كل تشابه في الاسم ما هو إلا صدفة« ، هذا ما اعتادت الأفلام رفع الشبهات به عن مضامين نصوصهم السينمائية، أما المقصود بشباط في عنوان هذا المكتوب، فليس بالضرورة هو حميد شباط عمدة فاس، فكم من شباط في هذا المغرب لا يهمه سوى صناعة الحدث الإعلامي بأي طريقة كانت، فمنهم الصحافي، ومنهم الفنان، ومنهم السياسي. أما الكاتب المثقف فاتركوني أدعو لاتحاد كتاب المغرب باليقظة من السبات. الجدل السياسي والإعلامي عوّض في ساحتنا المغربية الفعل السياسي والعطاء الإعلامي، وحينما يتحول الجدل إلى شتم وسباب وشد للحبل وأخذ ورد، هنا يصبح اللسان طويلا جدا بل أطول من الذراع. وما دمت من هواة النبش في الكلمات، فقد سبق أن سمعت من بعض أصدقائي العراقيين ما معناه أنهم هناك ينعتون »طويل اللسان« بالشبوطي ويقولون أيضا : فلان لسانه كالشبوط، أي طويل طول سمك الشبوط الذي وصفته قواميس العرب، بأنه سمك عريض الوسط صغير الرأس وطوله ذراع، وشبوطو في اللغة الأكادية تعني نفس السمك لكنهم يعتقدون أن الإلاه »أيا« أرسل سبعة سماويين كانوا يشبهون سمك الشبوطو. ومن طال لسانه طال كلامه. ومن طال كلامه قل فِعله وكثر نومه، وعند اليهود يصبح يوم الشباط هو يوم الراحة والسبات والذي يوافق يوم السبت. فالسبت اشتقاق من الشبط أي الراحة والنوم عند اليهود، طبعا من الزاوية الأحادية للاشتقاق الذي لا نريد أن نخوض فيه طويلا. لكن لا أريد أن أنسى وأنا تائه وراء الحروف، أن شباط في الأشهر الجريجورية هو شهر فبراير، وعند إخواننا المشرقيين ما زال التقويم يحتفظ بهذه التسمية »شباط« ، وبالتالي فهو أقصر الشهور، فسبحان من جعل سمك الشبوط قصير الرأس وشهر شباط قصير العمر، وعند اللبنانيين تحتفظ العجائز بمثال مشهور يقول ما معناه : »راح شباط بالهين والمخباط« وهو شبيه بالمثل المغربي عن ليالي فبراير التي ينعتها بليالي »المعزة« لشدة قسوتها على الجدي والعنزة. ولا غرو، ما دامت اللغة البابلية أعطت لشباط اسما يرتبط بالجلد والضرب والقسوة، وبالتالي فشهر شباط هو شهر قسوة المناخ وشدة البرد والصقيع، وقد بحثت عند الرومان فوجدتهم حولوا شباط إلى فبروار أي فبراير وهي مناسبة عندهم للتطهير والاغتسال من الذنوب. كل هذه الأوصاف تصدق على طول اللسان، فالكلام عند العرب ينفذ منفذ الإبر بقسوته وشدته وجلده وضربه وبرده وصقيعه، فاتركونا من »الشبوط« لأن طول اللسان أصبحت تعم المكان، أي مكان كان، في السياسة والإعلام ما لم تدخل المساجد في بعض الخطب، وقانا الله شر طول اللسان. ورحم الله محمد عابد الجابري الذي غادرنا منذ أيام، وهو الذي عمق ودقق في فهم العقل العربي ولم يضيع وقته في التعميق والتدقيق عن اللسان العربي الذي قال عنه الإمام محمد متولي الشعراوي إن »طول« اللسان العربي وكثرة ادعاء العرب ومباهاتهم بالفصاحة والكلام كانت وراء بعث النبي محمد »صلى الله عليه وسلم« الأمي الفصيح البليغ ومعه تحدي وحي القرآن ببلاغة وفصاحة وبيان لا يمثله كلام.