في خضم هذا الضجيج الذي نعيشه اليوم، يبدو أن مفهوم التنمية قد تحول من عملية شاقة تتطلب تخطيطًا ومثابرة إلى حفلة متنقلة تسير على أكتاف المنتخبين. اليوم، تجدهم يتسابقون ليس لتحقيق إنجازات حقيقية، بل للتباهي بعدد الحضور في مهرجان هنا أو هناك، وكأن عدد الحضور هو المقياس الجديد للنجاح. لكن لنكن واقعيين، هل بناء قدرات التعليم والصحة يحتاج إلى "لايكات" وتعليقات مشجعة على الفيسبوك؟ هل تحسين البنية التحتية وجلب الاستثمارات تتطلب صورًا وفيديوهات على الإنستغرام؟ يبدو أن بعض المنتخبين يعيشون في عالم افتراضي، حيث التحفيز والتشجيع يأتيان عبر الشاشات، بينما تبقى التحديات الحقيقية في الواقع منسية أو متجاهلة. في هذا العالم، كل ما يتطلبه الأمر هو تنظيم حدث بسيط في ساحة عمومية، دعوة فرقة "أحواش"، وسترى الحشود تتوافد، ثم تأتي الكاميرات لتلتقط المشاهد، وتبدأ المنشورات تتوالى على مواقع التواصل الاجتماعي: "نجاح باهر"، "حضور قياسي"، "مجهود رائع"، ولكن، هل هذا هو النجاح الحقيقي الذي ننشده؟ النجاح الحقيقي يُقاس بمدى قدرة هؤلاء المنتخبين على حل مشاكل الساكنة، بتوفير التعليم الجيد، بالرعاية الصحية المتاحة للجميع، بتحقيق التنمية الاقتصادية التي تفتح فرص عمل جديدة وتخلق بيئة استثمارية جاذبة. النجاح يُقاس بما يُنجز على الأرض، وليس بما يُعرض على الشاشات. هل رأيت يومًا منتخبًا يسارع إلى تقديم مقترحات قوانين تخدم مصلحة المواطن بنفس الحماس الذي يظهره عند تنظيم مهرجان؟ هل رأيته يترافع لدى الوزارات لحل مشاكل منطقته بنفس الجهد الذي يبذله في التقاط الصور التذكارية مع الفنانين؟ يبدو أن الأولويات قد اختلطت، وأصبح العمل الجاد مطلبًا ثانويًا. ما يثير السخرية هو أن هؤلاء المنتخبين يعتقدون أن الحضور الجماهيري الكبير هو شهادة نجاح، متناسين أن أي شخص يمكنه تنظيم حدث بسيط يجمع الناس في ساحة، ولكن الفرق يكمن في ماذا تحقق بعد انفضاض الحشود؟ أين هي النتائج التي يمكن للمواطن أن يلمسها في حياته اليومية؟ المهرجان، أيها المنتخبون، ليس غاية في حد ذاته، هو مجرد وسيلة، أو ربما تتويج لجهودكم خلال عام كامل، ولكن عندما يتحول إلى محور اهتمامكم الأساسي، وتصبح الغاية بدل الوسيلة، فإنكم بذلك تفقدون البوصلة. التنمية الحقيقية تتطلب استثمارًا في البشر والحجر، في العقول والبنية التحتية، وليس في الأضواء والكاميرات. عبدالله بن عيسى لأكادير 24