هل فطن مكتب مجلس المستشارين، ومعهم أعضاء المجلس كاملين إلى أن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، يفقد جاذبية الحديث عند سؤاله عن الأرقام والتفاصيل الرقمية الدقيقة، والبرامج الاقتصادية المعتمدة أساسا على لغة الرقم والرقم المضاد. ما تبين من جلسة زوال أول أمس الأربعاء كان يوحي بذلك. تناسى المستشارون البرلمانيون أو تغاضوا عن الحديث عن الانتخابات الجماعية وعن مآل قانون الجهات واختاروا أن يحادثوا بنكيران حول تنفيذ برنامج الالفية الثالثة الذي يربط المغرب بعقدة مع الآمم المتحدة على اساس تقليص مؤشرات الفقر وتعليم النساء والأطفال وتوفير مكان يولد فيه المغاربة بأمان. لماذا كان التركيز على هذا دونا عن المواضيع الآنية المطروحة أولا على مجلس المستشارين نفسه الذي يعيش وضعية بين دستورين، ألم يكن من الأجدى طرح تساؤلات عن تجديد الثلث؟ مصادر داخل مجلس المستشارين قالت إن طرح سؤال التزام المغرب ببرنامج الألفية الثالثة كان مقصودا، لحشر بنيكران في الزاوية التي تفقده قدرته على الحديث السلس والتواصل الجيد الذي يبهر به الكل. وجد مكتب المجلس فرصة في ذلك بعدما لم تبد الحكومة أي اعتراض على الخوض في مثيل هذه التساؤلات. النتيجة كانت في قاعة الجلسات العمومية بمجلس المستشارين، قاعة شبه فارغة بعدما فضل المستشارون عدم الحضور للمجلس من البداية وفضل البقية الخروج مرات ومرات لباحة المجلس لمداواة الروتين القاتل الذي طبع ثالث جلسة مساءلة شهرية يعقدها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مع مستشاري البرلمان، وضع لم تجد معه مصالح المجلس الا المناداة في مكبرات الصوت ولأكثر من عشر مرات لدعوة المستشارين أو من حضر منهم على الأقل للصعود لقاعة الجلسات العامة من أجل استئناف العمل. في الواقع لم يكن المستشارون لوحدهم من غاب عن جلسة المساءلة العامة الشهرية لرئيس الحكومة، الوزراء هم الآخرون لم يحضر إلا نصفهم أو أقل، بعضهم كان مشغولا في جلسات اللجن بمجلس النواب. تأتى للمستشارين ما أرادوا، بنكيران خاض تقريبا في كل شيء بدءا بفضيحة المنشطات في الالعاب الاولميية وانتهى وهو يتكلم في ما يحلو له بعيدا كل البعد عن الموضوع المطروح. وقضى أكثر من 20 دقيقة في الحديث عن تقديم لم يدر أحد الحاضرين الذين تابعوا الجلسة العمومية لأي شيء يصلح. بعد الجواب الذي استغرق فيه بنكيران أكثر من 50 دقيقة لم يذكر فيه غير معطيات رقمية عدت على رؤوس الأصابع كالقول بأن نسبة الفقر انتقلت في المغرب من 3،2٪ لتصبح نسبته 0،6٪ في العام 2008!. درجة الحرارة ارتفعت في القاعة في التعقيبات، حكيم بنشماس رئيس فريق الأصالة والمعاصرة أنقذ الجلسة من سواد كامل، وعقب ساخرا من عبد الإله بنكيران قائلا “اسمحوا لي ان اعترف أن الحيرة والدهشة تمكلتني وانا استمع لجوابك في جلسة المساءلة، فلسنا محتاجين بعد اليوم للكد والجد والبحث في ملفات فما ظهر اليوم يقول أن نأتي باش نفرقوا اللغا والحديث في كل شيء وفي أي شيء”. لم يكتف بنشماس الذي علا صراخه حتى خرج من القاعة وهو يعاني من الآم في حلقه أن ينتقذ عبد الإله بنيكران الذي كان يعطي تعليماته للوزراء مرة بعد مرة أثناء الإجابة. رئيس فريق الأصالة والمعاصرة قال إن ذلك استفزه، وذكر بنيكران بمقولة بنكيران بعبارة قالها الحسن الثاني أو نسبت إليه والتي تصف البرلمان بالسيرك. لم تقف الحكومة صامتة أمام قوة الكلمات التي خرجت من فم بنشماس غضب كل الوزراء وقاطعوا كلام بنشماس “بأن السيد حر مع حكومته”. بنكيران وجد الفرصة اخيرا للعبة التي يتقنها وجمع الأخضر واليابس مخاطبا بعنف بنشماس ” الذي اتهمنا أننا كنفرقو اللغا، ماشي هو لي كان فالمعارضة، وماشي هو لي كان التحرش بالحزب دايالو، أو ماشي هو لي تزورات عليه انتخابات 2009″. انا مسؤول عن كلامي وسأستمر فيه يضيف بنكيران. خارج القاعة كانت الحكومة تحصي الخسائر وكان المستشارون راضون تماما عن معارضة أتت أكلها في جر بنكيران لميدان لا يجيد اللعب فيه. بين ذاك وذاك بنيكران قال إن يفكر في فتح المشاورات حول الانتخابات الجماعية بعيد رمضان ما سيفتح أمام المتستشارين جولة حرب جديدة مع رئيس الحكومة قد لن تكون نتائجها محسومة سلفا هذه المرة. الجيلالي بنحليمة.