عاشت الجزائر أمس الخميس على إيقاعات الانتخابات التشريعية وسط مخاوف من تكرار سيناريو استحقاقات 1989، التي أسفرت عن فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكان الشرارة الأولى للحرب الأهلية الجزائرية، التي أودت بحياة 200 ألف شخص. التوقعات تمنح الصدارة للأحزاب الإسلامية، خصوصا تحالف «الجزائر الخضراء». تحبس الجزائر، اليوم الجمعة، أنفاسها في انتظار إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي عرفتها البلاد أمس الخميس. وفيما تراهن الدولة على تسجيل نسبة مشاركة هامة لتأكيد نجاح العملية الانتخابية ومصداقيتها، يتطلع إسلاميو الجزائر إلى تحقيق تقدم في هذه الانتخابات على غرار النتائج الإيجابية التي حققتها التيارات الإسلامية في الدول العربية، التي أجريت فيها انتخابات في غمرة موجة الربيع الذي يجتاح العالم العربي منذ مستهل السنة الماضية. الإسلاميون قادمون يتوقع متتبعو الشأن السياسي الجزائري أن تكون الأحزاب السياسية ذات الصبغة الإسلامية أكبر المستفيدين من هذه الانتخابات التشريعية. وينتظر أن تصبح هذه التنظيمات السياسية للمرة الأولى في تاريخ الجزائر القوة الأولى في الغرفة الأولى من البرلمان الجزائري، التي تسمى «المجلس الشعبي الوطني»، البالغ عدد أعضائها 462 نائبا. ورغم أن إسلاميي الجزائر يملكون حظوظا وافرة لتحقيق نتائج مماثلة لما حققه إخوانهم في كل من مصر وتونس والمغرب، فإن المحللين السياسيين يؤكدون على أن الفوز المنتظر من قبل الإسلاميين قد لا يؤدي إلى حدوث تغيير جذري في البلاد، لأن كثيرا من الزعماء الإسلاميين المشاركِة أحزابهم في هذه الاستحقاقات وزراء في الحكومة الموشكة ولايتها على الانتهاء. حركة مجتمع السلم، المعروفة اختصارا باسم «حمس» تشارك في الحكومة الحالية بأربعة وزراء، رغم مغادرتها التحالف الرئاسي المكون من جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي الوطني قبل 5 أشهر. وثمة أيضا عراقيل يمكن أن تقف في طريق استمرار الزحف الإسلامي على الانتخابات العربية في زمن الربيع العربي. وتتمثل هذه العراقيل بالأساس في كثرة التنظيمات السياسية التي تخوض غمار هذه الاستحقاقات. إذ يصل عدد هذه الأحزاب إلى 44، من بينها 21 حزبا تعتبر هذه الاستحقاقات أول تجربة انتخابية لها، في حين يبلغ عدد الأحزاب الإسلامية المشاركة فيها 7 تنظيمات سياسية، ثلاثة منها قررت خوضها في إطار تحالف اختير له اسم «الجزائر الخضراء». وتعتبر حركة «حمس» القطب الرئيس في هذا التحالف. وتوقع أبو جرة سلطاني، رئيس حركة «حمس»، أن يظفر الإسلاميون بهذه الاستحقاقات ب«الضربة القاضية»، وأن تؤول الرتبة الثانية لحزب تقليدي، في إشارة واضحة إلى جبهة التحرير الوطنية الحاكمة. وأبدى القيادي الإسلامي نفسه ثقة كبيرة في الفوز بهذه الاستحقاقات، وبادر إلى الحديث عن مرحلة ما بعد إعلان نتائجها النهائية، حيث نقل عنه قوله: «نحن نتجهز للحكومة ونتباحث في تفاصيلها ومع من سنتحالف في المرحلة المقبلة». وانضم إلى أبو جرة أيضا قيادي آخر من تحالف «الجزائر الخضراء». فاتح ربيعي، الأمين العام لحركة النهضة، أظهر بدوره يقينا بخصوص قدرة تحالفه على تصدر هذه الانتخابات، لكن يرهن ذلك بنزاهة وشفافية العملية الانتخابية. وقال في هذا السياق: «نحن بصدد بحث تشكيل الحكومة المقبلة، لأن كل المعطيات والمؤشرات على الأرض تؤكد أن التكتل سيحتل الرتبة الأولى في حالة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة». وكان استطلاع رأي أنجزته جريدة «الشروق» الجزائرية توقع أن تحصل الأحزاب الإسلامية على نسبة 60 في المائة من أصوات الناخبين، البالغ عددهم 21 مليونا، وتنبأ بأن تتراجع جبهة التحرير الوطني لتصبح القوة السياسية الثالثة في المؤسسة التشريعية. وفي ظل التهليل بفوز إسلامي وشيك، يستعيد الجزائريون أيضا سيناريو انتخابات 1989، التي فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، وكانت البداية الحقيقية للحرب الأهلية التي أودت بحياة 200 ألف شخص وأدخلت البلاد في دواب اللااستقرار. ويبدو أن الحكومة الجزائرية استبقت هذه المخاوف بإقدامها على طرح تنفيذ انتقال متحكم فيه نحو الديمقراطية بعيد عن سيناريو ميدان التحرير المصري. كابوس نسبة المشاركة وتؤرق نسبة المشاركة المتوقعة في هذه الاستحقاقات أعلى سلطة في الجزائر. ولعل هذا ما يفسر إقدام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على توجيه نداء مفتوح إلى الناخبين الجزائريين للتوجه إلى مراكز الاقتراع من أجل الإدلاء بأصواتهم. ويتوقع أن تعرف هذه الاستحقاقات إقبالا ضعيفا بعد اللامبالاة النسبية التي لقيتها المهرجانات الخطابية التي نظمت في إطار الحملة الممهدة لهذه الاستحقاقات. استطلاعات الرأي بينت أيضا أن نسبة لا يستهان بها من الجزائريين تقلل من جدوى العملية الانتخابية في إقرار التغيير المنشود. وتشير التقارير القادمة من الجزائر إلى وجود احتمالات بأن تصل نسبة العزوف عن صناديق الاقتراع إلى 80 في المائة. رقم سيكون قياسيا في حالة تحققه، وستكون له انعكاسات سلبية للغاية على النتائج النهائية لهذه الاستحقاقات. وكانت الجزائر عرفت قبل 5 سنوات أكبر نسبة عزوف عن المشاركة في الانتخابات في تاريخها، حيث وصلت إلى 64 في المائة. وفي هذا السياق، توقعت فعاليات حقوقية أن يكون كثير من الناخبين الجزائريين قد لزموا بيوتهم وعزفوا عن الإدلاء بأصواتهم. إذ قال نور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريحات صحافية: «لا أتوقع إقبالا كبيرا. الجزائريون العاديون غير مهتمين بهذه الانتخابات». وفي حالة تحقق هذه التوقعات، ستجد الحكومة الجزائرية نفسها في وضع حرج. فبالإضافة إلى مبادرتها بتنظيم هذه الاستحقاقات دون مباشرة إصلاح سياسي عميق، كانت تشن في الأسابيع الماضية حملات اعتقال في صفوف مناهضي العملية الانتخابية، وفي مقدمتهم شباب حركة الشباب المستقل من أجل التغيير، التي تعتبر الصيغة الجزائرية للربيع العربي، الذين وصفوا هذه الاستحقاقات ب«حفلة تنكرية انتخابية». وكانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ دعت، في بيان صدر عنها أول أمس الأربعاء، السلطات الجزائرية إلى إلغاء هذه الاستحقاقات وتعويضها بمرحلة انتقالية تنطلق بتأسيس مجلس تأسيسي تمثيلي يضم في عضويته جميع القوى السياسية الشرعية، بالموازاة مع تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى تنظيم انتخابات تعددية وحرة وشفافة ونزيهة. من جهتهما، انتقد كل من عباس مدني، رئيس الجبهة، بالإضافة إلى قياديها، علي بلحاج، ما وصفاه ب«مضى النظام في غيه وتجاهله تطلعات الشعب الجزائري ومطالبه وإصراره، عبثا، على حرمان الشعب الجزائري من رياح التغيير من خلال تنظيم هذه الانتخابات غير الشرعية بأي ثمن». ميز بين المراقبين وفد فتحت الجزائر، لأول مرة، أبوابها لمراقبين من خارج إفريقيا والعالم العربي لمراقبة الانتخابات الحالية. ويراهن الفاعلون السياسيون المشاركون في هذه الاستحقاقات على هؤلاء المراقبين للعب دور فاعل في حظوظ الجزائريين في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وتعتبر هذه الانتخابات التشريعية الأولى من نوعها، التي يشارك في مراقبتها مراقبون من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدةالأمريكية. ووصل إلى الجزائر قبل أيام وفد من المراقبين الأوربيين يتكون من 120 مراقبا، إلى جانب وفد من الجامعة العربية يتكون من 130 مراقبا، ووفد آخر من الاتحاد الإفريقي يتشكل من 200 مراقب، ووفدين من منظمتين أمريكيتين غير حكوميتين، للعمل على مراقبة سير هذه الانتخابات وأجواء تنظيمها. وكان وفدان من كل من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي أشرفا على مراقبة آخر انتخابات تشريعية أجريت بالبلاد في سنة 2007. وقد تولت السلطات الجزائرية بنفسها تنفيذ عملية انتشار المراقبين الدوليين على مجموع مكاتب التصويت الموزعة على 48 ولاية. وهكذا، سهر أمس نحو 500 مراقب على تتبع سير هذه الاستحقاقات، التي تقدر كتلتها الناخبة ب21 مليون ناخب، ويتنافس فيها 25 ألفا و800 مرشح من 44 حزبا ومستقلون على ولوج المجلس الشعبي الوطني، الغرفة الأولى في البرلمان الجزائري. ويبلغ المقاعد المتبارى عليها 462 مقعدا. وقبيل ساعات من افتتاح مكاتب التصويت، برز إلى السطح خلاف مسطري بين المراقبين الدوليين والسلطات الجزائرية. ونجم الخلاف عن رفض الحكومة الجزائرية السماح للمراقبين الدوليين بالاعتماد على اللوائح الانتخابية لتحديد هوية الناخبين وحصرها الوثائق التي يمكن للمراقبين الاطلاع عليها في اللوائح الولائية، وهو ما لم يستسغه كثير من المراقبين. وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها أنها لن تسلم المراقبين الأوربيين المشاركين في عمليات المراقبة لوائح الناخبين بدعوى أنها «تحتوي على معطيات سرية يمنع القانون الجزائري تبليغها، كما هو الحال في كثير من دول العالم». وكان وفد المراقبين الأوربيين كشف قبل أقل من 24 ساعة من موعد انطلاق الاقتراع عن بعض «التحفظات» بخصوص طريقة تحضير السلطات الجزائرية لهذه الانتخابات. في المقابل، رخصت الحكومة الجزائرية للمراقبين الدوليين، بمن فيهم الأوربيون، بحضور أشغال اللجان الانتخابية من أجل تأكيد النتائج النهائية المتوصل إليها على صعيد مجموع ولايات البلاد. وفرضت السلطات على المراقبين الدوليين جميعهم الالتزام بالقوانين الجاري بها العمل في الجزائر أثناء مزاولة عملهم قبل افتتاح مكاتب التصويت وأثناء الاقتراع وبعد إعلان النتائج. غير أن مسؤولا حكوميا خص بعثة المراقبين الأوربيين بطلب «ممارسة المهام بموضوعية وحياد، وأن تتحلى بالكتمان بعيدا عن أي جدل أو مزايدة قد يضران بمصداقيتها تماما كما هو الحال بالنسبة لبعثات المراقبة الأخرى، وفقا لما جاء في مذكرات التفاهم التي تم إبرامها مع كل بعثة»، وهو ما يعني أن الحكومة الجزائرية لا تعامل جميع المراقبين على قدم المساواة، وأن المتاح لوفد لا يكون بالضرورة في متناول وفد آخر. ما بعد الانتخابات يتوقف كل شيء على نسبة المشاركة، التي يفترض أن تكون أعلنت مساء أمس الخميس وكذلك النتائج التي ستسفر عنها هذه الاستحقاقات. الحزب الذي سيتصدر الانتخابات يملك حظوظا لتشكيل تحالف في الغرفة الأولى من البرلمان يوفر به أغلبية تضمن له تشكيل حكومة جديدة. وقد حرص الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفلقية، في خطاب ألقاه من مدينة سطيف، بحر الأسبوع الجاري، على تأكيد نيته مباشرة الإصلاحات بصرف النظر عن النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع. ورغم أن أبو جرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم، وفاتح ربيعي، الأمين العام لحركة النهضة، أبديا ثقتهما الكبيرة في تصدر تحالف «الجزائر الخضراء» النتائج النهائية لهذه الاستحقاقات، إلى درجة أنهما أعلنا صراحة عن مباشرة التحالف مناقشات ومباحثات حول آلية تشكيل الحكومة والأحزاب المحتمل التحالف معها في المرحلة المقبلة، فإن ثمة توقعات بأن يصبح القيادي الإسلامي عمار غول، الذي شغل منصب وزير الأشغال العمومية في الحكومة المنتهية ولايتها، رئيس الوزراء المقبل خلفا لأحمد أويحي. وينتظر أن تعمد أعلى سلطة في الجزائر، بعد عملية تعيين رئيس جديد للوزراء وتنصيب حكومة جديدة، إلى الانتقال إلى مرحلة ثانية تتسم أساسا بإقرار مراجعة دستورية لم تتضح معالمها الرئيسية ولا حتى حدودها، رغم أن المتفائلين من متتبعي الشأن السياسي الجزائري لا يستبعدون أن تسفر المراجعة الدستورية المنتظرة عن نقل بعض سلطات الرئيس إلى المؤسسة التشريعية أو الجهاز التنفيذي. وبعد سنتين، ستعرف البلاد أيضا انتخابات رئاسية لن يشارك فيها الرئيس الحالي، وفق ما أعلنه بحر هذا الأسبوع. بوتفليقة أكد عدم رغبته في غوض غمار هذه الاستحقاقات المزمع تنظيمها في سنة 2014، مطالبا بجيل جديد من الزعماء.
وعود وتحذيرات الرئيس قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إن «جيل انتهى دوره في تسيير البلاد»، معلنا عزمه عدم خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة المتوقع تنظيمها في سنة 2014. وفي انتظار موعد الاستحقاقات الرئاسية، وعد بوتفليقة ب«تدشين مرحلة جديدة من مسيرة التنمية والإصلاحات والتطور الديمقراطي». وتوجه الرئيس الجزائري بشكل خاص إلى الشباب وطالبهم بالتعبئة من أجل التصدي لما أسماه «دعاة الفتنة والفرقة وحسابات التدخل الأجنبي». وأثار بوتفليقة أيضا في خطاب ألقاه أول أمس الأربعاء من مدينة سطيف، الواقعة شرق البلاد، ما أطلق عليه «التربص الأجنبي» دون أن يحدد بدقة الأطراف المعنية بهذا الوصف. ورهن الرئيس الجزائري استقرار بلاده بنسبة المشاركة في استحقاقات الخميس. وعلى هذا الأساس، طالب الشباب، وعامة مواطنيه المسجلين في اللوائح الانتخابية، بالتصويت بكثافة من أجل الحيلولة دون تحول بلادهم إلى «ميدان تحرير». وكان واضحا أن بوتفليقة يحذر الجزائريين من تحول الأوضاع في الجزائر إلى ما يقع في دول الربيع العربي، وفي مقدمتها مصر، وقال إن «الأهمية القصوى للانتخابات التشريعية المقبلة تتجلى في كونها اختبارا لمصداقية البلاد»، في رد واضح على التيارات التي تراهن على الأرقام التي ستسفر عنها هذه الاستحقاقات على مستويي نسبة المشاركة والنتائج النهائية لقياس مصداقية النظام السياسي الحالي في مواجهة موجات التغيير.