بمجرد انتهاء الخطاب الملكي ليوم الجمعة الماضي خرجت جماهير الشعب المغربي إلى الشارع من أجل تأييد ما جاء فيه، وذهب عدد من المواطنين إلى التأكيد على موافقتهم على مضامين الخطاب الملكي، الأمر هنا مرتبط بعلاقة الملك والشعب التي تعود لقرون خلت، والتي تتجدد روابطها في مثل هذه الظروف. خلال هذه التجمعات الشعبية التي امتدت حتى وقت متأخر من ليلة الجمعة الماضية، تم ترديد شعار "الشعب يقول نعم للدستور"، وذلك حتى قبل أن يخرج السياسيون من جحورهم لدعوة الشعب المغربي إلى التصويت على الدستور الجديد، وهو ما يؤكد أن فراسة الشعب تسبق نباهة السياسيين، الذي يتعاملون مع اللحظة بكثير من البراغماتية السياسية، لدرجة أن نبيل بنعبد الله استغل حضوره في برنامج بثته القناة الثانية أول أمس الأحد لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين وأولهم صلاح الدين مزوار الذي كان حاضرا معه في البرنامج نفسه. لن نناقش هنا ما تضمنه الدستور الجديد من تعديلات أثارت إعجاب حتى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لكن مع ذلك يجدر بنا أن نطرح سؤالا عريضا، لماذا خرج الشعب المغرب إلى الشارع، للتعبير عن تأييده للخطاب الملكي. هناك مجموعة من المبررات التي دفعت آلاف المغاربة إلى التظاهر في الشارع، أولها أن حركة 20 فبراير، وعكس ما كان يتمنى أصحابها، خلقت نوعا من الإلتفاف الشعبي، حول شخصية الملك، وظهرت مجموعة من الحركات المتضامنة والتي تشكلت دون سابق إعلان، للدفاع عن الهوية المغربية. الدستور الجديد الذي ستنطلق الحملة الدعائية له اليوم الإثنين في منتصف الليل، يحمل بكل تأكيد مجموعة من المتغيرات، وسيقطع مع الدستور السابق، لكن هل لدينا فعلا نخبة سياسية قادرة على التعامل مع هذه الإنعطافة الحاسمة، وكيف سيتم التعامل مع الوضع الراهن، في ظل إفلاس الأحزاب السياسية، وتقوقعها على نفسها، تاركة المبادرة في غالب الأحيان للملك، الذي نجح خلال عقد من الزمن في تحقيق مجموعة من المكاسب الإجتماعية والإقتصادية. إن صورة البرلمان المغربي لا تبعث على الإرتياح، ولا تعطي الإنطباع أن النخبة الحالية قادرة فعلا على تدبير المرحلة المقبلة، خصوصا أن هذه النخبة تعودت على ضبط التوازنات الحزبية، والبحث عن تحقيق مكاسب مادية بالدرجة الأولى، مما يؤكد على ضرورة أن يكون التغيير شاملا، لأنه لا يعقل أن نطرح دستورا جديدا، يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج نفس النخبة السياسية التي تطغى عليها لغة المصالح، وتنتج لنا برلمانا نصفه من ثلته من الأميين، وثلت من الإنتهازيين، وثلت لا يحضر إلا خلال افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان قبل أن يغادر إلى غير رجعة، لدرجة أن الأسئلة الشفوية التي تتكرر كل أسبوع تعرف حضور نفس الوجوه التي ألفت الظهور أمام كاميرا التلفزة. إن خروج الشعب المغربي إلى الشارع لتأييد الخطاب الملكي هو تعبير عفوي عن إرادة شعبية لا متناهية من أجل إقرار الإصلاحات الدستورية والسياسية، ولابد أن تواكب هذه الإصلاحات، تغييرات سياسية عميقة تمنح كافة مكونات الشعب المغربي فرصة المشاركة في تدبير شؤون البلاد اعتمادا على معيار الكفاءة، وليس العلاقات الحزبية الضيقة.عبد المجيد أشرف