تعاني الجزائر منذ استقلالها من مشكلات كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية لكن اهمها هي ازمة شرعية الحكم والنظام او شرعية التمثيل السياسي للمؤسسات وتتفاقم هذه الازمة رئيسا بعد رئيس وحكومة بعد حكومة وقائد جيش بعد قائد جيش لأنها لا تنتج الا مؤسسات فاقدة للشرعية الوطنية والديموقراطية خصوصا وان الجزائر منذ استقلالها لم تعرف توافقا سياسيا بين جميع مكوناته السياسية والمجتمعية والعسكرية ولم تعرف سيادة منطق البناء السلمي للمجتمع والدولة بل ساد المنطق الاقصائي والاستئصالي باسم النزعة الوطنية ( الشعبوية) ولذا افتقد الجزائريون الثقة بمؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة الجيش ويصعب استعادة هذه الثقة طالما ان النظام القائم مستمر بفرض القيود على حرية التعبير والاعلام والتجمع وسواء اجريت الانتخابات او لم تجر فقائد الجيش هو الحاكم الامر الناهي والرئيس "المدني" ما هو الا اداة تنفيذ الاوامر والانتخابات التي تجرى هي اداة لتغيير الاشخاص لا لتغيير طبيعة النظام. ان صلب الازمة في الجزائر يتمثل في غياب التمثيل الشرعي للسلطة وبالتالي استمرار غياب الوجه القانوني المجرد لمفهوم الدولة، والدولة الحالية كما السالفة في الجزائر لا تنظر الى المواطن الا كمجرد ارقام انتخابية ولا ترى فيه مواطنا محملا بحقوق وحريات عامة سياسية واجتماعية واقتصادية، كما ان المواطن من جهته لا يقيم اي قيمة لفكرة الديموقراطية الشكلية ولم يقبل ان يكون متمسحا بالمصلحة العامة لأنها مرتبطة بالأشخاص وليس بالمواطن والوطن فمشروع الدولة اغتصب منذ الاستقلال وبخاصة الطابع التعددي للحياة السياسية (امحمد يزيد – احد قادة الحركة الوطنية الجزائرية) ان كل المرشحين للرئاسيات الجزائرية من بومدين الى بنجديد الى اليمين زروال وصولا الى الرئيس الحالي لم تفرزهم ثقافتهم السياسية ولا دورهم كفاعلين مدنيين ونشطاء في المجتمع المدني كل ما في الامر انهم عينوا واختيروا وفق منطق دوائر النفوذ في السلطة والجيش وترك للشعب امر تزكيتهم كحكام عليه وحتى الذين جاؤوا كأشخاص من خارج مؤسسة الجيش مثل الرئيس الحالي فقد كان موظفا عموميا تقلد كل المناصب التي مر منها بالتعيين من موظف في الادارة الى والي (محافظ ولاية)الى وزير ثم وزير اول في عهد حكومة بوتفليقة. وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة اعتمدت المحكمة الدستورية الجزائرية في 31يوليوز 2024 اوراق ثلاث مرشحين في القائمة النهائية للانتخابات الرئاسية وهم يوسف اوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية وعبد المجيد تبون (الرئيس الحالي) مرشحا مستقلا وحساني شريف عبد العالي عن حركة مجتمع السلم ذات التوجه الاسلامي واختيار هذه التشكيلة هو ان السلطة الخفية والدولة العميقة تريد اللعب على "سلبيات" المشروعين العلماني (جبهة القوى الاشتراكية) والاسلامي (حركة مجتمع السلم) والبديل هو الرئيس الحالي (مستقل؟) ولسان حاله يحذر من مغبة الانقسام بين المشروعين المتصادمين وهي نفس الحرب السياسية التي لعبها النظام الجزائري بعد الانتخابات الرئاسية لعام 1995 حين حذرت السلطة الحاكمة من مغبة الانقسام والتشرذم عبر صياغة خطاب رسمي يستعطف الجمهور نحو مشروعه القائم على تأليب التيار الاسلامي ضد التيار العلماني الاستئصالي والعكس .. ليلعب على صدامية المشروعين الاسلامي والعلماني دون ان يقدم اي مشروع بديل غير التصويت على مرشح السلطة والجيش. اما الذين ازيحوا او انسحبوا عن سباق الانتخابات الرئاسية فيعلم العديد منهم ان التغيير بعيد التحقق بل منهم من يشعر بالخيانة وهم يعون ان الانتخابات ماهي الا وسيلة لتجديد النظام العسكري بدلا من انهائه فالطغمة العسكرية ترى في هذه الانتخابات السبيل الوحيد امامها نحو (الشرعية الدستورية) ولو افتقرت الى الشرعية الشعبية. يقول مولود حمروش رئيس الوزراء السابق في بداية تسعينيات القرن الماضي ان منظومة الحكم السائدة في الجزائر تجعل الانتخابات اجراء شكليا لان السلطة الفعلية هي التي تقرر من يكون رئيسا وتهيئ له الظروف التي تجعل يوم الاقتراع عملية اجرائية. ولا يحق لأي مرشح ان يطرح مسالة تغيير طبيعة النظام او القطيعة مع منظومة العسكرة التي يطالب بها الشارع بل ان جل هؤلاء المرشحين يتسابقون نحو شخصنة الجيش عوض الحديث عنها كمؤسسة مستقلة عن الحكم كما ان برامج وخطابات هؤلاء المرشحين لا تريد فتح نقاش حول منظومة الحكم ولا حول دور المؤسسات المدنية والعسكرية بل ان كل تصريحاتهم تتراوح بين مدح وشكر وتثمين خطابات وقرارات شخص قائد الجيش. يقول هواري عدي وهو احد الباحثين المتخصصين والمتتبعين للشأن السياسي في الجزائر ان هذه الاخيرة عرفت نظاما سياسيا ذو سلطتين منذ استقلالها : سلطة عسكرية نصبت نفسها مصدرا للشرعية، وسلطة مدنية تنفيذية تعتمد على الاولى وبينما امتنعت السلطة العسكرية عن وضع مؤسسات لإدارة مسؤولياتها اكتفت السلطة المدنية التنفيذية بإضفاء الطابع "المؤسساتي" على اجهزتها، والسلطة الحقيقية (الخفية) هي تلك التي تمارسها الهيئة العسكرية اما الاخرى الظاهرية التي يتولاها رئيس الجمهورية والحكومة فلا تأثير لها على نظام الحكم وتولد عن ذلك عدم مسؤولية السلطة العسكرية وان كانت هي التي تدير الحكم ولا يبدو ان دولة القانون ستتحقق مادام ان نظام المسؤولية لا يطال المسؤولين الحقيقيين في جهاز الدولة. اذن فالانتخابات ما هي الا وسيلة لتجديد الدولة العسكرياتية لا وسيلة لإنهائها . ذ. محمد بادرة