الثابت ” ، بعد الاشتباه في علاقته بقضايا إرهابية ، بعدما كانت مصالح الأمن قد ألقت عليه القبض وهو يستعد للسفر إلى تركيا عبر مطار محمد الخامس بالدار البيضاء ، حيث أكد في تصريحاته الأولية للمحققين بأن رحلته كان لها طابع تجاري ، كما يعتبر زملائه من أنصار التيار السلفي الجهادي بأن التهم المنسوبة إليه ” مفبركة ” ولها علاقة ب ” انتقام ” الأمن من السلفيين. هذا الوضع دفع عدد من الزعماء السلفيين ، الذين ينشطون ببني مكادة بالخصوص ، إلى عقد لقاء جمعهم ببعض النشطاء في حركة 20 فبراير ، من أجل مناقشة إمكانية التنسيق فيما بينهم لتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية ، كإجراء استباقي لتأجيج الشارع وكسب تعاطف الساكنة قبل إقدام السلطات العمومية على اتخاذ أي قرار ضدهم ، خاصة بعدما كان رد فعل الوكيل العام صارما في إصدار تعليماته بملاحقة كل متورط من المحسوبين على ” السلفية الجهادية “. التيار السلفي بطنجة لا يمكن اعتباره تنظيما ، في غياب قيادة حقيقية تشرف على تأطير قواعده ، وبحكم أن أغلب المنتمين إليه يتميزون أكثر عن غيرهم بلباسهم ، وينتشرون بعدد من الأحياء الشعبية بالمدينة ، ويتمركزون بشكل خاص بمنطقة بني مكادة ، حيث يعتمدون على ممارسة التجارة الحرة ، وعدد كبير منهم يرفضون التعامل مع ” المخزن ” ، وبعضهم لهم سوابق عدلية في قضايا تتعلق بالضرب والجرح وترويج المخدرات قبل أن يرتدوا اللباس السلفي ، كما يعتبر عدد منهم أن قوى الأمن ” عدوهم الأول ” ، خاصة بالنسبة للمعتقلين منهم في قضايا الإرهاب وأهاليهم. في السنة الجارية ، وقعت مجموعة من الأحداث بطنجة تعرض خلالها رجال الأمن لاعتداءات ، كان يقف وراء أغلب حالاتها عناصر من التيار السلفي ومؤيديهم من الشباب الذين يبحثون عن المغامرة ، كما تشير إلى ذلك هوية الموقوفين من أجلها ، ومن بينها تعرض والي الأمن السابق لإصابة في وجهه بعد رشقه بالحجارة من طرف أحد الأشخاص في تظاهرة للسلفيين بحي الجيراري ، وفي إحدى مسيراتهم تم الاعتداء على شرطي بلباس مدني وسرقة منه آلة التصوير ، كما تم الاعتداء بالضرب المبرح على دركي كان بلباس مدني يصور أحداث بني مكادة ، وأصيب شرطيين بجروح بليغة خلال المواجهات الأخيرة التي استعملت فيها الأسلحة البيضاء. مصالح الأمن بطنجة تؤكد بأن تدخلها من أجل تطبيق القانون صار يقابل بالعنف في الوقت الذي يلتزم فيه عناصرها بضبط النفس وعدم استعمال القوة ، وهو ما أضحت تستغله بعض الأطراف في تكرار خروجها إلى الشارع دون أن تبالي بقرارات منع بعض الاحتجاجات واستمرار احتلال الملك العمومي وانتشار البناء العشوائي ، لكن أطرافا أخرى ترى بأن اعتماد السلطات المحلية المقاربة الأمنية وحدها في مواجهة العديد من المشاكل ذات الطابع الاجتماعي بالخصوص ، لم يعد الحل ” السحري ” للتغلب عليها في غياب تحمل كافة المتدخلين مسؤوليتهم في تفعيل معالجة تشاركية لها. لكن يبقى دور الأمن ضروري بالنسبة لساكنة طنجة ، في حفظ النظام العام ومحاربة الجريمة بكل أنواعهها ، مع ترقب نتائج عملية البحث عن منفذي الاعتداءات التي تعرض لها عناصر الشرطة ، والتي انطلقت بناء على تعليمات النيابة العامة ، حيث تم تحديد هوية مجموعة من المشتبه فيهم ، سيجري التحقيق معهم قبل إحالتهم على القضاء ومتابعتهم وفق التهم المنسوبة إليهم. محمد كويمن