منذ القدم كان الجنوب المغربي عامة و الصحراء المغربية على وجه الخصوص عرضة للأطماع التوسعية الأوربية ، نظرا لأهمية موقعه الإستراتيجي باعتباره البوابة البحرية لإفريقيا ، خاصة منطقة الجنوب المغربي الواقعة بين " اكادير اغير " و" رأس بوجدور" مما جعل القوى الاستعمارية الأوربية خاصة البرتغال والإسبان تتسابق لتوسيع نفوذها بسواحل الصحراء المغربية قصد احتلالها و الاستفادة من خيراتها الطبيعة و البشرية والتجارية ، فمنذ القرن الخامس عشر الميلادي اتضحت بشكل جلي الأهداف التوسعية لكل من الإسبان و البرتغال اللذان عملا على تنظيم حملات عسكرية لغزو السواحل المغربية الجنوبية . و في أواسط القرن 19م و بداية القرن 20م اشتد التنافس بين القوى الاستعمارية الأوربية ، ليبلغ هذا التسابق أوجه بين فرنسا واسبانيا بعد انسحاب بريطانيا . فبعد معركة "إسلي" التي أبانت عن الضعف العسكري للدولة المغربية وهيبتها بين الدول و التي ساهمت بشكل كبير في استعمار المغرب و فقدان استقلاله ، وبعد احتلال القوات الفرنسية لبعض المدن في شمال وشرق المغرب ،عملت هذه الأخيرة بمعية القوات الإسبانية على محاصرة المناطق الجنوبية الصحراوية للمغرب، بدعوى إقامة مراكز تجارية في بعض الشواطئ والاتصال بالسكان لإقامة علاقات تجارية مباشرة معهم رغبة في استمالتهم إلى جانبها. أمام هذا الوضع تدخلت القبائل الصحراوية لإفشال هذا التكالب الاستعماري على المناطق الجنوبية للمغرب، بقيادة الشيخ ماء العينين الذي عمل على تجميع القبائل الصحراوية والسوسية و حثها على الجهاد و مقاومة المستعمر . فمند الإرهاصات الأولى للغزو الأجنبي للمغرب سارع الشيخ ماء العينين رحمه الله إلى قيادة حركة الجهاد ضد المستعمر، فقد كان رحمه الله يتنقل بين القبائل في البوادي و المراكز فقوي نفوذه الديني و النضالي و كان يزور سلاطين المغرب ابتداء من المولى عبد الرحمان بن هشام حتى المولى عبد الحفيظ ، حيث كان يقدم لهم البيعة باسم قبائل الصحراء و يستشيرهم في معارك الجهاد و يطلب منهم المد العسكري ، و في المقابل كان السلاطين يجلونه و يعتبرونه مجاهدا ينوب عن الدولة في مقاومة الغزو الأجنبي في المناطق الجنوبية. هكذا قام بإفشال البعثات الأجنبية ورفض التعامل مع أي منها إلا بإذن المخزن، كما رفض التعامل مع القوى الأجنبية رغم إلحاحها عليه مقابل إغراءات مادية، بالإضافة إلى جهوده في تنظيم القبائل الصحراوية وقيادة حركة الجهاد ضد المستعمر الفرنسي ، حيث تمكن من صدهم عن السواحل الجنوبية وتلقينهم ضربات موجعة، إلى الوقت الذي أصبح تواجده رحمه الله بالمناطق الجنوبية محفوفا بالمخاطر مما اضطره إلى مغادرة السمارة و الاستقرار بتزنيت سنة 1906م. ومند استقرار الشيخ ماء العينين بتزنيت أصبحت بلاد سوس مركزا للحركة المعنية ومنطلقا لجميع العمليات العسكرية، ومن سوس أيضا تمت مجموعة من المعارك التي قادها الشيخ احمد الهيبة ومن بعده خلفه الشيخ مربيه ربه ضد القوات الفرنسية بتعاون مع مجموعة من شيوخ وقواد القبائل السوسية مثل القائد المدني الأخصاصي والطاهر الإفراني والحاج الحبيب الصوابي وسعيد المجاطي ... هكذا إذا واصل الشيخ ماء العينين رحمه الله حركة الجهاد ضد المستعمر، و استمر على نهج المقاومة الذي رسمه أبوه الشيخ ماء العينين المبني على الجهاد و الدفاع عن حوزة الوطن. فمباشرة بعد وفاة ماء العينين الأب سنة 1910 م حمل مشعل المقاومة ابنه الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين و بعده أخوه الشيخ مربيه ربه اللذان عمل على تنظيم صفوف القبائل الصحراوية و السوسية لمواجهة المستعمر، فبعد ما التفت حوله (الشيخ احمد الهيبة) القبائل السوسية و الصحراوية ومن انضم إليهم ، تمكن بفضل حنكته العسكرية من صد القوات الفرنسية التي بدت مرتبكة ومضطربة أمام التحام هذه القبائل ، وقد ساهم هذا الالتحام أيضا الذي حدث بين القبائل الصحراوية و السوسية في تشكيل جبهة قوية ،رغم تكبدها للهزيمة في معركة سيدي بعثمان التي لم تكن لتثبط من عزيمة المجاهدين و تخمد جذوتهم حيث وحدوا صفوفهم وواصلوا المقاومة و تمكنوا من إسقاط إحدى الطائرات الإسبانية بالقرب من ساحل إفني سنة 1928م ، و في سنة 1930م هاجم أحمد ولد حمادي -شيخ قبيلة السواعد من ركيبات الساحل- حامية عسكرية فرنسية ، كما هاجم أولاد موسى مركز الحوض سنة 1932م و بدورهم أولاد دليم هاجموا مركز الترارزة في نفس السنة وقتلوا 55 جندي فرنسي ، و في 7شتنبر 1931م هاجم كل من محمد المامون خليفة الشيخ مربيه ربه في موريطانيا و أحمد ولد حمادي و علي ولد ميارة قائد قبيلة التهالات و العديد من أتباعهم مركز آطار و استو لوا على كميات هائلة من السلاح... هكذا توحدت القبائل السوسية والصحراوية وقاومت جنبا إلى جنب ضد المستعمر الفرنسي وبقيت مستمرة على نهج المقاومة إلى أن حقق المغاربة الاستقلال وتمكنوا من طرد المستعمر الفرنسي و الإسباني . طالب باحث في تاريخ الجنوب المغربي