إشكالية الثقة في السياسيين في زمن تتزايد فيه التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يواجه المواطنون حول العالم أزمة ثقة متزايدة في السياسيين وخطاباتهم. هذه الأزمة ليست مقتصرة على بلد معين أو نظام سياسي بعينه، بل هي ظاهرة متفشية عبر الأقاليم والقارات. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف يمكن لسياسي أن يكذب، ويعلم أنه يكذب، بينما يعرف جيداً أن جمهوره يدرك حقيقة كذبه؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نفهم طبيعة الخطاب السياسي، والعلاقات المعقدة بين السياسيين والناخبين، وتأثير الأيديولوجيات على السلوك السياسي. طبيعة الخطاب السياسي وأيديولوجياته الخطاب السياسي، بطبيعته، ليس مجرد نقل للحقائق، بل هو أداة لتشكيل الرأي العام وتوجيهه. السياسيون غالباً ما يستخدمون الخطاب للتأثير على المشاعر والعواطف بقدر ما يسعون لإيصال المعلومات. الأيديولوجيات، سواء كانت ليبرالية، محافظة، اشتراكية، أو قومية، توفر إطاراً مرجعياً يساعد السياسيين على صياغة رؤيتهم ومواقفهم تجاه القضايا المختلفة. ومع ذلك، يمكن للأيديولوجيات أن تكون سيفاً ذا حدين، حيث يمكن استخدامها لتبرير الكذب والتحايل إذا كان ذلك يخدم أهدافها. العلاقة بين السياسيين والناخبين العلاقة بين السياسيين والناخبين معقدة ومتعددة الأبعاد. في العديد من الأحيان، يعتمد السياسيون على الكاريزما والشخصية الجذابة لجذب الدعم، بغض النظر عن مدى صحة أو دقة ما يقولونه. هذا الاعتماد على الشخصية يمكن أن يؤدي إلى ظاهرة "التحيز التأكيدي"، حيث يصدق الناس ما يتوافق مع معتقداتهم المسبقة ويتجاهلون ما يتعارض معها. عندما يكذب السياسي، قد يكون مدركاً تماماً أن جزءاً من جمهوره سيصدقه بناءً على الثقة الشخصية أو الولاء الحزبي، وليس بالضرورة على أساس الحقائق. آليات الكذب السياسي وأسبابه يمكن أن يكذب السياسيون لعدة أسباب. قد يكون الكذب وسيلة لحماية مصالح شخصية أو حزبية، أو لتحقيق مكاسب انتخابية قصيرة الأمد. في بعض الأحيان، قد يكون الكذب استراتيجية لتجنب مواجهة الحقائق الصعبة أو لتقديم صورة مثالية عن الوضع السياسي أو الاقتصادي. السياسيون قد يعتقدون أن الجمهور قد يفضل سماع الأكاذيب المريحة بدلاً من الحقائق المزعجة، وخاصة في أوقات الأزمات. وعي الجمهور: معرفة الكذب والتفاعل معه المفارقة في الكذب السياسي تكمن في وعي الجمهور بذلك الكذب واستمرار دعمه للسياسيين. هذا الوعي يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل، منها: 1 الولاء الحزبي: الكثير من الناخبين يظلون مخلصين لأحزابهم وسياسييهم رغم معرفتهم بالكذب، لأنهم يرون فيهم ممثلين لمصالحهم وقيمهم. 2 الواقعية السياسية: قد يدرك الجمهور أن الكذب هو جزء من اللعبة السياسية، ويقبلونه كواقع لا مفر منه. 3عدم الثقة في البدائل: في بعض الأحيان، يرى الناخبون أن جميع السياسيين يكذبون بدرجة أو بأخرى، ولا يرون بديلاً أفضل، فيستمرون في دعم من يرونهم الأقل ضرراً أو الأكثر نفعاً. نحو خطاب سياسي صادق مع ذلك، لا يمكن إغفال أهمية الصدق في الخطاب السياسي. بناء الثقة بين السياسيين والناخبين يتطلب التزاماً بالشفافية والمصداقية. ينبغي أن يسعى السياسيون إلى تقديم الحقائق، حتى وإن كانت غير مريحة، والعمل على كسب ثقة الجمهور من خلال الأفعال وليس فقط الأقوال. إن تعزيز الوعي النقدي لدى الناخبين، وتشجيعهم على مساءلة السياسيين والبحث عن الحقائق بأنفسهم، يمكن أن يساهم في تقليل تأثير الكذب السياسي. الطريق إلى ثقة مستدامة في نهاية المطاف، يبقى بناء الثقة المستدامة بين السياسيين والجمهور تحدياً كبيراً. يتطلب هذا التحدي التزاماً من كلا الطرفين: السياسيون للصدق والشفافية، والناخبون للوعي والنقد البناء. بمرور الوقت، يمكن لهذا التفاعل أن يخلق بيئة سياسية أكثر صحة ونزاهة، حيث يكون الكذب الاستثناء وليس القاعدة. ع,ب لأكادير 24