اتخذوا من عتبات إقاماتهم السكنية مجلسا يوميا. فكلما اقترب وقت المغيب، يقتعدون كراسيا مختلفة الأشكال والأحجام جلبوها من منازلهم. عيونهم المترصدة لحركة الشارع العابر لحيهم والأزقة المتفرعة عنه، تراقب بكامل الانتباه أي ظهور لعربة أحد الباعة المتجولين. وما أن يلوح ولو في الأفق شبح «شي كروصة ديال الخضرة ولا الضيسير»، حتى ينتفض وقوفا أفراد «فرقة الجالسين» لمنع صاحبها من الاقتراب أكثر من المكان المحروس. ولتعزيز هذا المنع بشكل صارم، تتدخل أيضا سيارة القوات المساعدة وبعض عناصر الشرطة، الذين يطاردون على الفور هذا «الزائر غير المرغوب فيه». هذا المشهد الشبيه بما يسمى «اللجن الشعبية»، التي ظهرت بمصر وتونس أثناء انتفاضاتهم من أجل حماية أمن أسرهم وسلامة ممتلكاتهم. أصبح له مثيل بصورة وظروف مغايرة في حي «الأزهر» بالبرنوصي بالدار البيضاء، حيث شكل سكان الأشطر «2 و3 و4» منذ أزيد من أسبوعين «دوريات» تحرس بالتناوب وعلى مدار ساعات المساء وجزء من الليل الأزقة المجاورة لعماراتهم، التي حولها الباعة المتجولون إلى سوق عشوائية. ورغم الشكايات المتكررة إلى السلطات المحلية بمقاطعة سيدي مومن وعمالة البرنوصي حول هذا الإزعاج اليومي للعشرات من أصحاب عربات و«فراشات» الخضر والفواكه والأسماك. فقد ظلت المطاردات الموسمية للدورية الوحيدة للقوات المساعدة غير مجدية، مما دفع بالسكان وأصحاب المحلات التجارية وأطر المؤسسات التعليمية المتضررة إلى خلق «لجن الأحياء» لمحاربة الفوضى العارمة والاحتلال اليومي للباعة المتجولون لأزقتهم ومداخل إقاماتهم وعتبات متاجرهم وأبواب مدارسهم، حيث أعطت هذه المبادرة مفعولها على أرض الواقع، بعد أن اضطرت فلول العربات المدفوعة أو المجرورة بالدواب إلى التقهقر بعيدا، نحو فراغات متربة بهامش شارع «أهل الغلام»، الفاصل بين إقامات الأزهر ومدينتي و«دوار السكويلة» وحي «أناسي».