بقلم هشام المساوي التقى المفكران اللبناني علي حرب والمغربي أحمد عصيد في سجال فكري وفلسفي ضمن الندوة الافتتاحية لمهرجان ثويزا للثقافة الأمازيغية أمس الخميس بطنجة لمناقشة موضوع الأرض, الهويات والانتماءات. وقد كان النقاش بين المفكرين غنيا من حيث إعادة تركيب مفاهيم الانتماء والهوية في علاقتهما بالأرض, التي اختيرت شعارا للدورة السادسة من مهرجان ثويزا المنعقد إلى غاية 25 يوليوز الجاري, كما شهدت أفكارهما تقاطعات أحيانا وتباينات أحيانا أخرى, وإن كانا اتفقا معا على أن الهوية مفهوم "فلت" و"واسع" يستعصي على الضبط والتعريف. **** الهوية, مفهوم يستعصي على الضبط **** كبديهية مسلم بها, اعتبر علي حرب أن "الهوية ليست ماهية ثابتة ولا حقيقة مسبقة, بل تركيبة متعددة هجينة, لا وجود لأصل صافي فيها, هي فضاء مفتوح مركب ومتحرك", قبل أن يوضح أن "كل المفاهيم التي اخترعتها الإنسانية قابلة للتشريح وإعادة التركيب إذا ما تطلبت الضرورة ذلك". ويرى الفيلسوف اللبناني, صاحب مجموعة من المؤلفات التي تناولت الهوية والانتماء والطائفية, على أن سؤال الهوية أصبح ذا "طبيعة إيديولوجية أكثر منه قضية حضارية", مشددا على أن "التعاطي مع الهوية بعصاب يؤدي إلى الهلاك". بدوره, أوضح الباحث المغربي أحمد عصيد على أن "الهوية بطبيعتها مفهوم فلت لا يمكن ضبطه", مبرزا أنه "أمر غير مادي ولا يمكن قياسه". واستدرك أن "الهوية ليست أكثر من إحساس بالانتماء, وهو شعور يتخذ مستويات عدة حسب موقع الفرد والسياق الذي يعيش فيه الإنسان", مضيفا أنه "سؤال يطرح نفسه حينما تجتاز الأمم منعطفات تاريخية حاسمة تتميز بخلخلة الأسس التي تقوم عليها". **** الهوية, قضية شائكة ومصيرية **** في بداية مداخلته, أكد علي حرب على أن سؤال الهوية والانتماء واحد من بين القضايا الهامة والشائكة والمصيرية بالنسبة للعالم العربي, مبرزا على أن الفضاء العربي مكون من فسيفساء متعدد من الإثنيات والشعوب والهويات. وأكد المفكر, صاحب كتاب "فتوحات العولمة", على أن "الهوية تعتبر الآن تجارة خاسرة, بقوة التاريخ, لا نرى إلى المشكلات من وراء أصحاب طرح الدفاع عن الهوية, مهما كانت مرجعيتها", مبرزا أن "دعاة الهوية يرغبون في وضع حجاب الحقيقة المطلقة على العقول في السياق ذاته, شدد عصيد على أن "فصل الهوية عن الثقافة (ما يعيشه الإنسان يوميا) يؤدي لحدوث كوارث وتسقط الجماعة في الخطاب المطلق ويقع الصدام", موضحا أن "الأمازيغية في المغرب على سبيل المثال لم تكن يوما منغلقة على ذاتها وثقافتها, بل كانت تعيش في إطار من الانفتاح والتبادل, فالعزلة تعني الموت". وأبرز الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن القضية الأمازيغية, باعتبارها مكونا للهوية المغربية, استفادت من هامش الحوار الواسع داخل المجتمع, موضحا أن "القضية طرحت على النقاش العمومي, ويتم تعديلها بشكل تدريجي حاليا". **** الهوية والأرض : إقامة أم انتماء ? **** في ظل الحركات الإنسانية بين الهجرة الطوعية و النزوح والإبعاد, طرح مجموعة من المفكرين أسئلة حول مدى ارتباط الهوية واللغة بالأرض, هل هي علاقة انتماء وتملك, أم مجرد إقامة واستغلال. بهذا الخصوص, ينفي عصيد أن تكون الهوية مرتبطة بالأرض, لأن هذه الأخيرة جماد بينما الهوية مفهوم متحرك ومتغير, مبرزا أن "الهوية مرتبطة بوجود الإنسان على الأرض, بثقافته وعاداته, وليس بالأرض في حدا ذاتها". وأكد على أن "لا شيء ثابت في تاريخ البشر, فالتبادل الحضاري لا يعني الانقراض أو التهديد, فالأمازيغية لا يمكن لها أن تعيش سوى بفضل ما عاشت به عبر التاريخ, بفضل طابعها المنفتح وتأثيرها وتأثرها وتبادلها مع الحضارات الأخرى". ومضى حرب في السياق ذاته معتبرا أنه في عصرنا الحالي "تجاوزنا مفهوم ارتباط الهوية بالأرض, إلى سؤال الإقامة, ماذا نفعل فوق الأرض وماذا نريد من ذلك, وما هو مصير ومستقبل الأجيال اللاحقة".وخلص في حديثه إلى أن "مستقبل البشرية في أولئك الذين يحيون بهوياتهم, في محيط متعدد الثقافات, أولئك من يعيشون بمنطق الاختلاف والتنوع, فالمشاريع النضالية للمدافعين عن الهوية باءت بالفشل كما علمتنا التجارب, فالإبداع والجدارة هو السبيل لممارسة الهوية بشكل بناء".