إذا كنا تتبعنا بامتعاض كبير معاناة ساكنة العاصمة الإدارية للمملكة من تراكم الأزبال في الشوارع والأحياء بسبب سوء تدبير صفقات البلدية مع الشركة الدولية المعنية بهذا المجال... فقد لاحظنا أيضا استسلام المواطنين للأمر الواقع بتمتمات : لا حول ولا قوة إلا بالله. فإن لا أحد يجرؤ عن الحديث أحيانا عن معاناة المواطنين.. وهناك معاناة أخرى صامتة للمواطنين مع شركات وفاعلين وطنيين ودوليين في باقي الخدمات، لا تنفع البلد في شيء وتعبث بأوقات المواطن وتسيء لموقعه ومواطنته. وقد أشرنا يوم أمس إلى بعض المساطر التي فرضتها مؤسسة ريضال على بعض المستثمرين في اتجاه إحباطهم وزرع الخيبة واليأس والنفور من الاستثمار في الرباط، وهناك من اعتبر بعض هذه الإجراءات بيروقراطية وتلكؤا وتعجيزا. والزبون المغربي لا يطلب من هذه المؤسسات أن تتعامل معه بمنطق الإحسان لكنه يرفض أيضا أن تتعامل بمنطق الإخضاع والإذلال عوض منطق خدمة الزبون الذي تجعله سيدا وقويا في دول أخرى شرط أن يحترم واجباته. والمؤسف أيضا أن تتعامل ريضال مع شكايات المواطنين بأسلوب التماطل والتمطيط عبر التقنيات والأساليب التجارية الهادفة إلى الربح فقط. فبينما تتسبب هذه المؤسسة في قطع التزويد بالكهرباء لا مهرب للمواطن من الاتصال بمركز الاستقبالات "ألو ريضال" الذي يطيل العاملون فيه الحديث والاستفسارات معه بغية كسب مزيد من الوقت المؤدى عنه. وعوض أن تنتهي هذه المكالمة إلى حل مشكلة عدم التزويد التي أصبحت تتم أحيانا بدون إشعارات، بل وأحيانا قبل التاريخ المنصوص عليه في الفواتير الشهرية، فإن المستقبلين في هذا المركز يوجهون الزبون إلى خدمة جديدة ابتكرتها ريضال عبر الرسائل النصية بغية مزيد من التحصيل. والغريب أيضا أن العاملين بمركز الاستقبال يكتفون حسب شهادة أحد الزبناء بالتعبير عن أسفهم والتأكيد أن الشكاية ستتم دراستها بجدية : متى؟؟ كيف ؟؟ هذا لا يهم. والهدف من هذا التماطل هو إرغام الزبون على الاتصال أكثر من مرة طبعا من أجل جني مزيد من الأرباح عبر وساطة المركز الهاتفي الذي لا يبخل أهله في جواب الزبون طالبين منه من جديد رقم بطاقته وعنوانه، مستفسرين من جديد عن المشكلة بدعوى أن من استقبل الشكاية في المرة الأولى ليس هو الشخص نفسه، وحين تشتد أعصاب الزبون يوجه إلى من يسمونه المسؤول فتارة توفيق وتارة خالد وهلم جرا. يقول العاملون في هذا المركز الهاتفي حسب شهادات الزبناء إن الأمر يتعلق بشركة مناولة تتعامل مع مؤسسة ريضال، وأن مهمتها تقتصر في استقبال الشكايات والإخبار بها، وأنهم لا يعرفون متى ستعالج الشكاية لأن الأمر يتعلق بشركة تقنية أخرى. طيب، لنتصور أن المواطن المتضرر من سوء الخدمة يتوفر على أدوية في "ثلاجته" ولا شك أن كل مواطن يتعرض للضرر بسبب فساد الأطعمة المخزنة لديه. في حين لا تخجل العاملات في المركز الهاتفي من إخبار الزبون أنه سبق له أن وقع على عقد يلزمه بالانتظار 24 ساعة، إذا كان لم يؤد فاتورته الشهرية لأي سبب من الأسباب.. وهذا عنوان آخر لإذلال المواطن. تقول العاملة للزبون : إنك شخص منضبط في الأداء، بل ومميز لدينا لأنك تؤدي بأسلوب التسبيق أحيانا، ونعتبر أن الخطأ الحاصل تسبب فيه التقني وسنعمل على حل المشكلة في الحين . يقول الزبون : وكان "في الحين" عندهم هو سبع ساعات من الانتظار وضياع الوقت وفساد الأطعمة والأدوية وما إلى ذلك، لكنه يشكر ريضال لأنها وجهته وجهة جديدة سيؤدي عنها بعض الدريهمات الجديدة، وهي الإخبار عبر الرسائل النصية في الهاتف. شيء آخر قاله هذا الزبون هو أن التقنيين العاملين في الجهة الأخرى لهم احتيالاتهم وطرقهم ليستفيدوا من غنيمة اقتطاع التزويد، وأن الموزعين للفواتير هم شباب صغار السن يجولون في الأحياء لتوزيع الفاتورات ولا يهم هل توصل بها الزبون أم لا. وتضيع الحكاية بين ما نحن عليه وما أصبح عليه الحال في جهات أخرى حيث التزويد بالكهرباء ضرورة اجتماعية وأمنية وتنموية وخدمة ضرورية للمواطن.. أما هنا فهو أداء وربح ومعاملات تجارية.. وإلى أن يحظى الزبون بحسن المعاملة... تضيع الحكاية.