بين صخور إيموران الشهيرة، في ضواحي عاصمة سوس "الحالمة"، جلست رحمة، سيدة في عقدها السادس، على إحدى الصخور، وضعت أمامها إناء صغيرا به ماء وكومة من بلح البحر "بوزروك"، تقوم بتنقيته وغسله. على مقربة منها جلست سيدة في العقد السابع، منحنية الرأس، تشق الصدفات بصبر، قبل أن تحاول التحرك من مجلسها، وابتسمت لعدم قدرتها على ذلك قائلة: "رجلي ماتو عْلي وركبتي جمداتْ". مبتسمةً، رفعت رحمة رأسها ونظرت بإشفاق إلى جارتها، التي اتجهت لجلب بعض الخشب لإيقاد النار من أجل سلق مجموع ما جلبته من "بوزروك". حكت رحمة قصتها مع "بوزروك" وسبب تواجدها يوميا بهذا المكان، حيث وجدت مصدرا لجلب "طرف دْ الخبز" لطرد الجوع ومحاربة الفقر: "زوجي مريض يعاني من القصور الكلوي، ولدي ابن وحيد، لا معيل لنا، فخرجت لتدبر القوت"، هكذا تحدثت رحمة ويدها لم تتوقف عن استخراج "بوزروك" من مخبئه داخل الصدفات. اضطرتها الظروف إلى القدوم يوميا إلى صخرة "إيموران" عند السادسة من صباح كل يوم مشيا على الأقدام من أورير إلى الصخرة. تنتظر تراجع المد حتى يمكنها الوصول إلى الصخور التي تلتصق بها الصدفات. أحيانا، تضطر إلى تحدي الأمواج والنزول بمحاذاة الصخر لجلب "بوزروك". تواجه مخاطر من حين إلى آخر بسبب طبيعة المنطقة الصخرية، لكن تدبر ضرورة جلب لقمة العيش هي الدافع، فبينما تدخل فتيات في مقتبل العمر للسباحة وتعريض أجسادهن ل"سبع موجات" من أجل أن يُرزقن برفيق العمر، تتزاحم معهن المسنة، لا تبحث بين تلك الصخور والموجات سوى ن الصدفيات العالقة "اللي كلا حقو يغمض عينو"، تقول باسمة وهي تتحدث عن تواجدها الدائم بين شابات في مقتبل العمر ينبضن بالحياة. بعد خروج رحمة من بين الصخور، تقوم بتغيير ثيابها، وتنتقل إلى المرحلة الثانية من عملها، حيث تقوم -رفقة زميلتين لها تجاوزتا عتبة السبعين سنة- بجمع الحطب لإشعال النار في "كانون"، لسلق الصدفات في برميل، فتأخذ رحمة مكانا منزويا تحت صخرة، وتشرع في عملية تنقية "بوزروك" بسكين، تُخرج لحمه الأبيض والبرتقالي ثم تقوم بتنظيفه. تبيع رحمة غلتها ب40 درهما للكيلوغرام الواحد لزوار الصخرة، الذين يحجون إلى المكان، بينهم زوار من أكادير وباقي المدن المغربية، ومنهم وسياح أجانب بنسبة كبيرة. تصل الزيارات إلى الذروة يومي السبت والأحد، خاصة الأجانب الذين يأتون إلى المكان قصد ممارسة رياضتهم المفضلة "الجيتسكي". ليست رحمة الوحيدة التي تمتهن هذه "الحرفة"، بل هناك نساء اختلفت أعمارهن بين الثلاثين والثمانين، بعضهن لا يتكلمن العربية، لكن ابتساماتهن كافية للتواصل معهن، خرجن لجمع "بوزروك"، يبعنه بثمن زهيد ليعاد بيعه على موائد المطاعم بأثمنة مرتفعة. صخرة "إيموران"، المنتصبة في عمق البحر بحوالي 50 مترا، والتي تبعد عن أكادير بحوالي 18 كيلومترا، مصدر عيش للكثيرين، في محيطها من يشوون الذرة "لكبالْ"، مثل السي لحسن، الذي اتخذ مكانه على صخرة ووضع عدته يشوي للراغبين "لكبال"، هو رزق يومه، قبل أن يصل خريفه، يعود في آخر اليوم بدريهمات تكفي بالكاد حاجيات أسرته. "إيموران" صخرة تقصدها الفتيات الباحثات عن فارس الأحلام بعد التعرض ل"سبع موجات". تحت الصخرة، هناك الباحثات تحت "الجرف" عن "بوزروك"، وهناك الباحثات عن الرجال، خصوصا خلال الموسم السنوي، الذي يمثل مناسبة للتسوق والرواج والزواج.. "كُلها واشنو نْوى" في هذا الموسم الذي تحتفي به ساكنة المنطقة منذ خمسة قرون، يقصده الزوار للتمتع بالشمس وجمال الصخر والبحر والرمال والسباحة... صخرة "إيمورّان" كانت في الأصل قلعة استغلها المستعمر البرتغالي لقصف الساكنة بمدافع لا زال أحدها جاثما أسفل الصخرة. وتتعدد التأويلات والقصص حول أصلها، منها أن ساكنة المنطقة كانت تجند شخصا لمقاتلة أحد القادة البرتغاليين، وفي كل مرة كان المجند يخر صريعا في "أكادير أوفلا"، إلى أن أحضروا شخصا مسنا من تارودانت اصطحب معه حصانا وقصبة واستطاع التغلب على القائد وجزّ رأسه.