تصاعد آليات العنف في مصر لم يعد يهدد مدينة دون أخرى، بل أصبحت يمتد على خارطة البلاد في ظل فوضى أمنية غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، ولا يفرق بين شاب ورجل وامرأة وطفل، وفي الأيام القليلة الماضية وصل الأمر بصاحب كافتيريا إلى ضرب طفل وتحطيمه حتى الموت بمنطقة المعادي بالقاهرة، وبخباز في منتصف العقد الثاني من عمره بضرب شقيقه البالغ من العمر “13 عاما” وشنقه حتى الموت في سقف المسكن، فيما توالت أعمال القتل والتمثيل بالجثث سحلا وتقطيعا وحرقا بل تعليقها كالذبائح في قرى مدن الدلتا شمال القاهرة. ويأتي ذلك في ظل تصاعد فتاوى التشدد وإعطاء المواطنين العاديين حق السلطات القضائية، والقبض على الخارجين عن القانون من “البلطجية” والخطرين، الأمر الذي فتح الباب للمتطرفين تطبيق حكم “السكين”، وجر المواطنين إلى ارتكاب جرائم لا قبل لهم بها. وأكدت الدكتورة عزة عزت الباحثة الإعلامية على أن تواصل استمرار هذه الجرائم أصبح يطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب الآنية التي أدت إلى كل هذا العنف، وبهذا الشكل المفزع؟ حول من المسؤول عن اندلاع العنف في الشوارع المصرية في كل المحافظات؟ هل تراه النظام القائم الذي منح قبل أيام لكل من هب ودب حق الضبطية القضائية؟ أو كما يقال “أنه مجرد تذكير للمصريين بحق قانوني لهم، هو أن يضبط بعضهم بعضاً دون تحقيق، ويحكموا وينفذوا الحكم بأيديهم”!! أم تراه عنف النظام هو الذي أدى إلى تفشي هذه الظاهرة بين الناس؟ بعد أن حول سلمية الثورة إلى عنف ثوري يشعل ويحرق ويقابل العنف بالعنف؟ فرغم تعاقب صنوف من الحكام، والكثير من نظم الحكم على المصريين… لم نسمع عن حاكم أطلق أفراد الشعب على بعضهم بعض، لنرى سعار بشري لا يتسق وطبيعتنا بحال، أم ترى أن الناس على دين ملوكهم؟! وأضافت “هل مر وقت كافي لنتأثر بهم وبما يطرحون من أفكار مدمرة للمجتمع كفكرة إقامة حد الحرابة! بعد أن كنا نرفض مجرد تدخل بعضنا في أي شأن لا يعنيه، فيما يسمى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، أو إحياء نظام الحسبة، أم ترى أننا خاصة بعد أن مررنا بتجربة ثورية هزت كياننا هزاً وزادت من وعينا، وعمقت لدينا الوعي بحقوقنا، وبضرورة عدم السكوت عن الظلم، حتى لو تطلب الأمر أن نستخلص هذا الحق بأيدينا، مهما كلفنا ذلك، بعد أن كسرنا حاجز الخوف إلى غير رجعة، وإن كنت أشك، بل أكاد أقطع بأن كل من مارسوا العنف المدمر الذي رأيناه في الحوادث الأربع الأخيرة هن من المتأسلمين بالذات ومؤيديهم من الجهلاء، وليسو من أفراد الشعب العاديين”. وأوضحت د.عزة “هل نستطيع أن نقف كمحللين للمشهد معللين ما حدث كالعادة بأنه بتأثير من مقتضيات العصر، وبفعل الظروف الحياتية وصعوبات المعيشة، وإفراز طبيعي ليأس الناس من إمكانية استخلاص الحق عن طريق القانون، في ظل غياب الشرطة وتواطؤ النيابة، وبطء العدل أو انعدام العدالة، في حقبة لا تهتم الهيئات المسؤولة عن رد المظالم والحقوق إلا بالأهل والعشيرة وتمكين الجماعة، بغض النظر عما يمارس من سطو مسلح، وخطف وترهيب أو إرعاب للضحايا بشكل يمثل عنف موجه إلى المجتمع ككل، مهما بدا أنه تعدي على أفراد، حتى لو كانوا من الجانحين أو من يسمون بالبلطجية”. ولفتت إلى أن “ما سال من دماء هدراً ولم يُقتص له، وما أصاب البعض من عاهات حولت الكثيرين إلى مكفوفيين أو معاقين، دون أن ينالوا حق أو تعويض مادي، أو رعاية معنوية، أو تقدير وتكريم، كل ذلك أشعرهم وأشعر ذويهم بهدر القيمة والإمكانية، وعدم الجدوى، وكلها أمور محبطة وميئوس منها، وداعمة لفكرة ممارسة العنف للحصول على الحق الضائع بين أنياب السبع؛ كنتيجة حتمية لغيظ وغل مكتوم كان لابد من أن يجد له متنفسا، فظهر فيما رأيناه من أحداث، فلا داعي للتعجب أو الاندهاش”. وأوضحت “ثمة أمر أخر لم يكن ليخطر ببال أن يحدث تحرش جماعي في شوارع وميادين مصر، ولم يتصور أحد أن يمارس ذلك ضد متظاهرات في ميدان التحرير ويجد هذا التصرف الدنيء من يدافع عنه على المستوى الشعبي والرسمي، ممثلا في مسؤولين حكوميين وأعضاء في مجلس الشورى، فماذا ننتظر من شعب يتحمل كل ذلك، دون أدنى أمل في تحصيل حق مهدر، ماذا ننتظر سوى انفجارات غير محسوبة، بل صادمة ومدمرة”. وأشارت إلى أن أهل مصر بدأوا منذ أكثر من ثلاثة عقود يتصرفون بدرجة عالية من العنف في الشجار، الذي يصل إلى الضرب المفضي إلى الموت، أو القتل طعنًا والتمثيل بالجثث، أو تعليقها، أو إطلاق الرصاص، حتى وصل الأمر إلى قتل مدرس لطفل بركله في قلبه، كل هذه النماذج ذكرتها سلفا في كتاباتي، قبل أن يستفحل الأمر ويتعرض المصريين لكل ما سمعنا عنه من أهوال ما بعد الثورة، الرامية إلى وأدها والحيلولة دون استمرارها”. وأوضحت الباحثة المصرية “ناهيك عن جرائم البلطجة التي رصدت ما كان يعج الشارع المصري بها كنموذج، والتي كانت تأخذ أحيانًا طابع الحوادث الفردية، أو الجماعية المحدودة والمقصود بها شخص معين، أو التي كانت تأخذ أحيانًا طابعًا جماعيًّا لإرهاب أهالي حي بأكمله عن طريق الهاربين من الأحكام والمسجلين خطر، والمدمنين، والاشقياء المأجورين، ناهيك عما مُورِس سلفا من استخدام الشرطة نفسها للتهديد في التعرض للقضاة وللصحفيات عام 2005، ثم في التصدي للعمال في أحداث المحلة عام 2008، كوسيلة قمع عنيفة تمارسها السلطة وليس الأفراد”. وتساءلت “.. فإذا ما انطبق ذلك على عصر مبارك، فهو بالأحرى تفاقم مؤخرا في عصر حكم الإخوان بكل ما مارسه من عنف ضد مناهضيه”. وخلصت د.عزة إلى أن العنف أصبح ظاهرة مصرية على المستوى الرسمي والشعبي، وهو ما يمثل ملمحًا من ملامح التحول الذي يصعب تصديقه بعد ثورة سلمية، فكيف تكون السلمية هي ما يقودنا إلى كل هذا الكم من العنف؟ ومن المسؤول عن هذا العنف؟ الإجابة: نظام الحكم، ومن المستفيد؟ بالطبع الجماعة التي تريد تفكيك الدولة؛ لتبني مؤسساتها الخاصة، وتجعل مليشياتها تتسيد على الطرف الوحيد المضار من كل ما يحدث وهو مصر وشعبها.