يظل الخيط الناظم لكل دورات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة, الذي يطفئ هذه السنة شمعته السابعة عشرة, هو الخلق والتجديد, مما يجعل منه مقاما للفكر والإبداع, بالنظر لقيمة المفكرين والفنانين الذين يتوافدون على العاصمة الروحية للمملكة للمشاركة فيه. فعلى مدى عشرة أيام, تلتئم هذه السنة الدورة السابعة عشرة تحت شعار "حكم الكون" مشكلة بذلك دعوة حقيقية للسفر عبر منعطفات الروح والإبداع, تمتد من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا, ويحيي كل من سيركب سفينته الطقوس الاحتفالية لكل ما هو أصيل, ويقدم التراث الموسيقي العريق في أبهى حلله. يؤكد هذا الترحال السرمدي أن هذه المغامرة, كما يقول منظموها, "لم تعد مجرد مناسبة للاستهلاك الثقافي, بل أضحت مقاما للإبداع والتمرس بصحبة مبدعين مرموقين أو يستحقون الاكتشاف, قادمين من شرق الأرض وغربها", مضيفين أن منتدى فاس, الذي سيحاول هذه السنة "إضفاء الروح على العولمة", أضحى فعلا "منتجعا روحانيا" لتأمل العالم في حركيته المتسارعة, بغية إمداده بإضاءات جديدة منبثقة من صلب الثقافة والحكمة. ما من شك أن دورة هذه السنة ستكون حافلة بالجرأة والترحال عبر ربوع العالم, وحبلى بالتقاليد الموسيقية العريقة, كما سابقاتها التي كانت "موسيقى المقدس" أولى تيماتها, لكون الموسيقى هي الحركة التي تتحرر بفضلها الروح من خمولها مأخوذة بالحنين إلى الأصل, لتتوالى, بعد ذلك, التيمات محاولة الإحاطة بتحديات العصر, والقيم التي ينبغي التأمل فيها, وعلاقة العقل بالإيمان, و"الإيمان, والتصوف والتعقل, سبل المعرفة", ثم "حوار الحضارات", الذي كان موضوع الدورة التي توجت دورات الألفية الثانية. واستهل مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة الألفية الثالثة بالتذكير بأن الاقتصاد والثقافة والقيم الروحية ترتبط ببعضها على نحو وثيق من خلال المواضيع التي اختارها في العقد الأول من هذا القرن من "حوار الحضارات وإضفاء الروح على العولمة", ليستمر هذا الحوار من أجل بلوغ "سبل الحكمة" "من الروح إلى الروح, فن التلقين" ثم "معالم النور", ف` "سبل الأمل" و "تآلفات" و "روح المكان وعبير الزمان", إلى "سبل الإبداع" و"شجرة الحياة" وأخيرا "مدارج الكمال في تزكية النفس". ومن المنتظر أن يشارك في دورة هذه السنة التي ستقام ما بين 03 و12 يونيو الجاري تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس, كما أعلنت مؤسسة "روح فاس" فنانون وفرق فنية من إيطاليا والبرازيل وفرنسا ولبنان وفلسطين وإسبانيا وإيران وإثيوبيا والهند وراجستان ومصر وباراغواي وسوريا وأفغانستان والسنغال وباكستان وإندونيسيا والعراق والولايات المتحدةالأمريكية, بالإضافة إلى المغرب. وستفتتح دورة هذه السنة من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة بإبداع خاص, يتمثل في أوبرا "مجنون ليلى أو الحب الصوفي", وهي من إنتاج مؤسسة فاس, وسيشارك فيها أربعون فنانا قادمين من آسيا ومن الشرق والغرب لإحياء هذه الحكاية ذات الصيت العالمي من ضمنهم المخرج التونسي ناصر خمير, الذي سيؤدي دور الراوي, والباحثة الإيرانية في الثقافة الشرقية القديمة ليلى أنور, التي كتبت نص القصة, والموسيقي ميلر أرمومر, الذي كتب النص الموسيقى للأوبرا. وستكمل محاور منتدى فاس الذي ينظم تحت شعار "من أجل إضفاء روح على العولمة", الجانب الفني والجمالي, وستساهم في تمرير رسالة حضارية قوية, مؤداها أن الحضارة ليست مقتصرة على الماضي فحسب, بل إنها بناء ديناميكي متواصل في الزمان والمكان ومتجه نحو المستقبل, فضلا عن أنها تروم إعطاء معنى ما للفن والثقافة في المجتمع المعاصر.