من المعلوم ان الصحراء تشكل جسد المغرب النابض، موقع ولادة خياله الجامح، ومستقر ذاكرته الموغلة في الزمن كطرس لا يمحى، كنداء لا يخفت صوته، كقصيدة ارفيوسية ما انفكت تسحر الكون واساطيره – عبد الرحمان طنكول الصحراء المغربية كما جاء ذكرها في الكتب والمؤلفات التاريخية وفي الوثائق والمخطوطات والمراسلات المغربية والاجنبية وفي مدونات الرحالة والادباء والمتصوفة تبين وان اختلفت في لغتها وخطابها وخططها ان للصحراء المغربية دورا كبيرا في ترسيخ علاقات قوية متينة بين المغرب وافريقيا ولذا اهتمت القوى الاستعمارية منذ القرن الخامس عشر في بسط نفوذها على المنطقة كواجهة نحو افريقيا السوداء لكن اكبر قيمة واعظم دور لعبته الصحراء في تاريخ المغرب هي انها ساهمت في بناء الصرح الحضاري والانساني للامة المغربية منذ عصر المرابطين الذين كان لهم فضل السبق في انشاء صرح الدولة المغربية او الامبراطورية المغربية-آنذاك – وللقبائل المغربية والصحراوية منها الفضل في ترسيخ قيم الوحدة ومقاومة المحتل الاجنبي اذ كانت لقوافلهم ادوارا تجارية ودينية في مد الجسور مع شعوب وقبائل عدة في افريقيا وفي ارساء علاقات متينة في انحاء واسعة من الوطن الام وهو ما ساعد على تقوية وشائج الوحدة التي تربط الصحراء بالوطن الام، وليس (هناك حقبة ما في تاريخ المغرب لم تشهد تنامي سبل التواصل بينه ومناطق كثيرة بإفريقيا انطلاقا من صحرائه ) عبد الرحمان طنكول كانت للزوايا والقبائل الصحراوية الدور الكبير في تعميق الروابط الروحية والدينية والمجالية والادارية بين الصحراء ووطنها الام وكان الشيخ ماء العينين يقصد المولى عبد العزيز مع جموع كثيرة من زعماء قبائل الصحراء المغربية ليأخذ منه المؤن والسلاح لمقاومة المحتلين والغزاة ولما حصل الخلاف بين المولى عبد الحفيظ واخيه المولى عبد العزيز عاد الشيخ ماء العينين ليقدم بيعته للمولى عبد الحفيظ هو وكل رؤساء القبائل الذين جاؤوا معه وقد نشرت جريدة العلم في عددها الصادر في 10 ماي 1961 صورة البيعة المذكورة وذكر في هذه الوثيقة خمسون قبيلة منها ( اولاد الناصر– ال سيدي محمود- القلال – تركز- تاجاكانت – الجعافر- اولاد ديمان – تندغ – اهل الطالب مصطفى…) زاوية ماء العينين كانت من اهم الزوايا في الصحراء المغربية وكانت صلة وصل بين سكانها وسلطانها باعتبارها ممثلة للسلطة والسلطان وكان لها دور كبير في مقاومة المحتل الاجنبي تحت امرة وتوجيه سلاطين المغرب مما يؤكد الروابط المتجذرة بين العمق الروحي الصحراوي والعمق الروحي المغربي كأصل واساس كما كان معها في نفس الاتجاه وخط الوحدة والمقاومة زاوية الشيخ سيدي احمد الركيبي وهي الاخرى كانت حصنا حصينا في الجنوب المغربي وتضم المئات من المقاتلين والمجاهدين الذين يدافعون عن الثغور. اضافة الى زوايا اخرى منها زاوية الشيخ يسد احمد لعروسي الواقعة على وادي الساقية الحمراء وزاوية اولاد تيدرارين الزيبة وغيرها كثير وكلها زوايا من الصحراء انخرطت في مقاومة المحتل الاجنبي ومبايعة السلطان بل انها افتت ان كل من هادن المستعمر ولم يقاومه ولم يبايع السلطان مات ميتة الجاهلية. فلماذا يسعى الاخرون الى نزع وفصل عمق المغرب الصلب واحد جذور شجرة انسابه وامتداداته التي لا تجف ولا تفنى ؟ ان هذا الرصيد التاريخي والديني الزاخر هو ما يفسر قوة الالتحام القائم بين جنوب المغرب وشماله وهو قوة دالة نستشف من اعماق ثناياه ان الصحراء المغربية لم تكن ابدا ارضا خلاء والا لماذا كانت دائما مستهدفة من قبل الاستعمار مثلما كان الامر بالنسبة لشمال الوطن !!! ولرصد شهادات ووثائق ومخططات الاستعمار التي تزكي الوحدة بين شمال المغرب وجنوبه يمكننا الاستدلال بمراسلات ديبلوماسية خاصة اشارت الى رفض كل القبائل المحلية في الصحراء الوجود الاجنبي سواء الاسباني او الفرنسي وتشير تلك الوثائق الى الصلة المتينة القائمة بين المقاومة المغربية في الشمال وامتداداتها في الجنوب كما ان تلك المراسلات رصدت عمليات امداد المقاومة في الصحراء بالسلاح من قبل السلطة المركزية (او السلطة المخزنية كما تشير الوثائق) ومن هذه المراسلات الديبلوماسية : * مراسلة مؤرخة بتاريخ 23 ابريل 1907 لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان بيشون Stephan Pichon الى م. ديشنيرM . Deaschner القائم بأعمال الجمهورية الفرنسية بمدريد ينبه فيها الى ضرورة قيام فرنسا بعمليات عسكرية تقوم على اساس توجيه باخرة حربية فرنسية الى ميناء طرفاية للحد من امداد المقاومة المسلحة بالمنطقة بالسلاح الذي يأتي من الشمال واشار في رسالته الى الدور المحوري "للمخزن" المغربي في امداد المقاومة بالسلاح والعتاد. * مراسلة من الوزير بيشون الى القائم بالأعمال الفرنسية بالمغرب رينيو REGNAULT المؤرخة في 26 ابريل 1907 تطلعنا على التنسيق بين الخارجية الفرنسية ووزارة البحرية بشان ضرورة التوقيف ومراقبة كل السفن الحربية المتوجهة الى طرفاية ومنع حركة السفن المغربية التي تزود المقاومة المسلحة بالمنطقة بالسلاح وحجز الاسلحة المحملة على متنها مع التشديد على ضرورة تنسيق الجهود مع اسبانيا لمنع دخول سفن اسطولها الى الصحراء خاصة المحملة بالسلاح الى السواحل الافريقية مع تكثيف حضور الاسطول الفرنسي بالجنوب المغربي للحيلولة دون وصول العتاد الى طرفاية ومن خلال توجيه البارجة لا لاند Lalande لتعزيز العمل الذي تقوم به البارجة جان دارك Jeanne – d'Arc بهذه المناطق الجنوبية مع استفسار الحكومة المخزنية عن الامداد العسكري الموجه للشيخ ماء العينين. * مراسلة من رينيو الى الوزير بيشون بتاريخ 29 ابريل 1907 تؤكد على عدم التزام المخزن بمنع امداد المقاومة جنوبا بالعتاد رغم الاحتجاجات الفرنسية المتكررة والمستمرة ان هذه الرسائل الديبلوماسية وغيرها كثير تؤكد وتبرز قوة الالتحام القائم بين جنوب المغرب وشماله وانخراط كل القوى الوطنية والمقاومة السياسية والدينية وجيش التحرير في مقاومة المستعمر الفرنسي والاسباني، كما ان الرسائل الديبلوماسية رصدت الامداد العسكري من شمال المغرب الى مناطقه الجنوبية لدعم مقاومة القبائل الصحراوية المغربية وتظهر هذه الرسائل مدى التعاون بين " المخزن " والقبائل الصحراوية والزعامات المحلية للتعبير عن رفض الوجود الاجنبي بهذه الربوع. واشارت هذه الرسائل الديبلوماسية ان جيش التحرير المغربي توسع في كل ارجاء المغرب واسس خلايا لجيش التحرير بالجنوب بما فيها الصحراء المغربية المحتلة –آنذاك- وللتاريخ فان جزءا من جيش تحرير الصحراء قد تشكل وتأسست نواته الاساسية الصلبة بمدينة الناضور وتطوان وكان طموح قادة جيش التحرير بالجنوب هو التحرير الكامل للصحراء بل وحتى موريطانيا ومن خلال بعض الوثائق المنشورة في عدد من المؤلفات والدراسات الاكاديمية يلاحظ ان الاصول الجغرافية للمقاتلين وجيش التحرير تنتمي الى كافة مناطق المغرب شمالا وجنوبا ومن بين الاقاليم التي تحتوي اعدادا كثيرة منها تزنيت (2988 فردا) وطان طان (1233فردا) وكلمين (1118فردا ) واد الذهب ( 402 افراد) العيون (671 فردا) …كما ان النساء لم تكن غائبات من الحركة فقد وصل عددهن الى 115 واغلبيتهن من الجنوب (13 من تزنيت) و(24 من طان طان) و( 22 من العيون …) لعل هذا الرصيد النضالي من المقاومة ضد المحتل الاجنبي يفسر قوة الالتحام القائم بين جنوب المغرب وشماله قوة دالة نستشف من اعماق ثناياها ان الصحراء المغربية كانت دائمة مستهدفة من قبل الاستعمار لكن كل مخططات المستعمر واسلافه من الغزاة باءت كلها بالفشل لوجود وشائج دينية وانسانية وثقافية وحضارية تربط الصحراء بوطنها الام لقد ورد في تقرير تحت عنوان (دراسة وثائقية للحكومة الفرنسية ) كتب سنة 1959 ما يلي( منذ تولي الحكم بالمغرب مع المرينيين في القرن 11 الميلادي صار تاريخ تكنه والمور – هو نفس تاريخ الامبراطورية المغربية) – المور : (هكذا كان يسمي الاوربيون سكان الصحراء المغربية) وفي لتأكيد نفس الراي قال المؤرخ الانجليزي توماس بلو الذي عاش في المغرب لمدة فاقت 23 سنة في القرن الثامن عشر في اخبار مغامراته ( انني اعتبر ان المغاربة والمور يكونان شعبا واحدا بدون ادنى فرق) وقال المقيم الفرنسي بالمغرب ليوطي في رسالة وجهها بتاريخ 1920 لرئيس الحكومة الفرنسية جورج ليك مظهرا غضبه لفصل موريطانيا عن المغرب وجعلها مستعمرة تابعة لأفريقيا الغربية الفرنسية (ان السلطان هو الامام المتوج وصاحب السيادة السياسية وفوق ذلك هو الرئيس الديني لكل المسلمين بالمغرب وحتى من وراء المغرب الى تومبوكتو كما تحصلت لدي الحجج عن هذا في مدة الحرب ) انها شهادات تشترك في نقطة اساسية وهي ارتباط الصحراء المغربية بوطنها الام رسختها قيم المقاومة ضد المستعمر مع الانخراط الكلي في بناء وحدة الوطن والامة