محمد وحي تحتل الإبل مكانة هامة عند أهل الصحراء, فهي جزء من تراثهم وثقافتهم, وتعد مصدرا للرزق ورمزا للوجاهة والقوة, ومنبعا للفخر ووسيلة للتنقل والترحال والحرث وعتاد للحرب. ومرد هذه المكانة تأقلم الإبل مع المجال الصحراوي وصبرها وقوة تحملها وقيمتها الإنتاجية والغذائية كأحد مصادر اللحوم والحليب والوبر والجلد, فضلا عن كونها تتمتع بطبائع هادئة وذات ذكاء متميز. ولا غرابة في أن تتبوأ الإبل, وهي سفينة الصحراء وذاكرتها, هذه المكانة سيما وأنها توفر لمالكها مكانة اجتماعية مرموقة بين أهله وعشيرته, وهي التي يقال عنها "إن ملكت أغنت, وإن سابقت أعزت, وإن وصفت لمرض أشفت, وإن تعرض راعيها لخطر داهم دافعت, وإن هوجم من بعيد أنذرت". ومما يزيد من هذه الحظوة حضور الإبل الوازن في وجدان المجتمع الصحراوي, فهي مهر العروس وعقيقة المولود وفدية لتعويض المتضررين, كما "تعد أعلى مرتبة الكرم بالصحراء, فإذا ما نحر الرجل لضيفه بعيرا اعتبر ذلك قمة الكرم والإكرام". وأبرز الباحث في التراث الأدبي والجمالي الصحراوي السيد إبراهيم الحيسن أن أهل الصحراء يقيمون علاقة حميمية مع الجمل, لدرجة أنهم يعتبرونه كأحد أفراد عائلتهم, يتألمون لألمه ويحزنون إذا أصيب بمرض أو مات. وعلاقة الإنسان الصحراوي بالإبل قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ, فهي رفيقة له في حله وترحاله وقيل عنها "إذا خاف صاحبها اضطربت, وإذا شعرت بحاجة أهلها للرحيل خوفا من خطر قادم شنفت آذانها ومدت أعناقها تتحسس مصدر الخطر وأحيانا تجدها تنذر أهلها بالخطر والرحيل قبل وقوعه فيدرك صاحبها أن هناك عدو قادم فيستعد له". ومن مظاهر إكرام هذا الحيوان, الذي له مكانة خاصة في حياة البداوة عامة والإنسان الصحراوي على وجه الخصوص, يقول السيد الحيسن, في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء, "إن الجمل إذا مات لا يلقى برأسه في الأرض, بل يوضع فوق شجرة وهي دلالة على سموه ورفعته ومكانته". وأضاف أن "الحسانيين يحبون إبلهم بشكل طقوسي واسع, يعشقونها كعشقهم للمرأة والشاي والمكان, ويتغنون بها ويمجدونها في أشعارهم ويهونون أنفسهم دفاعا عنها ويضربون بها الأمثال في الغيرة والثأر وعدم نسيان الإساءة والصبر وحب الوطن والخبرة في الأرض والهداية للطريق وبدوره, أبرز مدير مركز الدراسات والأبحاث الحسانية السيد الطالب بويا لعتيك, في تصريح مماثل, أن "الجمل ظل رديفا للإنسان الصحراوي في جميع مراحل حياته حتى في مدنيته الحديثة, فهو لا يزال يستعملها في المهور وفي الولائم, وهذا يدل على ذلك الترابط المتين الذي يربط بينهما". وأضاف أن "الإنسان الصحراوي عانق جمله كصديق ومؤنس يحاجيه أحيانا ويسائله ويكرمه أحايين أخرى وأحيانا يطلق عليه من الأسماء ما لم يطلقه على أبنائه نظرا للعلاقة التي تربطه وإياه". وقال "إن الإبل تدخلت في حياة الإنسان الصحراوي بشكل أساسي وفي كل شيء في رحلاته وأفراحه وأحزانه وكل مناحي حياته ألبسها أيما حلة وأجمل الحلل بشعره الحساني الطروب, مدحه فقايضه بأشياء ثمينة من أجل الحصول عليه". ولم يقتصر دور الإبل على الجانب الوظيفي فقط بل شكلت جزءا من الموروث الثقافي الصحراوي, ورمزا من رموز الثقافة المحلية وأحد ملامحها الحضارية والبيئية التي تحظى بقيمة كبيرة لدى أهل الصحراء. كما تبوأت بحضورها الدائم في المخيال الشعبي محورا اساسيا في العادات والتقاليد التي تستمد جذورها من الثقافة الصحراوية وكذا في التعبيرات الأدبية التي تحفل بصور دقيقة عن الجمل وتنقل واقعا يتجاوز دوره الوظيفي إلى العلاقة الودودة بينه وبين الإنسان الصحراوي. ولعل ذلك ما أبرز السيد الحيسن, بهذا الخصوص, من أن الجمل بهذا المعنى, "يشكل كتلة من الرموز التي تحيل إلى نمط خاص من تفكير ومخيال إنسان الصحراء, وتعكس طبيعة انتمائه إلى المكان وعلاقته مع الحيوان, وخاصة الجمل الذي أعطاه قيمة كبيرة واعتنى به واهتم بكل أموره حتى تكون بينهما ترابط متين وعلاقة حميمية عميقة المبنى والمعنى". ويقدر عدد الإبل بجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء بنحو 63 ألف رأس وهو ما يشكل قرابة 45 بالمائة من عدد قطيع الإبل على الصعيد الوطني بعد أن كان هذا العدد لا يتجاوز ثلاثة آلاف رأس سنة 1976.ويضطلع هذا القطاع بدور أساسي ومحوري بالنظر لمكانته التاريخية وما يرتبط به من أنشطة في حياة السكان الذين وجدوا في هذا القطاع مزودا أساسيا لحاجياتهم من اللحوم والحليب والوبر والجلود.