“الأمهات العازبات”.. عنوان أضحى غير مسكوت عنه في المجتمع المغربي، وتشير الظاهرة إلى الفتيات اللواتي وقعن في فخ علاقات غير شرعية، ولكل واحدة منهن ظروفها الخاصة لكن النتيجة واحدة، وهي أنهن أنجبت أطفالا خارج مؤسسة الزواج. الظاهرة جد معقدة، حيث تتداخل فيها عوامل إجتماعية و إقتصادية وقانونية بالإضافة إلى العامل الديني، فالحمل بدون زواج رسمي في المجتمع المغربي موسوم بالعار والفضيحة ويعاقب عليها القانون، بل أكثر من ذلك يؤدي إلى تهميش الأم الحامل وإقصائها اجتماعيا. “أكورا” جالست نموذجا للأم العازب، هي فتاة لم تتجاوز بعد سن الثامنة عشر، تعيش في إحدى القرى بضواحي وزان، وجدت نفسها أما عازبا لولد شاء حظه السيء أن يرفض والده الاعتراف به رغم توسلات أمه وجيرانه وأهل تلك القرية، لكنه أصر وما يزال مصرا أنه ليس أبا لهذا الطفل . زهرة ترفض الكشف عن وجهها في انتظار العدالة (زهرة) وهو إسم مستعار لاحترام رغبة الفتاة في عدم نشر إسمها،وحتى صورتها أُخدت بالشكا إياه احتراما لها.. تحكي قصتها المريرة بكل خجل وندم، حيث تقول: “تعرفت على هذا الشاب الذي هو من نفس قريتي، كنت أعرفه منذ كنت طفلة صغيرة، لكن علاقتي به بدأت وأنا في السن السابعة عشرة، وافقت على إقامة علاقة معه على أساس أننا سنتزوج بعدما يرتب أموره. وهكذا توالت اللقاءات بيننا إلى أن وقع ما وقع، لكنه هدأني وأخبرني أننا سنتزوج في القريب العاجل، وبعد مرور شهرين اكتشفت أني حاملا، ذهلت للخبر فأخبرته بالمصيبة، وقال لي: “اصبري حتى أخبر عائلتي” ، لكن عائلته رفضت الأمر، لذلك قال لي وبالحرف الواحد “تحملي مسؤوليتك لوحدك فالإبن ليس إبني” ، توسلت إليه أن يسترني ويتزوجني لكن محاولتي باءت بالفشل، بقيت حائرة في أمري لم أستطع إخبار أحد، لكن حملي بدأ يظهر بشكل واضح وألسن أهل القرية بدأت تتكلم، لذلك اضطررت إلى الإعتراف بكل شيء لوالدتي التي صعقت لهذا الخبر، ولأني أعيش في قرية محافظة فلم يكن من السهل أن أعلن أني أحمل بين أحشائي جنينا، جاء نتيجة علاقة – دون زواج – ربطت بيني وبين رجل تخلى عني بمجرد أن نال مبتغاه، تاركا إياي أواجه مصيرا غامضا يحيطه الهلاك من كل جانب، وهو ما جعل أمي تفكر في كيفية الخلاص من حملي عن طريق إعطائي مجموعة من الأعشاب. طبعا وافقت بذلك فلا خيار لي، وهكذا وبعد أسابيع عدة خف بطني، واعتقدت أنني تخلصت من الجنين، حتى أهل القرية استغربوا لذلك واعتقدوا أنهم ظلموني بكلامهم. المهم مرت شهور عدة، فاجأني المخاض في إحدى الليالي الباردة من شهر أكتوبر، حيث اسيقظ كل من في البيت على صراخي في الساعة الثانية صباحا، ولأننا نقطن في قرية بعيدة عن المستوصف طلب مني والدي أن أصبر إلى حين طلوع الشمس، فبدأ يهدأني بقراءة القرآن الكريم، لكن بعد برهة كانت الكارثة، فقد ولدت صبيا في كامل صحته، كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لي ولأمي ولأبي الذي لم يفهم شيئا، ولأول مرة أرى والدي يبكي بحرقة، بل رحل وترك المنزل لكي يستطيع استيعاب ما رآه، لكنه عاد بعد يومين ليجد إبني في حظني وليجد والدتي استسلمت للقدر. ومنذ ذاك اليوم ووالدي لا يطيق حتى النطق بإسمي ، فوصمة العار أصبحت الآن مرسومة على جبينه، لكنه ككل أب مفجوع طلب مني الاعتراف بكل شيء، فحكيت له قصتي المحرجة. ذهب عند أهل ذالك الشاب أخبرهم بالأمر بل توسل إليهم أن يعترف إبنهم بابنه، لكنه رفض هو وأهله، فلم يبق أمامنا سوى اللجوء إلى المحاكم”. وهنا تتذكر “زهرة” تلك اللحظات بكثير من المرارة وحزن عميق في عينيها يفوق سنها بكثير. حيث تواصل حديثها: “بدأت قصة أخرى في المحاكم لا أعلم متى ستنتهي، ولأننا أسرة فقيرة لا نملك المال الكافي للاستمرار في المحاكم مدة أطول، عكس الشاب الذي عن طريق ماله يستطيع جعل هذه الدعوى تستمر في المحاكم لمدة أطول، وهذا بالضبط ما حصل، فعمر ابني سنتين ورغم ذلك لم تنصفن المحكمة لأنني لا أملك المال الكافي لدفع تكاليف المحامي، ولعمل التحاليل اللازمة (تحليل (ADN، الذي يتطلب مالا كثيرا. وواصلت “زهرة” حديثها المرير: “لا أريد شيئا، أنا سعيدة بابني وسأكون أسعد لو أنصفتني المحكمة وجعلته يعترف بابنه، لا أريد الزواج منه، لا أريد الزواج أبدا، سأكرس حياتي كلها لابني، فقط أطلب تحقيق العدالة فليس شرفي وحده الذي انتهك بل شرف أسرة بأكمله”. والجدير بالذكر أن هذه المنطقة لا توجد فيها جمعيات تهتم وتتبنى مثل هذه الحالات، خاصة أنها ليست الحالة الأولى من نوعها، فهناك أم أخرى عازبة لولد عمره خمس سنوات، رفض والده الاعتراف به فظل هذا الإبن بدون أب ولا هوية.