حين كان يقول الملاحظون والمراقبون والمهتمون بالشأن الجزائري، سواء كانوا مواطنين أو أجانب، بأن ليس بين الجزائر والديمقراطية" إلاّ الخير والإحسان "، فلم يكونوا ينطقون عن هوى. واليوم يتأكد عدم وجود حتى هذا "الخير والإحسان"،خاصة بعد أن حصل لديهم اقتناع بأنه لا يرجى أيّ خير من نظام على شاكلة النظام الجزائري الذي يتلاعب بمصالح وأموال وخيرات شعبه كما يتلاعب بإرادته في تقرير مصيره واختياره وتطلعاته وانتظاراته . والدليل ترشّح الرئيس الحالي للانتخابات الرئاسية، المعروفة نتيجتها سلفا، رغم الداء والعجز والوهن ، و رغم المعارضة القوية من مختلف فئات وأطياف ومكوّنات المجتمع الجزائري . رفض اللجنة الأوربية بعث مراقبين لها لرصد الانتخابات الجزائرية ، يصبّ في هذا الاتجاه . وهو رفض حملته رسالة اللجنة التي تقول أنها لا تقبل بالعبث الذي تتعامل به الجزائر في قضية حيوية وهامة. الرسالة الأوربية حملت في الحقيقة درسا للمسؤولين الجزائريين تؤكد فيه أن حضور ملاحظين أوربيين لمتابعة الانتخابات هي "مهمة يتم التهييء لها على الأقل قبل ستة شهور " وليس في آخر ساعة .ذلك أن الجزائر لم تخطر مؤسسات الاتحاد الأوربي المعنية إلاّ في نهاية شهر يناير الماضي ، أي قبل انطلاق الحملة الانتخابية ببضعة أشهر وقبل يوم الاقتراع (17 أبريل القادم) بثلاثة أشهر. قد يقول قائل أن المسؤولين الجزائريين ليسوا على علم بالإجراءات والمتطلبات الدقيقة المتعلقة بإرسال بعثة ملاحظين أوربيين .وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا ظلوا يعملون طيلة الشهور الأخيرة ، والسنة الماضية، على الإعداد المادي واللوجيستيكي للانتخابات الرئاسية ، وتحديد وتهييء كل الإمكانيات والوسائل المرتبطة بها ؟ غير هذا نعلم أن اتصالات ومراسلات كانت جارية بين الجزائريين والأوربيين بخصوص مراقبة الانتخابات ، فما الداعي لهذا التلكّؤ وهذا العبث ؟ إزاء هذا التلكّؤ والعبث جاء الموقف الأوربي صريحا واضحا ، يتمثّل في رفض إضفاء الشرعية على "انتخابات مغلقة"،ومن ورائها على نظام متهالك ، أي انتخابات يريدها النظام أن تتم بعيدا عن أية مراقبة أو متابعة حتى يتم التمديد للرئيس المرشح "بدون صداع الراس". الغريب أن الجزائر تتحدث عن الشفافية والنزاهة والمرشح (الرئيس) الفائز بها معروف من طرف الجزائريين أنفسهم قبل غيرهم من الأوربيين والأمريكيين على الخصوص. بالنسبة للأمريكيين، من المعلوم أن وزبر خارجيتها ، جون كيري، سيحل بالجزائر في عزّ انتخاباتها . هي زيارة لا يرتاح إليها المسؤولون الجزائريون بالنظر إلى الظروف التي تتم فيها . هناك من اعتبرها نوعا من التدخل الأمريكي في شؤون البلاد؛ وهناك من رأى فيها تأييدا لطرف دون آخر؛ وهناك من يقول أن الأمريكيين اختاروا الوقت المناسب ليطلعوا مباشرة ، عبر كيري، عن الحالة الصحية الحقيقية للرئيس المرشح بوتفليقة وبالتالي تحديد موقفها وسياستها المستقبلية مع هذا البلد . في الحقيقة،يعود الخلاف الجزائري الأوربي إلى الانتخابات التشريعية الماضية التي فازت بها الأحزاب المقرّبة والمحيطة بالرئيس خاصة بعد طلب الأوربيين إمدادهم بلوائح الهيئة الناخبة في أقراص مضغوطة . وهو ما رفضته الجزائر جملة وتفصيلا بدعوى أن هذا تدخلا في شؤونها الداخلية ويمس بالسيادة الوطنية. هي انتخابات رافقها الرفض منذ اليوم الأول، وخرجت مائلة مقوّسة الظهر، تعاني من العجز والوهن، وتحمل جميع مظاهر وملامح العمر الرذيل. حمادي الغاري