‘تقف منطقة الشرق الأوسط في الخطوط الأمامية للمواجهة مع تغير المناخ'، هذا ما أكده البنك الدولي في تقرير بعنوان ‘اخفضوا الحرارة'، للتحذير من مخاطر التغيرات المناخية التي تهدد العالم. فقد أدى التطور الصناعي في ال150 عاما الماضية إلى إطلاق غازات تحبس الحرارة كثاني أوكسيد الكربون، الذي يعد المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري التي أدت إلى إحداث تغيرات واضحة وخطيرة في مناخ الأرض، بعد أن تجاوز تركيزه في الغلاف الجوي للأرض مؤخرا أربعمئة جزء من المليون، وأدى إلى رفع حرارة الكوكب 1.2 درجة مئوية. ورغم أن انبعاثات الغازات الدفيئة بالمنطقة العربية لا تتجاوز 5% من انبعاثات الغازات في العالم، فإنها المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة، وبشرح مبسط فإنه ‘إذا تجاوز ارتفاع درجة حرارة الكوكب درجتين مئويتين؛ فهذا يعني ارتفاعا هائلا في درجات حرارة المنطقة العربية، وسيصاحبه شح المياه وانهيار الزراعة، ناهيك عن غرق عدة مدن عربية ساحلية'. ويرى خبراء مناخ أن آثار التغير المناخي بدأت تظهر في المنطقة العربية، متمثلة في موجة السيول والفيضانات التي ضربت مصر ولبنان والعراق وموريتانيا والسعودية والكويت، بالإضافة إلى إعصار تشابالا الذي ضرب جنوب اليمن وسلطنة عمان. آثار كارثية المنطقة العربية التي شهدت ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة في العقود الماضية، ستواجه ارتفاعا غير مسبوق للحرارة، مما يزيد من انتشار ظاهرتي الجفاف والتصحر اللتين تعاني منهما معظم الدول العربية تقريبا، ومن المتوقع أن تزيد درجات الحرارة في فصل الصيف ثماني درجات مئوية في أجزاء من الجزائر والمملكة العربية السعودية والعراق بنهاية القرن الحالي. وقد حذرت مسودة تقرير أعدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من أن ارتفاع درجات الحرارة بهذه الوتيرة في غضون العقود المقبلة سيتسبب في ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية، مما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، وبالتالي غرق معظم المدن الساحلية -خاصة نواكشوط والإسكندرية، وبنغازي، والجزائر العاصمة- المطلة على البحر المتوسط الذي يرتفع منسوب المياه فيه ثمانية ميللتر سنويا، حسب آخر رصد للأقمار الصناعية. كما يهدد ارتفاع درجات الحرارة -خاصة في فصل الشتاء- بانتشار أمراض حمى المتصدع وحمى الضنك والتهاب السحايا والملاريا والبكتريا العضوية، في السعودية واليمن والمغرب وغزة وجيبوتي. وفي بلدان مثل الأردن ومصر وليبيا والمغرب والجزائر قد تنخفض غلة المحاصيل الزراعية إلى نحو 30% بحلول عام 2050 إذا ارتفعت درجات حرارة الكوكب ما بين 1.5 و 2 درجة مئوية. شح المياه كما سيؤدي ارتفاع منسوب البحر المتوسط وانخفاض مستوى الأرض في مصر -بحسب وزارة البيئة- إلى تعرض مساحات واسعة من شمال دلتا نهر النيل التي تمثل المساحة الزراعية الأكبر والأهم هناك للملوحة والغرق، مما يعني انهيار الإنتاج الزراعي، وكذلك الاستثمارات السياحية على امتداد الشاطئ الشمالي، وهذه الحال تنطبق أيضا على دول شمال أفريقيا. أما السودان فيعاني وضعا كارثيا كونه البلد العربي الوحيد ضمن قائمة الدول العشرة الأكثر تضررا في العالم، حيث سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات الجفاف والتصحر، وشح موارد المياه، الأمر الذي يعني تعاظم النزاعات بين التجمعات البدوية التي تعيش على الرعي والمجتمعات الزراعية، ومن المتوقع أن تمتد الظاهرة إلى مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ودول الخليج. وفي منطقة تعاني من أدنى مستوى من المياه العذبة في العالم، يقدر أن يتعرض ما بين ثمانين ومئة مليون شخص فيها لضغوط ناجمة عن شح المياه بحلول عام 2025، كما تتخوف مصر من أن يؤدي ارتفاع الحرارة إلى تقلص تدفق مياه النيل بنسبة قد تصل إلى 80%، والسيناريو نفسه قد تشهده مناطق نهرية أخرى في سورياوالأردن والعراق، وسط توقعات بانخفاض نسبة هطول الأمطار في العالم بنحو 20%.