لم يعد رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، يتحمل النشاط المكثف لرئيس المجلس الوطني لنفس الحزب، وزير الخارجية السابق، سعد الدين العثماني، الذي أخرج من الباب الضيق للوزارة كما أراد الزعيم ذلك، لدرجة أن هناك من يتحدث ويروج بالطريقة والأسلوب الذي يريد عن نقاش حاد بين قطبي حزب المصباح. تضايق رئيس الحكومة وزعيم العدالة والتنمية جاء على إثر تصريحات العثماني واستجواباته ولقاءاته مع المناضلين وغير المناضلين، ومحاضراته في الداخل والخارج، خاصة ما يتعلق منها بالشق الذي يهم شؤون الحزب. هذا النشاط لا يروق للسيد بنكيران خاصة أن مغادرة العثماني للحكومة جعلته متحررا من أي بروتوكول، أو مما يسمى بجانب التحفظ الذي يفرض، في العادة، قيودا على الشخص حين يكون يمارس مسؤولية سامية. البعض يرى أن تحرر الطبيب النفسي، العثماني، يفسح له مجالا واسعا لتسجيل عدد من النقط (لفائدته) داخل الحزب من أجل إعادة الاعتبار إلى نفسه بعد أن أقدم بنكيران على التخلي عنه، ولم يتردد بالتضحية به من أجل أن تبقى حكومته ويبقى هو على رأسها. وليذهب العثماني و"إخوان الدرب" إلى الجحيم. وماذا يساوي المناضلون أمام "منطق الحكومة" الذي يغلب ويسود على منطق العاطفة ومنطق الحزب؟ فهيهات لهذا المنطق أن يكون له منطق إزاء منطق الحكومة، وما يترتب عليها من فوائد وامتيازات. البعض الآخر يتحدث عن دور قادم للعثماني داخل الحزب بعد أن أحدث قرار التخلي عنه من حكومة بنكيران من طرف بنكيران نفسه، استياء واضحا بين "الإخوان" المناضلين. ولعل اجتماع المجلس الوطني المقبل الذي يترأسه بالمناسبة العثماني سيكون فرصة إن لم يتم تأجيله إلى تاريخ غير محدد للتعبير عن القضايا والمشاكل الكثيرة التي يعرفها حزب العدالة والتنمية. ولا أحد يستطيع أن يتكهن بما يمكن أن يتمخض عنه من مواقف، أما القرارات فيتم المصادقة عليها بالتصفيق والإجماع ليتم نسيانها عند وجبة الغداء التي تلي مباشرة الاجتماع، وبالعناق و"البوسان" (الشرعي) بين الإخوان قبل أن يذهب كل واحد إلى أهله يتمطى. هل سيتمكن أعضاء المجلس الوطني (برلمانيو الحزب) من حسم الخلاف ب"الخيط الأبيض" بين الأمين العام ورئيس المجلس الوطني للحزب؟ أم أنهم سيتركون الحبل على الغارب إلى حين أن تتضح الأمور وتنضج، ويظهر الخيط الأبيض من الأسود، ومن تم "الله ينصر من أصبح"؟ بنكيران متبرم من "سهام" الإخوان أكثر من سهام غير الإخوان. لكنه نسي أنه آثر غير الإخوان على الإخوان خلال التعديل الماضي الذي عرفته الحكومة التي يترأسها. من هنا تسرب الماء إلى حزب العدالة والتنمية. والخوف كل الخوف أن يهزه الماء. وحينها لا تنفع لا "التماسيح" ولا "العفاريت" في إيقاف تدفقه الشديد. والعاقبة لمن تورع ووعى.