هوية بريس – ذ.إدريس كرم ملخص الفصل: يتعرض الموضوع لأسباب نكسات القوات الفرنسية الغازية للمناطق الصحراوية، وكيف وجدت حاميات المراكز المحتلة نفسها، محاصرة لا تقوى على التحرك خارج تلك المراكز، مما جعلها عرضة لهجمات المقاومة خاصة سنة 1908 وعلى الأخص بعد عودة الصربة التي توجهت شمالا للمشاركة في مقاومة الفرنسيين في الشاوية، وعادت ومعها كمية هامة من البنادق الحديثة والذخائر، والنقود لدعم المقاومة، تسلمتها من السلطان مولاي عبد الحفيظ. لقد ارتأى الفرنسيون لمواجهة المقاومة، احتلال أدرار وتجميع الرحل حول قواتهم، وجر بعض المرابطين للقيام بلعب دور الوسيط، لإقناع بعض القبائل بالدخول تحت سيادتهم، بعدما انتقلوا من سياسة التهدئة السلمية، للتهدئة المسلحة. كلمات مفاتيح: الصربة، الشيخ ماء العينين، ليوطنا كولونيل كورو، نيمولان، المور، إدرار، كوبولاني، الشيخ ساعد بو، حسَّان، وليم بونتي، الشيخ سيديا، الترارزا، السنغال، مولاي إدريس، اكجوجيت، مهاريس، الرقيبات. نص الموضوع: نكسات الفرنسيين في الصحراء: بالرغم من هذه النكسات التي تعرض لها الفرنسيون، لم يتغير وضعهم في الصحراء الغربية خلال عام 1907 إلا قليلا، وبقيت الحاميات محاصرة معظم الوقت، بسبب نقص الموارد للتدخل المتحرك، لذلك بقيت حول مراكز الكلون، أراض شاسعة عرضة لهجمات المنشقين الكثيرين الذين انتهوا -بالرغم من صعوبات التنسيق بين جهودهم- إلى القيام بغزوة، تتوافق أيضا مع الضروريات المطروحة، من قبل الوضعية الغذائية بالشمال، المختلفة عن النواحي والقبائل الخاضعة، دون أن تلقى مقاومة قوية. يؤكد تقرير الربع الرابع من عام 1907 عن الوضع السياسي في موريطانيا، الذي كتبه بونتي (فاتح أبريل 1908) أنه إذا لم تهتز البلاد في نهاية هذا العام 1907 بأحداث خطيرة -على الرغم من تطوير تحرك القوات الفرنسية- فإن غزو البلد سيكون أبعد ما يكون عن الإنجاز. شبكة المراكز، بيَّنت حدودها التي ظهرت بشكل خاص أثناء إخلاء مركز أكجوجت سنة 1908 المستسلمون خاضعون بصفة مؤكدة، الغزو القادم من الشمال، ومن أدرار خاصة، يهدد باستمرار المصالح الفرنسية، القبائل المستقطبة بعد بضعة أشهر من الهدوء، في نهاية 1907 حيث سجل نجاحا نسبيا (تجميع الرقيبات، فشل الصربة في المغرب..الخ) اتخذت المشاكل بعدا جديدا في عام 1908 مما دفع السلطات الإستعمارية إلى القيام باحتلال أدرار. هذه الاضطرابات تسجل استراتيجية جديدة للمعارضين الذين كان الأمير سيدي أحمد في العام السابق، قد دافع عنهم، مُبَيِّنة ميزة التنقل، في البحث عن سبل عرقلة خطوط إمداد، وتواصل المستعمرين. وهكذا استخدمت المهلة التي حصلت عليها السلطات الاستعمارية الفرنسية، بعد فشل مشروع مولاي إدريس: أولا في تعزيز الوجود العسكري، على شكل نوعين من الإجراءات المتخذة بحيث؛ تمَّ في نونبر 1906 -وقت إعطاء الأمر لكلون الإنقاذ بالتوجه لتجيكيجا- إنشاء ثلاث سرايا، مهاريس (راكبي الجمال)، وهي أول محاولة من قبل القوات الاستعمارية لإنشاء وحدات محمولة، لها نفس قدرة الحركة المتاحة للمحاربين الصحراويين. بالتأكيد كانت هناك عدة تجارب سابقة، في استخدام مساعدين مور ( برطيزا-موالين-) لاسيما مع افريرجان، لكن لا يدخلون على التنظيم العسكري الحديث، حيث تمتلك وحدات المهاريس هذه، خصائص سلفها من الفصائل السابقة و(مجموعة الرحل) "GN". من جهة ثانية، تم تعزيز شبكة المراكز التي تراقب الأراضي المغزوة، بإنشاء مركز كيفَّا، في منطقة مراعي أهل سيدي محمود، يجعل من الممكن مراقبة الحدود الشرقية لتاكانت، وإقامة ترابط مع المواقع الفرنسية للسودان. صعوبات احتلال الصحراء: وحده موقع اكجوجيت الذي يبعد 150كلم عن أطار، بعيدا عن الترارزة بمسافة متساوية تقريبا، بدون ماء، كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، تهدف لمراقبة الحدود الشمالية للترارزة، لتكون بمثابة قاعدة لاحتلال أدرار، إلا أنها كانت في الواقع مشكِّلة حلقة ضعيفة، في البرنامج الفرنسي في عام 1908. بشكل عام توقف عدد القوات النظامية المنشأة في موريطانيا عن الزيادة، مما يؤكد الصعوبات العسكرية للغزو، ولكن على الصعيد السياسي، لم يتم التخلي عن المشروع السياسي المتمثل في الاختراق "السلمي" أي حشد القبائل من أجل بسط السيادة الفرنسية عليهم، كما يتضح من التعليمات الصادرة إلى المفوض الجديد للحكومة العامة بموريطانيا، ليوطنا كلونيل كورو، الذي تسلم مهامه من قبل العامل، وليام بونطي في 31 أكتوبر 1907. وسنستشهد بهم طويلا، لأنهم ترجموا لنا أيضا بعض الوهم، وسوء الفهم للواقع الاجتماعي للمور، في استمرار متوازي مع تحليلات كوبولاني، ولكن تسجل أيضا التطورات الجارية هذه. "أعتقد أنه من المفيد، تذكيرك بالتوجيهات التي أصدرها الحاكم العام (روم) في 1905 التي ستوضح لك الخصائص الأساسية، للسياسة التي كانت ثابتة على الدوام، في موريطانيا. وستلفت انتباهك للسياسة الداخلية بشكل أساسي، لتتكيف بشكل ملحوظ، مع الشكل الاجتماعي للبلد، وأعرافه، وعقلية سكانه الذين يعيشون إما مقاتلين، أو مرابطين، قبائل المور يعيشون نفس حياة الترحال، ولديهم دائما تبرما متماثلا من حياة الإستقرار والزراعة أو التجارة، الذين يظهرون تجاهها ازدراء شديدا. هذه الحياة الجائلة الزاهدة، التي تعتبر من الخصائص العامة لعقليتهم، وهي خصائص الريبة، التي توجد في المحاربين، أكثر منها في المرابطين حيث الحماسة الدينية معروفة بتحالف ملحوظ مع المصالح المادية الخالصة، فالمور معاد للعمل، يبحث بشغف عن الموارد اللازمة لتلبية احتياجاته، في سرقة ونهب السكان المستقرين، ولا يشكل تعدد الخداع والكذب، في هذه الظروف، سوى أقل النقائص لديه. من جهة وجوده الترحالي الذي تطور لغاية تجاوز الإحساسات الفردية، التي تميز البرابرة، والتي تتجلى في حب الإستقلال المطلق، إن كراهية الكافر المتولدة من التعصب الديني، الذي يتم الحفاظ عليه بمهارة من قبل المريدين، هي الرابطة الوحيدة التي يمكنها أن توحد في لحظة، العناصر المختلفة لهذا العرق، الذي عاش دائما في واقع، من العداء وانعدام الثقة. درس المور للمستعمر: من السهل العثور على دليل مقنع، لهذه التصرفات الذهنية، في النجاح الضئيل، الذي حصل عليه في العام الماضي، مبعوث، حصَّل حينها شهرة كبيرة بين المور: إنه مولاي إدريس الذي -في الواقع، بالرغم من الإعداد السياسي الطويل، وبالرغم من السلطة الممنوحة له، بسبب مكانته المزدوجة؛ من جهة، كشريف ومبعوث للملك، ومن جهة أخرى؛ كمدعوم من قبل ماءالعينين- لم ينجح في تجميع سوى بضع مئات من المحاربين، والتأليف بين عناصرهم، غير المتجانسة، إلا بصعوبات بالغة، لانتمائهم لقبائل مختلفة، صعَّبت عليه الحفاظ على النظام بينهم. هذه الوقائع تعتبر بالنسبة لنا درسا قيما، فهمنا منه بأنه لا يمكننا الحلم بإخضاع هذه القبائل بالقوة، لأنها تفلت من قبضتنا بتحركها؛ لكن بالتأكيد لن يمر وقت طويل، حتى ننجح في تجميع، وتوجيه هؤلاء المتمردين، وفقا للقواعد الإدارية المعتادة، سيجد مبدأ "فرق تسد" المجال المناسبا للتطبيق في هذا البلد، وقد فهمه السيد كوبولاني جيدا، فطبقه في الاستفادة من الصراعات بين القبائل المختلفة، ولاسيما العداء الذي كان دائما يفرق بين القبائل المرابطة، والقبائل المحاربة. المجموعات المحاربة، ستبقى معادية لنا لمدة طويلة، غير قابلة للاختزال، لأنها تدرك تماما، أن ترسيخ وجودنا في البلاد، سيقضي على سبب تواجدها المتمثل في: نهب السكان المستقرين، وتجارة العبيد. وسيؤدي عملنا هذا الحصول على دعم قبائل المرابطين، الواثقة من فعالية حمايتنا لها، من القبائل المحاربة، لذلك احتشد قادتها الدينيون المؤثرون، لدعم مخططنا وتواجدنا، وظهر منهم قائدان من جنوب الترارزا، لهما تأثير كبير، في موريطانيا والسنغال، حيث جلبا لنا دعم سلطتهما وهما: الشيخ سعد بو، والشيخ سيديا، اللذان سرعان ما تفهما جهودنا، وأدركا الفوائد التي ستجنى من احتلالنا، وعرفا بأن الاحتلال حتمي، لا محالة منه، ولم يتجاهلا أننا مصممون على الانتصار في يوم أو آخر، على كل معارضة لنا. لطالما تباحث السيد كوبولاني وليوطنا كلونيل مونطاني كابديبوسك مع هؤلاء القادة الدينيين، المتوفرين على قدرة للتفكير والمناقشة، من خلال الدراسات الشاقة في اللاهوت المدرسي، والعلاقات الوثيقة والشخصية ذات الطابع الودي تقريبا. [هامش 21 أرشيف الحكومة العامة لإفريقيا الغربية الفرنسية (A,O,F) دكار، ملف 1 د 224] غزو "التهدئة" ما تزال التحليلات التي أجراها وليم بونتي لمجتمع المور قريبة من تحليلات كوبولاني، ولكنها أيضا تسجل عواقب فشل مخطط غزو "التهدئة" المجرب لمدة خمس سنوات، من محاولات الاحتلال "المسلح" شيئا فشيئا. التمييز بين حسَّان والزاوية، بين المحاربين والمرابطين، والذي كان في جزء منه على صواب، ويعتبر نقطة مهمة حاسمة، في مجتمع المور، بينما الرؤية التراتبية التي كانت عند كوبولاني، ذات كيفية مهينة، بالنسبة للمحاربين، الذين صنفهم على النمط القديم لنظام المجتمع الغربي، أو المحاربين المقدمين، كمماثلين للأعيان الطفيلين المتلاشين: حتى لو كان مجتمعا قبليا منظما وفق قيم مختلفة. ما يزال المرابطون يتمتعون بامتياز المحاورين، ولاسيما الشيخ ساعد بو، والشيخ سيديا، اللذان أسهما بقوة في إدخال الفرنسيين للبلد وتوطينهم فيه، لكن الوقت لم يطل بالمحاربين، كي يصبحوا مساعدين محتملين، للغزو والاحتلال الاستعماري. بعيدا عن التخلي عن إكمال برنامج كوبولاني -وهو ما توافق مع المرحلة الموالية، من تعليمات ويليام بونتي لكورو- بضرورة احتلال أدرار، وفقا للخطة التي وضعها كوبولاني، فصارت في جدول الأعمال أكثر حضورا من أي وقت آخر، باعتبار أدرار منطقة لجوء، "ونقطة تمركز الأعداء". حقوق فرنسا ليست محل نزاع في هذا المجال، على الساحة الدولية، ولكن سيكون من المجازفة، ومن السابق لأوانه، الإلتزام الفوري بعمل عسكري، لأن القبائل مسلحة بشكل جيد. "من المسلم به أن قبائل المحاربين، تلقت من ماء العينين، أسلحة متطورة، من شأنها أن تسمح لهم بمواجهتنا، في مقاومة جدية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار، الصفات الحربية لهؤلاء السكان، الذين يحرضهم المرابطون، ويحمسونهم، تجربة نيمولان أبانت لنا بأن المور، يعرفون كيف يستخدمون الميدان جيدا، وبعيدا عن كونهم أعداء مهملين، خاصة إذا اعتبر المرء أنهم يقاتلون في ناحية يعرفون أنها قليلة الحوادث، وحيث نقط الماء لا نعرفها". غزو أدرار واحتلالها: أصبح غزو أدرار إذن، على جدول الأعمال اليومي أكثر من أي وقت مضى، وسيسعى كورو منذ تعيينه في أكتوبر 1907 إلى ربطه بالنظام، ومع ذلك سوف يستغرق الأمر أكثر من عام، لتحقيق النتيجة المرجوة، لأنه وفقا لتوقعات وليام بونتي، فقد أثبت المور أنهم أعداء مرعبون. كان عام 1908 على وجه الخصوص صعب على الاستعمار الفرنسي، في كثير من النواحي، فبعد ما يقرب من عشر سنوات على إقامة المؤسسات الاستعمارية بالصحراء الغربية، وفشل الصُّربة المجمعة من قبل المقاومين الرئيسيين الموالين للشيخ ماء العينين، ومن بعدُ، هو وذلك المقرب من ملك المغرب. في منتصف سنة 1907 حيث مثل حينها نقطة تحول مهم في تطور المقاومة. فقد تم وضع حد لفكرة توحيد المسلمين، حول الجهاد ضد الكفار، وتجمُّع كل أولئك الذين ما زالوا مستقلين في ذلك الوقت بالمغرب والصحراء، إلا أن ذلك لا يعني الإشارة، إلى نهاية المقاومة، فذلك بعيد كل البعد عن القول به، لأن المقاومة ستستأنف بقوة من جديد في عام 1908 وتستمر بعد الاحتلال الفرنسي لأدرار في عام 1909 تاركة الأمر لمجتمع المور نفسه. قبائل شمال الصحراء واصلت المقاومة، مثلما ستستمر المقاومة قوية في نواحي المغرب، التي تطورت به مباشرة بعد هذا التاريخ لتستمر حتى بداية 1930. فشل الصربة يتوافق مع تغير الوضع في المغرب نفسه، خلال عام 1907 عندما كان قادة الصحراء الكبرى قد اجتمعوا بالفعل في السمارة، حاول الملك مولاي عبد العزيز التحالف مع الفرنسيين، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات والحركات المناهضة لأوربا، وقيام الغاضبين من تصرفه، نهبوا فيها ممتلكات اليهود، وقتلوا أوربيين بالدارالبيضاء، وذلك بتوجيه من الشيخ ماء العينين الذي سار للدار البيضاء ومراكش على رأس المحاربين المجندين من القبائل الصحراوية، وجنوب المغرب، سيشارك أعضاء الصربة الصحراوية في هذه الرحلة، وسيقومون بإطلاق النار حول الدارالبيضاء، وسيشاركون أيضا في خلع مولاي عبد العزيز، وتنصيب أخيه مولاي حفيظ، الذي سيسارع بعد فترة وجيزة إلى التفاوض مع الفرنسيين. عندما جاء مولاي حفيظ للسلطة، بمساعدة الشيخ ماء العينين، الذي وإن لم يعطه قوات، فقد أعطاه ما بين 500 و600 بندقية حديثة، سريعة الطلقات، وذخيرة ومبلغ 30 ألف فرنك، لتنظيم المقاومة ضد الفرنسيين. هذه الوسائل عندما عادت الصربة لأدرار، بداية 1908 ستسهم في انطلاق مقاومة محلية مع بداية 1908. المصدر: