أخيرا، يكشف علي بنفليس، المرشح السابق لرئاسيات الجزائر (17 أبريل 2014)، عن فضائح التزوير التي شابت هذه الانتخابات لفائدة المرشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. هذه الفضائح جاءت في "الكتاب الأبيض حول التزوير" الذي كان بنفليس قد وعد بالكشف عنه مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التي مدّدت حكم بوتفليقة لولاية رابعة ما زالت تثير الكثير من الجدل في البلاد. الكتاب يضم وثائق تدل على لجوء الإدارة للتزوير لفائدة الرئيس المريض المرشح، إلى جانب ملحقات لنسخ محاضر ومراسلات، وقرارات تم تقديمها كعناصر إثبات لعملية التزوير، من قبيل مراسلة حول لائحة مجموعة من الأشخاص غير موجودين باللوائح الانتخابية بولاية سيدي بلعباس، وأخرى لأشخاص "صوّتوا" مكان مجموعة من النساء بدون تقديم توكيل عنهن في مكتب التصويت بجماعة الصفصاف التابعة لمستغانم، ووجود "محاضر مزورة" بدائرة خير الدين، وعين تادلس، وبوغيرات، ومحاضر موقعة على بياض بالعاصمة الجزائر، بسكرة وعنّابة وتيباسة. في نفس السياق، تم الكشف عن أوراق خاصة ب"تكليف بمهمة" ودعوات رسمية موجهة لأطباء لحثهم على المشاركة في تجمعات انتخابية يترأسها ممثّلو المرشح الرئيس بوتفليقة، وكذا قرارات اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات حول تورط رجالات النظام في التزوير، ويتعلق الأمر برؤساء دوائر مشيرية، سيد لخضر بمستغانم، وباطنة، حيث إن رئيس هذه الدائرة الأخيرة امتنع عن تسليم لائحة أعضاء مكاتب التصويت للجنة المذكورة. إلى جانب هذا، يشرح الكتاب بتفصيل مختلف مراحل التزوير التي بدأت قبل استدعاء الهيئة الناخبة. وممّا جاء في هذا الصدد أن «التزوير، بالمعنى الواسع للكلمة، لا يقتصر فقط على التجاوزات التي تم ملاحظتها يوم الاقتراع، بل يتعلق بالعملية الانتخابية برمّتها" كما جاء في مقدمة الكتاب الأبيض. وانطلاقا من هنا، فإن التزوير انطلق يوم 11 شتنبر 2012 بتعيين عبد المالك سلال وزيرا أول كما جاء في الكتاب الذي أشار إلى أن الوزير الأول قام بجولة دعائية لرئيسه المريض في 48 ولاية، وزع خلالها أموالا في انتهاك صارخ للقوانين الجاري بها العمل، وذلك لتهيئة الطريق أمام الرئيس المرشح. ولعل أكثر صور هذه التهيئة وضوحا تتمثل في إبعاد المرشحين الأوفر حظا وفي نفس الوقت تقريب الأحزاب الخدومة، واستبدال بعض رؤساء الأحزاب بآخرين أكثر ولاء للنظام. ولكي تكتمل صورة العبث في هذه الانتخابات الرئاسية، تم إخراج عملية "التبييض المؤسساتي" من خلال إجراء تعديل وزاري (11 شتنبر 2013) التي مكّنت عبد العزيز بوتفليقة من وضع رجاله وحوارييه على رأس أهم الإدارات المكلفة بتنظيم الانتخابات. وتم تعيين مدلسي رئيسا للمجلس الدستوري هذا المجلس الذي سيوافق من بعد على دستورية ترشّح رئيس عاجز ، وبلعيز وزيرا للداخلية، واللوح وزيرا للعدل، وعبد القادر مساهل وزيرا للاتصال بغرض تركيع الإعلام وجعله في خدمة الرئيس المرشح وحده. لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل شمل تغيير الولاة قبل أسابيع قليلة من الاقتراع الرئاسي، حيث تم استقدام "الولاة الطائعون" ليكونوا على رأس أهم الولايات. وفيما يتعلق بما يسمى ب"الملصقات العشوائية" لصور الرئيس في الأماكن العمومية، أشار الكتاب الأبيض إلى أنه لم تسلم منها المطارات، والمحطات الطرقية، بل تم استغلال مقرات النقابات والجمعيات والنوادي الرياضية، وتحويلها إلى مراكز "مداومة انتخابية"، هذا إلى جانب الاستغلال الفظيع لوسائل الدولة. الكتاب لم يغفل الحديث عمّا سماه "النفخ" في اللوائح الانتخابية، حيث إن الهيئة الناخبة لم يكن لها أن تتجاوز 18 مليون ناخب، الشيء الذي وفّر هامشا ب3 ملايين صوت راهن عليها النظام لصالح مرشحه الرئيس المريض، وذلك عبر خنق صناديق الاقتراع بالأوراق، والتصويت المتعدد أو التصويت غير القانوني. والنتيجة أن التزوير، بطريقته اللاّفتة والمكثفة والفظيعة، أخذ طابع عنف سياسي كبير. حمادي الغاري