من الأمور التي تسترعي الانتباه والاهتمام في مشروع القانون الجديد للجماعات المحلية، فصل، يمكن اعتباره فريدا حقّا، يتعلق بضرورة أن يكون رئيس المجلس الجماعي (حضري أو قروي) حاصلا على الشهادة الابتدائية، على أن يتوفر باقي المستشارين على مستوى الشهادة الابتدائية فقط. لقد أثار هذا الموضوع الكثير من الجدل الذي وصل حدّ اللغط واللّغو، خاصة أن الأمر لا ينحصر عند الأشخاص المعنيين، بل يتعداهم ليشمل الأحزاب التي تمنحهم تزكية الترشح للانتخابات الجماعية، بغض النظر عمّا إذا كانوا منتمين حقيقة لهذا الحزب أو ذاك أو مجردّ عابري سبيل الذين يبيتون على شيء ويصبحون على شيء آخر. وفي الحقيقة، هناك أحزاب تتهافت على هذا النوع من المرشح / المنتخب، خاصة إذا كان من أعيان المنطقة؛ ولا تعير اهتماما لمستواه التعليمي بقدر ما تهتم بما يمكن أن يحرزه من أصوات. والعجب العجاب أن مختلف الأحزاب، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، تلتقي عند هذه النقطة وتعضّ عليها بالنواجذ. لذلك، لم تر الأحزاب المعنية أيّ حرج في منح تزكيتها لهذا الصنف من المرشحين، بل إن أحزابا لم تتردد في تزكية مرشحين أمّيّين على حساب آخرين يتوفرون على مستوى تعليمي محترم، على اعتبار أن أولئك المرشحين (الأمّيين) لهم تأثير ونفوذ في منطقتهم، فضلا عن كونهم "أصحاب شكّارة". إن من شأن هذا الفصل، الذي اعتمدته وزارة الداخلية، في مشروع القانون الجديد للجماعات المحلية، أن يساهم بشكل كبير وخطير في اتّساع الخرق على الراقع. بمعنى أن الرجوع إلى إلغاء شرط الشهادة الابتدائية لرئاسة مجلس جماعي يعتبر ردّة، بل يلتقي في أبعاده ومراميه مع التيار الذي يدعو إلى تشجيع اللهجة العامية، وإفساح المجال للغة الدّارجة في المشهد الثقافي والإعلامي والسياسي والتعليمي... وهو ما بدأ يأخذ طريقه "حسّي مسّي" في لوحات ووصلات الإشهار المكتوب والمسموع والمرئي، وفي بعض الندوات واللقاءات التي تسود فيها الدارجة والفرنسية على حساب العربية والأمازيغية، بل إن خطاب مجمل الأحزاب، وأقصد هنا كلمات رؤسائها، أصبح يعتمد اللغة الدارجة أساسا في تواصلها مع الجمهور. وعلى الأحزاب أن تتحمّل مسؤولياتها من خلال القطع مع ثقافة "أصحاب الشكّارة"، والسلوكات والمعاملات التي يغلب عليها طابع المجاملة والمحاباة والمداهنة من خلال تفضيل مرشح أمّي أو شبه أمّي، والإقدام على اختيار المرشح المناسب، وإلاّ فهي تساهم مساهمة فعّالة، سواء عن وعي أو بدون وعي، في ربط مصير البلاد بعجلة التخلّف المثقوبة وليس في تنميتها وازدهارها. من ناحية أخرى، المشروع الحالي يضرب، في العمق، مسألة الرأسمال اللاّمادّي الذي يمكن أن يساهم في عملية التنمية من خلال التراجع عن شرط المستوى التعليمي للمرشح الجماعي، في حدوده الدنيا، وهو تراجع يعني فيما يعنيه التبنّي الصريح للأمّية، وفرضها فرضا في مجال العمل الجماعي. أكثر من هذا، المشروع يسير عكس التيار، ويدل على أن المغرب يسير بسرعتين: سرعة جيدة في مجال التنمية والاستثمار والخدمات والاقتصاد بصفة عامة، وسرعة تشبه سرعة السلحفاة فيما تبقّى من المجالات. وهو ما أثاره ملك البلاد ورفضه صراحة في خطابه الأخير. لا معنى للمشروع الجديد /القديم سوى أنه دعوة صارخة للمشي على رجل واحدة أو المشي بدون رجلين، اعتمادا على عكّاز مهترئ. وليس بهذه الطريقة نريد أن تسير بلادنا.