كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا حين وصلنا إلى مستعجلات إبن رشد، كان لزاما أن نقدم مبررا لتواجدنا، لأن حراس الباب لن يسمحوا لنا بالدخول، حتى لو كنا نحمل بطائقنا، فتالعليمات صارمة في هذا الجانب، بعد انتظار دام ما يقارب نصف ساعة حلت إحدى السيدات، وهي تحمل رضيعا بين ذراعيها وتصرخ، استغلينا الوضع فدخلنا مع السيدة وأحد إخوانها،، الرضيع يكالن يختنق، بعدما ألمت به أزمة حادة، كان صوت الأم يجلجل المكان، وعدد من الممرضين تحلقوا من حوزلها، من دون أن يقدروا على فعل شيء، فجأة جاء طبيب، لم يكن مختصا في الأطفال، وبسرعة البرق وجهها نحو مستشفى الأطفال الذي يبعد عن مستعجلات إبن رشد بحوالي 500 متر، كنا نود أن نرافق الأم لكن ظروف العمل والمهمة التي نحن من أجلها جئنا، فرضت علينا أن نلزم أماكننا. في البدأ انزوينا في مكان قصي، وحاولنا تتبع ما يجري، كنا نريد أخذ صور لما يحدث، لكن القوانين صارمة، مستعجلات إبن رشد هي القلب النابض للمستشفى ككل، أو هكذا خيل إلينا، فمن هناك تمر جميع الحالات، وبعدها يتم توجيه كل حالة نحو القسم المعني، في حدود منتصف الليل كان الوضع هادئا، وعلى غير العادة، كما أكد أحد المرضى الي قال إن المستعجلات تصبح في حالة فوضى خلال بعض الأيام، خصوصا نهاية الأسبوع، وأشار المريض الذي جاء لعلاج جرح غائر أصيب به، إلى أن المستعجلات لا تتوفر على الإمكانيات، وقال إنه اضطر إلى شراء لوازم العلاج، حيث ذهبت زوجته للبحث عن صيدلية الحراسة، وفي حال لم تجد الدوار سيبقى على تلك الحال حتى الصباح. يقول أحد المرافين له، إن الوضع غريب جدا، فالمستشفى تتوفر فيه صيدلية قتارة، ومع ذلك يفرضون علينا شراء الأدوية، بل إنهم في بعض الأحيان يوجهوننا نحو صيدليات معينة، في تلك الأثناء وصلت سيارة إسعاف بسرعة، ويبدو أنها تحمل امرأة على وشك الولادة، الأم تصرخ والأب يبكي، ويبدو أن الولادة مستعصية ولابد من تدخل جراحي عاجل، وفعلا فقد تم توجيه السيدة نحو قسم الولادة. سكون غريب يخيم على المكان ولا تسمع سوى أنين بعض المرضى الذي يعانون كثيرا، عدد المرضى محود وأغلبهم متدربون، والممرضون يفرضون نظاما صارما داخل المستعجلات، موظفون يصرخون طوال الوقت وعمال النظافة، يقلمون أظافر المرضى، الذين لا يحترمون المكان، كان لابد من انتظار وقت طويل، قبل أن يتحول قسم المستعجلات إلى خلية نحل، فقد تم إحضار خمسة أفراد من أسرة واحدة احترقت الشقة التي يقطنون بها، ولا الألطاف لتفحمت جثتهم، يقول أحد الجيران، في تلك الأثناء تحركت الهواتف، وتدخل أكثر من طبيب من معاينة الحالات، لكن لا أحد بإمكانه فعل شيء، لذلك تم توجيه جميع الحالات إلى الإنعاش وفي الصباح يمكن أن تتغير الأمور، ومع توالي الساعات بدأت الحالات تتقاطر وتختلف من شخص لآخر، لكن القاسم المشترك هو أن جميعها تعرض لاعتداءات، حيث كان عدد من القادمين يصرخ من شدة الأمل، فيما الممرضون يحاولون ضبط المكان، وإسكات المرضى ولو بالقوة "صافي سكتونا، كاتديروها بيديكم وتجيو تصدعونا حنايا"، بهذه الكلمات كان يخاطب أحد الممرضين المواطنين المصابين، وفي كثير من الأحيان كانت تقع مشاداة بين ذوي المرضى والممرضين الذين يفرضون قانونهم الخاص، ولكل خدمة ثمنها. هكذا بقيت الأمور بين أخذ ورد إلى حين إشراقة السبح، حيث هدأت الأوضاع بعض الشيء، في انتظار نهار جديد يستعيد فيه المستشفى الجامعي تابن رشد بعضا من هدوءه المعهود.