تدبير شؤون المواطنين ومصالح البلاد من موقع المسؤولية يحتمل النجاح كما يحتمل الفشل. كل ذلك يعود بالأساس إلى البرنامج الانتخابي والأطر الكفأة التي يتوفر عليها هذا الحزب أو ذاك ممن أعلنت صناديق الاقتراع نجاحه. بالنسبة لزعيم حركة التوحيد والاصلاح الدعوية فإنه لا مجال للحديث عن مسؤولية الاسلاميين في حالة فشلهم في المشاركة في الحكومة. في مقاله المنشور بجريدة التجديد أبدع السيد محمد الحمداوي نظرية شبيهة بنظرية المؤامرة وأنتج مفاهيم جديدة لتبرير فشل حكومة الاسلاميين انطلاقا من تساؤله ما الجدوى من مشاركة الاسلاميين في الحكومات وقيادتها؟ «فخ الاحتواء»، «الإشراك»، «الإدماج»، «الانحراف»، «الاعوجاج»، «الإقصاء»، «الإخراج» هي مفاهيم من منهل الإسلام السياسي لتبرير ما سماه الكاتب «فرضية الفشل المرتقب»، وتمت صياغة هذه الاصطلاحات في فقرة مركزية ترد فشل الاسلاميين إلى «سقوط هذه الحركات المشاركة في فخ الاحتواء الذي يبدأ بالإشراك والإدماج ثم دفعها بعد ذلك نحو الانحراف والاعوجاج لينتهي بها المطاف إلى الإقصاء والإخراج وخاصة عندما يتم استحضار الوجود المؤثر للجهات التي إما فشلت انتخابيا أو فشلت مشاريعها التحكمية واستمرارها في حياكة الخطط وتدبير المكائد». منظر الحركة لا يدع مجالا للشك في أن حركات الاسلاميين منزهة عن الخطأ وبالتالي فإن فشلها المرتقب ليس يعود إلى أخطائها المتراكمة في المجال التدبيري والسياسي وإنما إلى عوامل خارجية أي إلى المتربصين بها والذين على حد قوله يستهدفون مصداقية الاسلاميين وتشويه سمعتهم وجرهم إلى معارك ثانوية. ويبدو أن الاسلاميين بدؤوا من الآن التهييء لإقامة الشماعة التي يعلقون عليها فشلهم فبعد تراجع ابن كيران على شعاره الأساسي في محاربة الفساد بعبارته الشهيرة «عفا الله عما سلف» جاء الحمداوي ليعلن عن خطة لإلهاء الاسلاميين عن مهمتهم الأصلية «في إسقاط منظومة الفساد والاستبداد حتى إذا جاء وقت الحساب كانت الحصيلة ضعيفة والفساد مازال متحصنا». والحال أنه لم يخل عمل أي حكومة من الحكومات السابقة من أخطاء استوجبت النقد الحاد الذي يفضح عيوب هذه الحكومة أو تلك وفشلها في تدبير الشأن العام وكما الحال في كل الدول الديموقراطية فإن هذه الحكومات تحترم الانتقادات الموجهة إليها سواء كانت من لدن المعارضة أو من لدن خبراء ومراقبين وتسارع إلى إصلاح أخطائها أو الرد على الانتقادات بصيغة حضارية لا أن تعلن فشلها وتعلقه على شماعة الغير «المتؤامر»!! لا شك أن لا أحد منا سيفرح لفشل الحكومة الحالية ولا غيرها من الحكومات لأن فشلها يعني أن مشاكل المواطنين لن تجد طريقها إلى الحل فقط بل ستغرق البلاد في دوامة جديدة من الأزمات نحن في غنى عنها. ويبدو من خلال ماسبق أن ما اعتدنا على تسميته بالجناح الدعوي للحزب (حركة التوحيد والاصلاح) لم يعد كذلك بل صار منظرا سياسيا يستعمل خطابه الديني في تبرير «الفشل المرتقب» وعوض أن تهتم الحركة بالمجال الديني الذي تحدثت عنه في وثائقها فهاهي تخوض غمار السياسي لتصنع من عجين الدين بالسياسة نظرية غريبة. وإذا كان الاعتراف بالخطأ فضيلة فلابد من الاعتراف بخطأ في التحليل لطالما كررناه منذ تولي العدالة والتنمية الشأن الحكومي وذلك باعتبارنا أن حركة التوحيد والاصلاح هي «الجناح الدعوي» للحزب والصحيح أن حزب العدالة والتنمية ما هو سوى «الجناح السياسي» للحركة التي بدأت صورتها الحقيقية تتضح شيئا فشيئا.