الموت على شبكة الانترنت لماذا أصبحت مشاهد العنف والقتل متداولة على شبكة الانترنت؟. وما هي أكثر الفئات التي تقبل عليها؟. وهل هناك حل للسيطرة عليها؟. كلها جوانب من مشكلة عصرية خطيرة سعت الباحثة الفرنسية من اصل ايطالي ميكيلا مارتسانو بحثها وتحليلها من خلال كتابها الذي يحمل عنوان : (الموت عرض فني). عناصر :. — - "كلما رأينا الكثير من هذه المشاهد، كلما شعرنا أنها بعيدة عنا، وأنها تمنعنا من الإحساس بمعاناة الآخرين"، ويتحول الأمر إلى "عادة" لدى البعض. — - الفضول وحس المغامرة مع التفاهة، أصبحت صفات تكتسب كل يوم المزيد من الأرض في المجتمع، في ضوء استشراء الرعونة مع استمرار الثورة المعلوماتية وتميزها بالسرعة. — - هناك اتجاه سائد للتقليل من شأن الموت وفقد أهمية حياة الإنسان لان الكائن البشري اعتاد على رؤية الأشخاص الذين يعانون أو يموتون ويفكر في داخله، وكأنه يقول لنفسه "طالما هذا الأمر لا يحدث لي أو لشخص قريب مني، إذا فهو لا يعنيني". انتشرت في السنوات الأخيرة مشاهد العنف والقتل وصور الجثث وضحايا الاعتداءات الدامية والهجمات الانتقامية التي يتم تصويرها بأجهزة المحمول، وأصبح من اليسير للغاية تبادل هذه المحتويات من خلال الابتكارات الحديثة التي طلت على الإنسانية عبر نافذة التكنولوجيا، بل وتحولت في الوقت نفسه إلى مادة تتسابق وسائل الاعلام المختلفة في وضعها نصب أعين القارئ. وعن هذه الظاهرة، تقول الباحثة ميكيلا مارتسانو، مؤلفة كتاب (الموت عرض فني) "لقد أصبحنا في مجتمع عليه أن يرى بنفسه كي يصدق"، والسبب في ذلك بسيط للغاية "وهو أننا أصبحنا نتشكك في كل شيء"، ونعتقد " أنه لابد وهناك مؤامرة ما" وراء الأشياء التي تحدث، لأن الشرعية والثقة في الكلمة أصبحت أمور منعدمة، ولم نعد نصدق السلطات أو السياسات أو وسائل الاعلام أو الصحفيين. وتضيف الكاتبة الفرنسية من أصل ايطالي أن الفضول وحس المغامرة مع التفاهة، أصبحت صفات تكتسب كل يوم المزيد من الأرض في المجتمع، في ضوء استشراء الرعونة مع استمرار الثورة المعلوماتية وتميزها بالسرعة، وبالتالي أصبحت هذه المشاهد بالغة الأهمية في عالم تعد فيه الصورة ومقاطع الفيديو من الوسائل الرئيسية للتعرف على الحياة اليومية. وتشير إلى أن سهولة الدخول في الوقت الحالي على شبكة الانترنت وقلة القيود على الشبكة المعلوماتية، كلها أمور تساعد على انتشار مشاهد العنف والمنتديات التي يتم فيها سرد وتداول حوادث مفزعة مثل قيام بعض الأشخاص بالانتحار الجماعي أمام كاميرا الحاسوب. وتتسائل "ما الذي يدفعنا إلى متابعة مشهد قتل أحد الأشخاص بينما نحن على الجانب الآخر من الحاسوب؟"، وترى في اعتقادها أن الفضول يعد من الأسباب الرئيسية للقيام بهذا الأمر، وكذلك شعور الفرد بأن هناك مسافة تفصله عن تلك المعاناة والألم. وكان الهدف من التقاط هذه المشاهد حتى وقت قريب هو توثيق فصول من أعمال العنف والقتل وانتشار القسوة التي حدثت في الماضي، مثل الحرب العالمية الثانية وغيرها، ولكنها اتخذت في الوقت الحالي منعطفا آخر، وأصبح التقاط هذه الصور يحدث من أجل نشرها فحسب. — - مشكلة مرتبطة بالزمن. بدأ في مطلع سبعينيات القرن الماضي ما أطلق عليه "snuff movies" أو أفلام "سناف" ، وهي عبارة عن تسجيلات لعمليات قتل حقيقية لم يتم فيها الاستعانة بمؤثرات خاصة أو حيل فنية، ليتم تداولها بغرض التسلية. وبرغم التشكك حتى الآن في صحة هذه التسجيلات الا ان بعض الأفلام السينمائية استوحت فكرتها منها، ويذكر من بينها (Hardcore)، انتاج 1979 لبول شريدر، و(Tesis)، لأليخاندرو أمينابار (1966)، و (8mm)، لنيكولاس كيدج (1999). ويعد العنف من الخصائص التي يتصف بها الكائن البشري، وقد سجل التاريخ حوادث دموية كان بطلها الإنسان منذ خلقه. وفي هذ الصدد، تقول مارتسانو إن "الوحشية جزء من الطبيعة البشرية وهو التفسير في ميله الدفين لها" وترى أن الحل يكمن في كبح جماح هذه الوحشية. وتؤكد على ضرورة أن يكون هناك رد فعل "أخلاقي ومعنوي" إزاء معاناة الآخر، خاصة في الفترة المعاصرة، التي يميل فيها الأشخاص إلى الفردية والاهتمام بالحياة الشخصية والخاصة فقط. ولتفهم مشاعر الجمهور المتلهف على متابعة صور العنف والقتل بكل قسوة وسطحية، قامت الكاتبة بمشاهدة العشرات من مقاطع الفيديو وتقول إن أكثر ما آلمها هو الإحساس بأنها تساهم بشكل ما في نشر وإنتاج مثل هذه الأعمال. وتوضح "كلما رأينا الكثير من هذه المشاهد، كلما شعرنا أنها بعيدة عنا وتوقفنا عن الإحساس بمعاناة الآخرين"، ويتحول الأمر إلى "عادة" لدى البعض. وتعود لتتسائل عن سبب وجود جمهور متعطش لرؤية العنف والدماء ويشعر بأن له الحق في التخلص من حياة آخرين، وتجيب هى نفسها من وجة نظرها بأن "هناك أسباب عدة لذلك، منها التوترات السياسية وصدام الحضارات وشعور البعض بالاستمتاع بالقتل في حد ذاته". وتوضح الكاتبة أن هناك اتجاه سائد للتقليل من شأن الموت وفقد أهمية حياة الإنسان، لأن الكائن البشري اعتاد على رؤية الأشخاص الذين يعانون أو يموتون ويفكر في داخله "طالما هذا الأمر لا يحدث لي أو لشخص قريب مني، إذا فهو لا يعنيني". — - الحل. وترى مارتسانو أن حل هذه المشكة معقد للغاية، وأنه يتعين غرس قيم المسئولية والتربية السليمة، برغم إنه أصبح من "الصعب" أن نجد من يتقبل النقد أو يعترف بحاجته لمساعدة الآخرين، في عصر السرعة وإمكانية الحصول على المعلومات بسهولة. كما تؤكد الكاتبة في الوقت نفسه على ضرورة إعادة الرونق والهيبة إلى مهنة الصحافة، وحث العاملين في هذه المهنة على استخدام لغتهم النقدية في التصدي للميول العدوانية. ويعتقد الكثيرون من منتقدي حرية تداول المعلومات أن الرقابة هي الحل الوحيد للحد من انتشار الصور التي يمكن أن يصل اليها أي شخص، حتى الأطفال الذين لايخضعون لرقابة الآباء. لكن فرض رقابة على الانترنت قد يشكل تقييدا للحقوق الأساسية لحرية التعبير والإعلام، وهذا ما أشارت اليه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في شهر يناير/كانون ثان الماضي، عندما أكدت أن عام 2009 شهد "تزايدا في التهديدات الموجهة ضد حرية تدفق المعلومات". وكانت كلينتون تشير بذلك إلى بلدان مثل الصين وتونس ومصر وإيران وفيتنام وأوزباكستان التي يتم فيها فرض رقابة على محتويات الانترنت، ولكنها أكدت في الوقت نفسه أن هناك حدود لحرية التعبير عندما تسعى ل"التحريض على الإرهاب أو العنف". وتبرز مارتسانو أن الشباب يشكلون الفئة الاكثر إقبالا على هذا النوع من مشاهد العنف، لافتة إلى أن الاحصائيات تشير إلى أنهم يمثلون 96 في المائة من زوار المواقع التي تعرض لمثل هذه المحتويات. وبرغم رفض 39.5 في المائة للمحتويات المتعلقة بالجرائم الجنسية، الا ان المعارضين للصور المشينة والعنيفة والتي تعرض لأعمال البلطجة يمثلون نحو 20 في المائة فقط، وتؤكد هذه البيانات ان المشكلة قد تكون متعلقة بالتربية، وأن الحل يجب أن يبدأ من سن مبكر. ويعزز من خطورة الوضع أيضا التصريحات التي أدلى بها مؤخرا رئيس المرصد الأوروبي، فالينتي جوميز اوليفار، والتي حذر فيها من أن "فلاتر المحتويات العنيفة والمواد الإباحية على الانترنت لا تفيد، لانه يتم اختراقها".كما أبرز جوميز ان "دول الشمال الأوروبي فقط هي التي تدرج في خططها التعليمية محو الأمية المعلوماتية"، مؤكدا أنه يتعين على وسائل الاعلام "الاهتمام بالثقافة والرؤية النقدية والإبداع".