رصيف الصحافة: قرار منع ذبح إناث الأبقار يقسم آراء مهنيي اللحوم الحمراء    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    الكعبي يستمر في هز الشباك باليونان    لحظة تسليم علم منظمة "الأنتربول" للحموشي باعتباره رئيس الوفد الأمني للدولة التي ستحتضن الدورة المقبلة للجمعية العامة للأنتربول (فيديو)    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    أخنوش يترأس اجتماعا حول شؤون الجالية    الكشف عن عدد سكان جهة طنجة تطوان الحسيمة برسم إحصاء 2024 (تفاصيل)    التامك يتأسف لحظر "النقابة" في مندوبية السجون... ويقول: "ما بقاش عندي الوجه" للقاء الموظفين    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    «كلنا نغني».. جولة عربية وأوروبية للعرض الذي يعيد إحياء الأغاني الخالدة        المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير في دورته العشرين    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش        ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    بايتاس: أكثر من 63 ألف أسرة استفادت من المساعدات الشهرية لضحايا زلزال الحوز    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    هذا ما قالته "كامالا هاريس" في خطابها الأول بعد الهزيمة في السباق الانتخابي    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    التنسيق النقابي للأطر الصحية يتوعد الحكومة بالتصعيد احتجاجاً على خرق اتفاق يوليوز    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق: رمضان أكادير: شيشا وحشيش و دعارة الرصيف.
نشر في أكادير 24 يوم 23 - 07 - 2013

قبيل آذان المغرب، تسود حركة حثيثة في كل شوارع مدينة أكادير، ذهابا وإيابا. وتدب الحياة فيها بسرعة لا تقبل الانتظار أو التوقف لحظة واحدة. الكل يسارع عقارب الساعة حتى لا يدركه الآذان في منتصف الطريق…على الأرصفة، طوابير من الناس من فئات اجتماعية متفاوتة أمام باعة "الشباكية" و " المسمن" وما شابه ذلك من الفطائر الجاهزة التي يكثر عليها الإقبال خلال الشهر الفضيل..
أكادير، وخلافا لبعض المدن الكبرى كالدار البيضاء وفاس، لا تشهد أحداثا دامية كبيرة قبيل الإفطار، والتي تنتج عادة عن الصراعات و النزاعات بين المدمنين على السيجارة و المخدرات رغم نشوب معارك شخصية بين حين لآخر في شوارع الأحياء الشعبية..
فجأة يكسر المؤذن جلبة الأزقة و يوقف عجلات الطرق، التي تؤدي في معظمها إلى المساجد… يليه صمت أكثر عمقا، بعد التحاق الجميع بموائد الإفطار، ما عدا أشخاص مشردون أو أطفال السيليسيون الذين تزداد عزلتهم أكثر في رمضان.
رائحة الفطائر والحريرة والشباكية تحوم في كل مكان، وأصوات الملاعق و الأواني لا تخطئها الأسماع، في كل الأزقة الشعبية التي تعج بالسكان. هنا تحديدا ينتهي فصل من فصول اليوم الرمضاني، ليبدأ فصل جديد، أبطاله أشخاص لا يعترفون بوجود النهار، ماداموا لا يرونه ولا يراهم. أناس ليليون من أغنياء وطبقات متوسطة وحتى فقراء القوم ومحتاجوه، ذكورا وإناثا. يمضون لياليهم بعيدا عن الأضواء، على أنغام الموسيقى الصاخبة و طرطقات القنينات الزجاجية و الأجساد الملتوية المتعطشة لمتعة الليالي الحمراء تحت سحابة دخان الشيشا وتأثير المخدرات القوية …جريدتنا ، نزلت إلى الميدان لتتبع تفاصيل الوجه الآخر لرمضان أكادير و أنجزت لكم هذا التحقيق .
- فطور .. وبداية المشوار
في الوقت الذي تلجأ فيه الأسر في جميع أنحاء المغرب إلى موائد الإفطار بعد صلاة المغرب، يبدأ قوم آخرون حركاتهم التسخينية لبدء يومهم الجديد، أو بالأحرى مغامرتهم الجديدة؛ و لرصد الظاهرة، اخترنا حي الهدى، وتحديدا الشارع الرئيسي فيه، والذي يعتبر شريانا أساسيا للحركة بين مدينة أكادير و مدن الدشيرة الجهادية، إنزكان وأيت ملول. فمباشرة بعد وجبة الفطور الرمضانية، تبدأ الكائنات الليلية في الظهور، سيارات فارهة وفخمة تتحرك ببطء مشبوه على غير عادتها نهارا، بحثا عن واقفات على جنب الطريق، و فتيات في عمر الزهور وأخريات تقدم بهن السن، يتمشين على الرصيف الطويل، الممتد من مدخل المدينة إلى قلب حي السلام الشعبي، في انتظار أول سيارة تتوقف عند أقدامهن المكشوفة، أو عند تلابيب عباياتهن الخليجية السوداء التي لا تقل إثارة. في هذه العملية ليس هناك كلام كثير ولا مفاوضات قبلية، كل ما هنالك ؛ تتوقف السيارة و يفتح الباب وتصعد الفتاة من دون نقاش ولا بلبلة، ثم ينطلق الصياد والطريدة بسرعة فائقة نحو مكان ما، لإتمام طقوس " المتعة " و الانغماس في غابة الليل الحمراء. أحمد، شاب يملك محلا للمواد الغذائية يطل على الشارع الرئيسي لحي الهدى والذي هو أيضا مدخل أساسي من مداخل المدينة كلها، يبدو حيويا رغم قلة زبنائه، وساعدتنا حيويته وانفتاحه على مباشرته بأسئلة حول ما يعرفه عن "دعارة الرصيف"، غير أن جوابه كان صادما للغاية ولم يكن متوقعا أبدا: " هادشي ؤلا بزااف، لا رمضان لا شعبان، سيارة تلو الأخرى تلتقط الفتيات على طول الشارع، وللأسف منهن بعض البنات اللواتي لا يعرف أهلهن امتهانهن للدعارة ويوهمن أولياءهن بأنهن ذاهبات إلى التراويح، حيث يتخفين بعبايات سوداء تبدو لباسا محتشما، لكنه مجرد تضليل لأهاليهن، صدقني والله العظيم أني أعرف بنات من عائلات جد محافظة يصعدن إلى أول سيارة فارهة تقف لهن" ، شهادة أحمد، أو حميدا كما يناديه زبناؤه القلائل، فتحت شهيتنا لتخصيص الوقت كاملا للتأكد منها ورصدها في الواقع.
– عباية سوداء و قاصرتان و سيارة فخمة
غير بعيد عن محل أحمد، اتخذنا مقعدا في مدخل أحد المقاهي المطلة بدورها على الشارع الرئيسي، لعلنا نظفر بمشهد يقربنا من شهادته، المقهى يكاد يمتلئ بالرواد الذين فضلوا استكمال سجائرهم خارج المنازل، وعلى مايبدو فإنهم ليسوا من رواد التراويح ولا حتى صلاة العشاء مع الجماعة. فجأة تبدأ السيارات الفخمة تتوالى تباعا وأعين سائقيها لا تنفك تفارق الرصيف. ومعها حركة بشرية غير عادية، منهم المتأبط لسجادته، والمتأبطات لحقائبهن اليدوية… ما هي إلا لحظات حتى وخزني رفيقي بمفتاحه الحديدي، للإنتباه لإحداهن تتهرب بكبرياء واضحة من ملاحقة أحد السائقين، يضغط على جرس التنبيه فتتظاهر الفتاة ذات اللباس العصري باللامبالاة، غير أن العملية لم تستغرق أكثر من دقيقتين، حتى تبخر كبرياؤها المصطنع داخل السيارة. لينطلقا بعدها نحو وجهة مجهولة.
لكن المشهد الذي أثار انتباهنا أكثر، بعد مغادرتنا للمقهى، هو تلك الفتاتين اللتين يبدو أنهما قاصرتين، واحدة بعباية سوداء وحجاب وُضع بدقة متناهية، فيما الأخرى بلباس عادي، يبدو محترما ومألوفا، تقفان تحت ظلام شجرة محادية للطريق، في حالة انتظار، مرت أكثر من سيارة تتوقف لهما دون جدوى، لكن الأمر لم يكن سوى انتقاء الأفخم من بين كل تلك السيارات، فلم يقبلا إلا بواحدة من نوع رانج روفر البيضاء، تجاوزتهن بقليل ثم توقفت دون نعيق ولا جرس تنبيه، تسمرت الصغيرتان في مكانهما، حتى عادت السيارة بشكل ورائي إلى أمامهما ، انفتح الباب الأمامي والخلفي أيضا، فاختفت القاصرتان من تحت ظلام الشجرة. فتأكد لنا بجلاء أن البقال أحمد ملاحظ دقيق.
– شيشا و حشيش و دعارة الفقراء في قلب أحياء شعبية
إذا كانت السلطات في الكثير من مدن المملكة تغلق أبواب مقاهي الشيشا ولو في رمضان، فإن البعض لايعنيهم هذا القرار، فالشيشا صارت تغزو بيوت المغاربة كما يغزوها الخبز والحليب، خاصة المنازل والشقق التي يكتريها العزاب والمستقلين عن عائلاتهم. هذه المرة توجهنا لحي السلام المجاور لحي الهدى، هنا حيث لا يخلو كل مكان مظلم أو شبه مظلم من همسات ووشوشات وضحكات أنثوية غارقة في أحضان أحدهم، تنتشر رائحة الشيشا لتعم في كل مكان. عبد الله، عامل مياوم في مخبزة عصرية، نظرا لما حكاه لنا عن جيرانه، ولمعرفتنا المسبقة به، قررنا مرافقته لمنزله، حيث يتواجد في شقة بزقاق ضيق يفضي إلى شارع صغير غير بعيد عن المسجد الكبير لحي السلام، صرح لنا أنه يكتري فقط غرفة، بينما الغرف الأخرى يكتريها أشخاص آخرون عمال وطلبة جامعيون. يحكي بأسف معاناته مع سوء معاملة جيرانه قائلا :" ماكاينعسو ليل كامل، يوميا، ديما ماشي غير رمضان، كايكمِيوْ الشيشا والحشيش وسط الدار ؤفلبيوت، وكل مرة كايجيبو بنات ؤكايسهرو معاهم حتال الصباح مع الموسيقى ؤصداع الراس… ؤدابا غايبداو تاني …" ، ولم يكن انتظارنا طويلا، فقد اجتمع جيرانه داخل غرفة لا تستوعب عددهم، وبدأت ألسنة دخان الشيشا تنبعث من باب و نافذة غرفتهم، مصحوبة بقهقهاتهم العالية و موسيقى صاخبة وكلام ساقط، و النهاية أكثر انحرافا .
في الطابق العلوي، نفس الوضع، غير أن موسيقاهم الصاخبة تتخللها ضحكات هستيرية لفتيات في مقتبل العمر، لم نستطع حصر عددها بالتحديد.لكن مضيفنا صرح أن لكل ليلة فتياتها حسب القدرة المادية لسكان هذه الشقق المليئة بالشباب وحتى بمن تقدم بهم السن قليلا نحو الأربعينيات، بين فتيات المائة درهم والخمسين والمائتين، و إذا كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع في رمضان، فإن أثمنة الدعارة تنخفض إلى الحضيض حسب عبد الله، الذي لم يعرف كيف يفسر ذلك.
في انتظار أن تكتمل عملية طهي طاجين المضيف، تتواصل الليلة الحمراء التي يقيمها الجيران على شرف الماحيا والشيشا وصراخ بنات الليل . وتبدأ أولى كلمات الثمل والسُّكر تتناهى إلى أسماعنا، وترتفع وثيرة الموسيقى مع أصوات أخرى لا داعي لأن نصفع أسماعكم بذكرها. هكذا مرت الليلة بيضاء من دون نوم، ولولا إصرارنا على التقرب أكثر من موضوع التحقيق لغادرنا المكان في اتجاه بيوتنا .
الدعارة للجميع و الاختلاف الطبقي وارد
إذا كان الأغنياء والأثرياء يلتقطون فتياتهم من على أرصفة الشوارع بسياراتهم الفارهة و يستكملون لياليهم الحمراء في الكازينوهات و الحانات الليلية التي تتكدس بها المنطقة السياحية بأكادير، فإن فقراء القوم يلتقطون طرائدهم من المقاهي الشعبية و أزقة الأحياء الشعبية، ليستكملوا لياليهم داخل غرف صغيرة تعلوها سحابة الحشيش والشيشا. فالدعارة ليس إذا حكرا على طبقة بعينها، وإنما فقط لكل طبقة اجتماعية نوعية دعارتها، إن صح التعبير. وإذا كان المفروض أن تتراجع الظاهرة في رمضان، فإن العكس هو الحاصل، حيثُ يلاحظ انتشار التحرش و المضايقات و اصطحاب الفتيات إلى المنازل بوثيرة مضاعفة تقريبا خلال فترة التراويح، وأما بعدها فحدث ولا حرج.
وما وقفنا على حقيقته في هذا التحقيق المركز، المعتمد أساسا على الميدان، يوضح بجلاء أن هناك شيء ما غير مفهوم، ففي الوقت الذي يقبل فيه البعض خلال رمضان على العبادات ومضاعفتها، يعمل البعض الآخر على مضاعفة وثيرة انحرافه، فتنتشر الدعارة بمختلف تجلياتها وأنواعها بشكل لا تخطئه العين، و يكثر الإقبال على المخدرات والسهر الأحمر. وكل ذلك تحديا لمجهودات السلطات الأمنية التي عادة ما تعمل بنظام الحملات خلال الشهر الفضيل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.