نشرت جريدة "النهار المغربية" تقريرا معززا بأرقام وبأدلة وبأمثلة، حول اهتمام مجتمعنا بالخرافة، والشعوذة، والسحر، حتى لإنّ الواحد منا تجده يصرف على الشعوذة والسحر ضِعف ما يصرفه على بيته، وعلى تربية أبنائه، والمصيبة هو أن تجد سياسيين، ومثقفين يرتمون في أحضان أمّيٍ مشعوذ.. ثم هناك من يصدّق الخرافة والأساطير، ولا يصدّق العلم واكتشافاته المذهلة.. هل تصدق أن زميلا لي في التدريس ما زال لا يصدّق عملية نزول إنسان على سطح القمر، وأن المريخ لم تصله أبدا مركبة »البات فايندر« ؟ ! هل تصدّق سيدي القارئ أن مثقفا ما زال لا يعرف أنه إذا أطلقتَ من الأعلى إلى الأسفل قنينة مثلا، وقلم رصاص، فإنهما سيصلان إلى الأرض في وقت واحد، رغم تباين كتلتيهما، فالثقيل مثل الخفيف، يصلان الأرض في وقت واحد.. قام صديقي بالتجربة، وفي اليوم التالي يسألني عن "السر"، فتظاهرتُ بأن لي موعدا، لمعرفتي المسبقة أنه عاجر عن فهم "المنحنى الفضائي" الذي اكتشفه "آينشتاين" والذي يفسر الظاهرة تفسيرا علميا واضحا.. وهكذا، فإن الذي يصدق الخرافة، ويخاطب أو يطلب من الأولياء في قبورهم، يصعب عليه فهم واستيعاب مثل هذه الأمور التي يعرفها الطفل الغربي في الصف الابتدائي.. إنه العقل المعَنْكَب، عقلٌ تشرَّب الخرافة، وتشبَّع بالأساطير، وصدّق السحر، وكذّب العلوم، وتلك هي المصيبة.. فإذا كانت الخرافة قد أدت إلى هلاك العديد من الأمم، فإنها عندنا قد شلت عقولنا وحنّطت أفكارنا، وأعمت أبصارنا، وأبّدت تخلفنا.. وللتدليل على خطورة الخرافات التي تأخذ شكل اليقينيات، فإنني سأسوق مثالا واحدا من بين عشرات الأمثلة التاريخية بهذا الخصوص.. لقد كانت الخرافة هي السبب في هلاك حضارة "الأزتيك" في المكسيك التي فتحها الإسباني "هيرناندو كورتيس" بعدد من الجنود لا يتعدّى [553] رجلا فقط.. لقد نزل بجنوده إلى الشاطئ، فأصابهم الفزع من الأعداد الهائلة للقوات التي واجهتهم، ومع ذلك، استولى "كورتيس" على "الأزتيك" وحوّل الهنود الحمر إلى الديانة المسيحية، بعد أسْر ملكِهم ثم قتْله في ما بعد.. ومن الأحداث الغريبة في التاريخ، أن يتمكن رجل أمّي لا ثقافة له، وبعدد قليل جدا من الرجال من التغلب على مئات الألوف من جنود "الأزتيك"... قد يقال إن السبب يعود إلى استخدام المدافع وكان عددها عشرًا فقط.. وقد يقال ربما السبب يعود إلى حُسن التخطيط والشجاعة.. كلاّ؛ لا هذا ولا ذاك.. إذن فما هو السبب؟ السببت هو أن الداهية "كورتيس" علم في اليوم التالي، بأن "الأزتيك" لهم خرافة يصدّقونها ويتوارثونها، ومفادها بأن إلاههم سوف يعود، طويل القامة، أبيض الشعر، طويل اللحية، ويركب حصانا أبيض.. فأزال "كورتيس قبعته، وسرّح شعره الأبيض، وركب حصانه الأبيض، وتقدّم في جرأة ووثوقية إلى الملك، وكان يضرب عنق كل قائد عسكري يقترب منه؛ فخرّ الجميع له ساجدين حيث اعتقدوه "الإلاه الموعود والرّب المنتظر"، وصار "كورتيس" غنيا وثريا وقائدا مغوارًا، استغل بذكاء أساطير "الأزتيك" وحوّلهم إلى خدم وحشم وعبيد.. فما دام هناك سُذّج، ومغفّلون، ومصدِّقو خرافات وأساطير، فإن الدهماء بخير، من مستعمرين، ودجالين، ودهماء ومشعوذين، من أصحاب البركات والنبوءات، وبائعي التمائم، وقاهري العفاريت في الأجساد.. ثم »هَادُو إخْرايِفْ اللّي غابو" كما قال [جيل جيلالة].