تشكل مرحلة الطفولة المنطقة الجيولوجية الاعمق في نسيج الوجود الانساني، وفي هذا التكوين الاعمق تكمن نفائس الامم وذخائرها الانسانية، وعملية بناء الانسان وتشكيل شخصيته تبدا في مرحلة الطفولة لأنه في هذه المرحلة تتحدد السمات الاساسية للفرد سيكولوجيا وثقافيا وعقليا، وفي مرحلة الطفولة يعد المجتمع نفسه للمستقبل ويرسم لذاته الصورة التي يجب ان يتسم بها في مرحلة البناء الحضاري. انها المرحلة التي ينتج فيها المجتمع نفسه ويعيد انتاج وجوده اجتماعيا وثقافيا وانسانيا(د. علي اسعد وطفة) كل الامم في الماضي والحاضر لا تزال تبني حضارتها من اصغر وحدة في البنية التحتية للمجتمع(الطفولة) لأنها الحجر الاساس للبنيان العمراني البشري.. وهذه الوحدة الصغرى بكل تجلياتها وصورها هي الرهان الاساسي للامة التي تريد ان تبقى وتنهض وتسود في مغالبة مختلف اشكال العجز والضعف والقهر والجهل والاستيلاب والذوبان. فكيف لنا ان نوجد اطفالا وشبابا متكاملين روحا وجسدا وعقلا؟ وكيف لنا ان نغرس في اطفالنا قيم العلم والابتكار والميل العقلاني والحس النقدي حتى يكونوا قادرين على مواكبة عصر التحديات التكنولوجية الحديثة؟ وماهي الاستراتيجية التي نريد التخطيط لها لتهيئ لنا اطفالا بمواصفات التحديات العالمية الجديدة؟ وكيف نلبي احتياجات خطط التنمية الثقافية وعملية النمو الحضاري من اجل بناء انسان الغد انطلاقا من طفولة اليوم؟ ما هو دور النظام التعليمي والمؤسسات التربوية والثقافية والاعلامية في بلادنا لإيجاد اطفال متكاملين روحا وجسما وعقلا؟ اليوم كلنا يتهم نظام التعليم بالقصور والعجز لكن هل منا اليوم من يجرا ويقول لنجرب اتهام النظام الاجتماعي وليس النظام التعليمي كمنظور اخر لهذه القضية، فالنظام الاجتماعي لم يتعايش قط مع النظام التعليمي بعيوبه وقصوره، والمجتمع الى الان لم يستطع ان يتأقلم مع النظام التعليمي بحيث يكمل نواقص التعليم بدل ان ينظر الى الجهاز التعليمي وكانه هالة كبيرة معزولة عن المجتمع !! اليوم نعيش ازمة حضارية مزمنة وخانقة وبالتالي فان اي محاولة لفهم او تشخيص هذه الازمة يجب ان يكون من خلال النظر الى ثقافة الطفل في سياق الازمات والمشكلات الحضارية والتاريخية، فكيف يعيش جيلنا واطفالنا ثقافتهم؟ انه سؤال اشكالي مثير لان واقعنا المعاصر يعاني الهزال في بناء الثقافة الوطنية البناءة والمكتسبات المعرفية والعلمية والفنية الصالحة للعصر لفائدة أطفالنا وشبابنا، وبدون ان نبلور لثقافة اطفالنا منظورا فلسفيا وعلميا واستراتيجيا يحدد لها هوية وجودية فانه ستضيع صورة الانسان وهويته التي سينظر اليه بواسطتها في المستقبل. وحتى نجعل الانسان ذا هوية فلابد ان يكون انسانا ذا ثقافة او هوية ثقافية تحدده ماضيا وحاضرا ومستقبلا. الطفل اب الانسان وهويته تتشكل في مرحلة الطفولة الطفل المغربي كغيره من الاطفال يقطع خلال نموه وتطوره عدة مراحل يتأثر خلالها بمحيطه الاجتماعي بكل ما يتضمنه من عوامل ثقافية وأخلاقية وروحية ويتأثر بمحيطه الاسري وما يسود فيه من مشاعر وعواطف تشكل الشخصية المرجعية لوجوده وحياته في مختلف مراحل الحياة القادمة، ومرحلة الطفولة هذه هي التي تبنيه وتشكله عقلا واخلاقا وسلوكا بطريقة يصعب معها في المستقبل احداث اي تغيير او تبديل مهما كان نوعه. فادراك الطفل للعالم تكون بلغة امه، وموقفه من الوجود ونظامه الادراكي وعاداته الفكرية وقدراته الابداعية جميعها تتحدد بصورة اساسية في مرحلة الطفولة. ان خصوصية ثقافة الطفل تكمن في القيم الاجتماعية او الأنساق القيمية التي يتخذها الاباء والاسر كمرجعية في تنميط سلوك اطفالهم او تغيير اتجاهاتهم، وبالتالي فهذه الأنساق القيمية تشكل الطابع النمائي للطفل لأنها تشكله وتنميه نفسيا وجسديا وعقليا وهوما يتضمن اشارة قوية الى الدور التربوي البنائي للثقافة في عالم الاطفال، والثقافة الموجهة للطفل هي ثقافة انمائية تساعده على النمو والتكامل نفسيا وجسديا وعقليا وعلى هذا الاساس يمكن القول بان الثقافة الطفلية هي ثقافة بنائية تتجه الى بناء الشخصية وتكوين الطفل في مشاعره واحاسيسه ووعيه وتفكيره على نحو ثقافي وهذا يعني ان هوية الطفل هي نتاج لتكثيف ثقافي ونتاج عملية بلورة ثقافية. العولمة واستهداف عقول الاطفال اطفالنا هم الصيد الثمين في عصر العولمة لانهم الفئة الاكثر حساسية وخطورة واكثر الشرائح والفئات الاجتماعية تعرضا لتأثيرات وسائل التواصل الحديثة وتقنياتها المثيرة التي فرضتها العولمة الزاحفة. ان عقول الاطفال وانظمة ادراكهم تشكل المنطقة الاستراتيجية المستهدفة التي تقع عليها مطارق ثقافة العولمة الساعية الى تذويب لغة وثقافة الام وتدنيس مقومات الثقافة الوطنية والاصيلة وتهديم مكوناتها. وان استهداف هذه العقول الطفولية او مداركها هو لأجل تذويب القيم وتدمير الاسس الانسانية للوجود الثقافي للطفل ومن هنا يتعين علينا في مواجهتنا الحضارية والثقافية للعولمة ان ننطلق في الصراع الحضاري من المنطقة الاكثر اهمية واستراتيجية وخطورة وهي ثقافة الاطفال كمنطلق لحماية الهوية والحضارة والثقافة.(علي اسعد وطفة) العولمة هي حداثة فرضت شروط وجودها كنموذج عالمي للحياة وهي حداثة غربية فيما يتعلق بمعطياتها العلمية والعقلية. يراها الاستاذ محمد عابد الجابري انها ظاهرة تعكس ارادة الهيمنة على العالم وليست(مجرد الية من اليات التطور التلقائي للنظام الراسمالي بل ارادة الهيمنة على العالم وامركته) ويراها الاستاذ عبد الاله بلقزيز(فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات، انها رديف الاختراق الذي يجري بالعنف – المسلح بالتقنية – فيهدر سيادة الثقافة في سائر المجتمعات التي تبلغها عملية العولمة). العولمة فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات الانسانية، لأنها تسعى للهيمنة والانتشار والشمول لتعميم نفسها على كل ثقافات المجتمعات الانسانية وجعل الانسان يرضخ لسطوة الالة وجبروت وسائل الاعلام الحديثة حتى يفقد قيمه وخصوصياته المجتمعية والثقافية والاخلاقية ويندمج داخل منظومة عالمية واحدة لا تعترف بالخصوصية الثقافية ولا تحترمها.. انها "فيروس تكنولوجي – ايديولوجي" يغزو عقولنا وعقول اطفالنا، وامام هذا الوحش "الحضاري الجديد" الذي يخترق بيوتنا ومجتمعنا وعقولنا وقيمنا ورموزنا الثقافية والحضارية جعل اطفالنا لقمة سائغة امام جبروت الالة وتقنياتها الاعلامية في غياب اليات الحصانة الثقافية وفي غياب المؤثرات الثقافية الاصلية التي تحيط بالطفل فكلنا يعلم واقع الأوضاع الثقافية والانسانية التي تحيط بأطفالنا حيث غياب المؤثرات والوسائط الثقافية. اذا ستحضرنا مجتمعنا ووسطنا القروي فلا وجود لفضاءات ولا وسائط ثقافية، واذا استحضرنا اطفالنا في الحواضر وهوامش المدن فلا وجود لمكتبات الأطفال ولا وجود للمسارح او دور السينما او دور الثقافة والفنون !! وامام غياب هذه الوسائط الثقافية الاساسية كيف يمكننا ان ننمي المدارك الفكرية والفنية والابداعية لأطفالنا وشبابنا للحد من الاثار السلبية لوسائل الاعلام الحديثة التي تغزو الفضاءات التربوية والاجتماعية والترفيهية في المدن والبوادي. لمقاومة هذا الغزو المتسلل لعقول واذهان وسلوك اطفالنا ماذا اعددنا من وسائط ومؤثرات ثقافية لصيانة هويتهم الثقافية؟ هل لدينا مكتبات عامة مختصة ومخصصة للأطفال؟ هل لدينا مسرح خاص بالطفل؟ هل نتوفر على اذاعة واحدة خاصة بالطفل؟ هل ننتج ما يكفي من البرامج التلفزيونية المعدة للأطفال وفق معايير ثقافتنا وتربيتنا واخلاقنا وقيمنا؟ هل لدينا مؤسسات ثقافية وتربوية مختصة في اصدار الدوريات والمجلات الخاصة بالأطفال ؟ انها اسئلة محرجة تفضح نقص وغياب الحاجيات الثقافية في مؤسساتنا التربوية ومحيطنا الاجتماعي وفي بيوتنا حيث اطفالنا يعيشون في وضعية تراجيدية محزنة جدا فيما يتعلق بالوسائط الثقافية التي تحيط به وتشكل تهديدا خطيرا للمستقبل الثقافي للأطفال، ومن باب المقارنة بين اطفالنا واطفال غيرنا من الامم الاخرى نجد انه في عام 1979 بلغ نصيب الطفل الروسي 4.7 كتاب وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية 2.9 كتاب لكل طفل وفي انجلترا 2.6 كتاب اما نصيب طفلنا في العالم العربي فلا يتعدى (نصف كلمة) وهو رقم مخجل!! وبالنسبة للبرامج التلفزيونية فالصورة سوداوية قاتمة حيث ضعف وانعدام البرامج الهادفة للأطفال باستثناء ما يتعلق ببعض البرامج الترفيهية التافهة، بل ان ما يقدم للأطفال على المستوى الاعلامي ينتمي الى فئة الثقافة الرخيصة التي تستهدف الطفل كسلعة قابلة للاستهلاك، وبعضها ان لم نقل اكثرها يفيض بثقافة موجهة مضادة ومعادية للقيم الثقافية الوطنية والدينية. التحديات الثقافية للعولمة الغازية العولمة الزاحفة هي الة ساحقة للإنسان ولانساقه الفكرية والثقافية بقوة وسطوة التقدم التقني والعلمي، العولمة استغلت هذا التقدم التقني لتدمير الاعماق الدفينة في الانسان فاغتالت كل المضامين الحية فيه، كما استطاعت تخريب نظامنا التربوي ومنظومتنا الثقافية والفكرية وقيمنا الانسانية والحضارية دون ان نقدر على مواجهة زحفها وتحدياتها مما ادى الى اهتزاز وسقوط كل النماذج التربوية التقليدية بصورة مروعة بل وحتى الأنساق الثقافية والتربوية الانسانية الحديثة تصدعت وتداعت تحت تأثير الصدمات الثقافية والمجتمعية للعولمة، صدمات تمثلت قوتها القاتلة في افراغ الهوية الوطنية والجماعية من كل مضمون ومحتوى لجعل هذا الجيل غير قادر على مواجهة التحدي وغير قادر على امتلاك مصيره. لذا فالخطر الحقيقي الذي يهدد نسقنا التربوي اننا مازلنا متشبثين بأساليب تربوية متهالكة ومتجاوزة سمحت للعولمة ان تجهز على الطفل ثقافة ومصيرا واستطاعت بوسائطها التكنولوجية الحديثة على اختزال الاطفال الى مجرد كيان ساذج تحركهم نوازع المتعة "الافتراضية" والاستهلاك "الافتراضي" والشهوة والرغبة والميولات الغريزية البدائية عوض ان تنمي فيهم العقل الحداثي الشامل والمستقبلي. هذه العولمة الغازية–النازية تدمر في الانسان وفي الطفل اساسا كل ما هو ثقافي اصيل، وتهمش و تقضي على كل ما هو اجتماعي وانساني حتى تزيد من التفكك الاجتماعي واغتراب الانسان عن ثقافته وحضارته ومحو خصوصيته في افق فصل الاجيال الحديثة عن تاريخها وحضارتها وقيمها في افق هيمنة ثقافة عالمية واحدة، انها (ثقافة السوق الجديدة) معتمدة في غزوها لعالم الطفولة على اغراءات وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاعلام والتواصل الحديث من الهاتف الخلوي الى الكومبيوتر الى البرامج والتطبيقات الالكترونية الى انترنيت,,, التي يرتبط بها الطفل ارتباطا خرافيا لأنها تحلق به في الفضاء الكوني الافتراضي عبر تأثيرات الصوت والصورة وفي دائرة هذا الارتباط يتغذى الطفل ويتكون ثقافيا على نحو فضائي -الكتروني فيتشكل وعيه ومضمونه الثقافي عبر عملية السيطرة على وعيه الشعوري واللاشعوري بطريقة ذكية يتم فيها استيلابه وتوظيفه في خدمة التسليع الاقتصادي. (الكاتب اعلاه) ان ثقافة الصورة والصوت والضوء والحركة هي البضاعة التي تسوقها الامبراطوريات الاعلامية بملايين الاطنان عبر كل وسائل الاعلام والتواصل الرقمي مما حول الفرد الى مجرد مستهلك لهذه المواد المسوقة عبر "الات شيطانية" ولمسات "سحرية" فاستطاعت ان تحدث تغييرا استثنائيا في سلوكيات الفرد وتسببت في تعطيل قواه العقلية وحسه النقدي حتى تخلق لنا فردا او طفلا ليس الا مجرد طاقة استهلاكية عبثية مزيفة الانفعالات والمشاعر والاحاسيس بهويات جديدة مقطوعة الصلة بواقعها وتاريخها ومرجعياتها الثقافية الوطنية . عملت الفضائيات وكل الاعلام الالكتروني على اجتثاث الهوية الثقافية والبصمة المجتمعية والحضارية للإنسان وكان تركيزها اساسا على مرحلة الطفولة لأنها تسعى الى تفريغ مضامين الثقافة الانسانية الاصيلة من ذاكرة اطفالنا حتى يتم الترويج للثقافة الغربية والاميركية المبتذلة من قبيل: ميكي ماوس– ميكي روني- النينجا- حرب الفضاء – هاري بوتر- بوكيمون- سبا يدرمان- ديزني لاند – كونغ فو باندا- ايس ادج- ليلو وستيتش- وهي كلها بضائع ثقافية عولمية تحمل رسالة مرموزة ومفتوحة عبارة عن قيم ورموز العولمة وتسعى لقولبة اذواق ومشاعر وفكر وسلوك الافراد وفق اهداف العولمة الاقتصادية والثقافية…وكل هذه الوسائل الجبارة والبراقة والجذابة تمارس تأثيرها التربوي على شخصية الطفل من تكييف مشاعره واذواقه وفق النموذج المعولم و تكريسا لاستهلاك البضائع والقيم والمعارف الاشهارية. ان المضامين التربوية الجديدة التي فرضتها علينا العولمة وادمجتها السلطة التربوية في المنهاج التربوي والدراسي لإكساب المتعلمين القيم والاتجاهات والسلوكيات الايجابية تجاه العولمة نذكر منها التربية السكانية والتربية البيئية والتربية من اجل الديموقراطية وحقوق الانسان والتربية من اجل السلام العالمي (التسامح – الاعتراف بالآخر-…) وبناء عليه نستنتج ان عملية اختراق العولمة للتعليم كحقل تربوي هي ظاهرة اكيدة نتيجة فعل مزدوج: فمن جهة هناك تصاعد هيمنة العولمة على الحقل التربوي (تشكيل الأذواق والاتجاهات والقيم والسلوكات ) ومن جهة اخرى هناك استعمال وسائل تقنية جبارة لإثارة الادراك وتنميط الذوق والفكر. و لمواجهة هذه التحديات: يتعين على كل الفاعلين السياسيين والتربويين والادباء والمفكرين والمدرسين ومهندسي البرامج والمناهج ان يوجهوا طاقة احيائية تنويرية في المجتمع والسعي الى حماية الاطفال من كل اشكال الاغتراب والاستيلاب وتحصينهم ضد مختلف اشكال تحديات العولمة التي تداهمهم بقوة وعنف في بيوتهم ومدارسهم واحيائهم وخلواتهم… على علماء التربية والمتخصصين في صياغة المناهج التعليمية وكل المرتبطين بالمنظومة التربوية مؤسسات وجمعيات ومنظمات ونقابات وهيئات علمية وتعليمية ضرورة صياغة واعداد مناهج تربوية اعتمادا على حاجيات العصر وحاجات التلاميذ ورغباتهم تراعي خصائص نموهم الجسمي والعاطفي والعقلي وتتفق مع ميولهم واتجاهاتهم، وليس لأجل ارضاء الميزانيات التقشفية المرصودة للقطاع في القوانين المالية السنوية(باعتبار التعليم والتربية قطاعا استهلاكيا للموارد المالية حسب الجاهلين لاستراتيجية هذا القطاع في التنمية البشرية) اننا في حاجة الى مناهج تربوية تبنى على سياسة تعزيز الوحدة والهوية الوطنية والقيم الروحية والانسانية، اننا في حاجة الى مناهج تراعي الفروق الفردية تنطلق من حاجيات المتعلم وقدراته وتنظر اليه باعتباره عقلا وجسدا وروحا بحاجة الى الرعاية والتطوير. هذا الطموح التربوي والانساني يمكن ان ينطلق من اعتبارين اساسيين : اولا : اعتبارات ذاتية في الطفولة عينها حيث يتعين التأكيد على ان الطفولة يجب ان تكون غاية بذاتها بل يجب ان تكون غاية الغايات ونهاية كل طموح انساني في مجال التربية والتعليم وهذا التوجه ينبع من اعتبارات ثقافية وحضارية وانسانية تتجاوز حدود كل تصنيف. ثانيا: اعتبارات حضارية وانسانية لان الطفولة تشكل نقطة انطلاق كل محاولة للتنمية الحضارية والانسانية وتشكل العمق الاستراتيجي في المجتمع والطبقة الاعمق في التكوين الانساني ولذلك فان اي محاولة للنهضة بالمجتمع لا تأخذ هذا التوجه بعين الاعتبار ستمنى بالإخفاق والفشل كما ان اي اصلاح مجتمعي لابد له ان يقوم على تربية علمية حديثة في مستوى الطفولة والتي تشكل الشرط اللازم في كل اصلاح تربوي ممكن ومحتمل. الاصلاح التربوي يشكل العمق الاستراتيجي للإصلاح الاجتماعي برمته بل ان الرهان الحضاري لوجودنا وحياتنا المجتمعية يتمثل في مدى قدرتنا على ايجاد تحولات عميقة وبنيوية في اساليب تربية الاطفال والعناية بهم وتنشئتهم وفقا لأحدث معطيات المعرفة العلمية والنفسية. في اعتقادنا ان الحل الجذري والحقيقي لمشاكل الطفل لدينا وبالتالي مشكلات المستقبل لوطننا يعني في جوهره الرغبة في الحفاظ على الذات. فاذا كان وطننا يرغب حقا في ان لا يخطا بوصلة التقدم والحداثة فان عليه مواجهة مشكلة الطفولة بصراحة ووضوح وحزم وعزم ودون هذه المواجهة لن يكون هناك حل جذري يمنع افول وجودنا وحضارتنا. والطفل المغربي كغيره من الاطفال يقطع خلال نموه وتطوره عدة مراحل يتأثر خلالها بمحيطه الاجتماعي بكل ما يضمه من عوامل ثقافية ودينية وتكون جل هذه المؤثرات ذات تأثير اساسي على نموه الفكري والعقلي والنفسي وعلى شخصيته ووجوده. لقد لاحظت احدى الباحثات المهتمات بمجال الطفولة ان الوسط الاسروي له دور لا يستهان به، ففي الاسر التي تعرف حوارا مستمرا بين افرادها وتشهد تبادلا للقصص والحكايات وتداولها فالاطفال في هذه الاسر يقبلون على القراءة برغبة اكبر لذا على الاباء ان يملؤوا البيت استجابة لهذا النزوع او خلقا له بالكتب والمؤلفات كي لا يسطو نجوم السنيما الكارتونية والمسلسلات ومنشطي الحفلات والبرامج الترفيهية على فضاء البيت كما ان المكتبة المنزلية ضرورة ملحة لا مناص منها حتى لا يستبد التلفاز والانترنيت بالمكان. من هذا المنطلق يمكن طرح السؤال حول كيفية التعامل مع ثقافة العولمة التي تحاصر اطفالنا من كل جهة وتغزو حميميتنا بإغرائها الذي لا يقاوم واحيانا بعنفها الرمزي فهل نقاومها بأسلوب الامتناع والانزواء وراء خصوصية ثقافية اصيلة؟ ام نتعامل معها بطريقة انتقائية تقوم على رفض طابعها الايديولوجي والتعامل الوظيفي الايجابي مع لغتها وادواتها ومجموع التقنيات والتكنولوجيات المرتبطة بها؟ وفي هذا السياق نذكر ونعيد التذكير ان التربية العلمية الحديثة في مستوى الطفولة تشكل الشرط اللازم في كل اصلاح تربوي ممكن ومحتمل.. تربية نستطيع بواسطتها بناء جيل جديد يفكر علميا وعالميا ويتصرف محليا.