الجيدة اللبيك يأتي هذا الموضوع تلبية لنداء ينبع منذ الصغر و يتدفق من الأعماق، ووفاء لحب ينبعث من الماضي ليشع في كل الآفاق ، يأتي هذا الركن استجابة إلى حنين لكل ما ميز الحياة في الصحراء تراكم في الفكر والوجدان ونحت وتجدر في أعماق الروح متجاوزا الأجساد والأبدان، يأتي هذا الموضوع تجسيدا لإرتباط مع كل مكون من مكونات الثقافة الصحراوية قد يعود إلى الأزل وقد يستمر إلى الأبد. ...لأنني قررت وأنا المزدادة بالجنينات بالحمادة (حمادة تيندوف) في فريك أهل الكوري , خيام محمد عبد الرحمن ولد الكوري ولد الدخيل المعروف أنذاك بحمين والذي كان من أكبر ملاكي الإبل في الصحراء ، قررت بعد أن عدت إلى أحضان الصحراء أن أساهم في سبر أغوار ثقافة الصحراء وأشارك في إبراز مميزاتها وإشهار إيجابياتها وفي نفس الوقت الوقوف عند الجوانب التي لم تعد صالحة لا للزمان ولا للمكان لتسليط الضوء عليها بهدف تصحيحها أو إستأصالها بأمان . يأتي هذا الموضوع من أجل تحليل وتدوين أهم مظاهر وتجليات الثقافة الحسانية ورصد تمثلات المرأة والأدوار التى كانت تقوم بها هذه المرأة في زمن البداوة والتغيرات التي لحقت بهذه الأدوار وهذه التمثلات وبحياة المجتمع بصفة عامة بعد الإستقرار. ولمقارنة الماضي بالحاضروالتطلع إلى المستقبل قررت أن أعتمد في كل ما يتعلق بالماضي وحياة البداوة والترحال على ذاكرة المسنين والمسنات الذين يعتبرون مراجع حية وثمينة ونادرة ومهددة بالإنقراض لأن الكثير من معطيات الماضي غير موثقة بسبب كون الثقافة الحسانية هي ثقافة شفاهية . أما فيما يتعلق بالحاضر والمستقبل فسأعتمد على آراء وتصورات نفس المسنين والمسنات الذين يعتبرون حلقة وصل متينة وأساسية بين الماضي والحاضر وأن أعتمد على الواقع المعاش وعلى شهادة جيل لم يعش في الصحراء غير أن تنشئته تمت على أيدي أناس عاشوا وترعرعوا فيها وتأثروا تأثرا كبيرا بمكونات ثقافتها.كما أنني سأستثمر مجموعة من البحوث الميدانية الاستكشافية التي تم إنجازها من طرف مجموعة من الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية لنيل الإجازة أو الدكتوراه تناولوا فيها حياة المجتمع الحساني عاداته تقاليده ما تغير منها وما صمد بعد الإنتقال من نمط العيش كبدو في الصحراء إلى نمط الإستقرار في المدن. تمثلات المجتمع الحساني للمرأة رغم ما يعرف عن المجتمع الحساني من تكريم للمرأة واحترام لها ورغم ما تمتعت به هذه المرأة من اهتمام وامتيازات وحرية واكتسبته من حقوق في مختلف مراحل عمرها وفي مجالات شتى، ورغم ما تتمتع به حاليا من حضور وقوة شخصية إلا أن تمثلات هذا المجتمع لهذه المرأة طبعتها مجموعة من التناقضات في الماضي والحاضر تتجلى في بعض الأقوال المأثورة وبعض الأمثلة الشعبية وبعض المعتقدات المتعلقة بالمرأة ، وتجدر الإشارة أن موقف المجتمع من المرأة ورغم التشابه في الكثير من الحالات يختلف من قبيلة لأخرى وقد يختلف حسب مناطق الحل والترحال في الصحراء . 1) - تمثلات تشير إلى النظرة الإيجابية للمرأة : ويستدل بها على أهمية دورها ويمنها وإحترام المجتمع لها وذلك تماشيا مع ما وهبه الإسلام للمرأة من إمتيازات يستدلون عليها بأحاديث نبوية شريفة ومن أمثلة ذلك تكرارهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم" لايكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم " " النساء شقائق الرجال "النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم " " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " وبالإضافة إلى الأحاديث النبوية هناك أقوال مأثورة " لعليات عمايم لجواد وانعايل لكلاب " أي أن الكرماء يضعون المرأة فوق رؤوسهم واللئاء يدوسون عليها بأقدامهم "إلى كان السبع يكتل حتى السبعة تكتل " أي إذا كان الأسد يقتل فإن اللبؤة تقتل أيضا ألا كصاصي ولا نواصي ولا ديكة من ديكات لعرب " أي أن الدنيا تقبل عليك لواحد من هذه الأسباب كصاصي جمع كصة أي زوجة مباركة أو نواصي أي الخيل أو ديكة من ديكات لعرب أي أن تشن حربا على قبيلة أو قبائل وتسلبها ما لديها من مال وإبل وغير ذلك. و من السلوكيات الدالة على إحترام الأنثى في المجتمع الحساني الاحترام والمعاملة الخاصة التي كان يحظى بها من رزقه الله بالبنات فكانت تعطى له الأولوية في الهبات والصدقات والزكاة إذا كان معوزا بل ويؤمن المجتمع أن إحسانه لبناته وحسن تربيته لهن يدخله الجنة . كما كان تحمل الأسرة التلقائي لمسؤولية ابنتها المطلقة أو الأرملة ومسؤولية أطفالها يضمن لها ولهم عيشا كريما معززين مكرمين . 2) - تمثلات تشير إلى النظرة السلبية للمرأة : ومن أمثلة الواردة في الموضوع : أزين أرايهم يروح لصدرة فيها لفعة " أي أحسن رأي أو نصح أو نصيحة تسديها النساء لأحد يذهب إلى شجرة فيها أفعى ما يعني أنهم يعتقدون أن هذا الرأي أو النصيحة لن تعود بخير أكيد أي أنهم يتوقعون نتيجة سلبية لرأيها ولنصيحتها كل جنية وراها ولية ":أي كل جناية تكون وراءها إمرأة كل بلية سبتنها ولية "أي كل بلاء تكون المسببة فيه إمرأة .ويعتبرون أن الزوجة مشؤومة إذا أصاب الزوج عوز أو إفلاس أو لم تتحسن حالته المادية بعد زواجه منها "ألا كصيصتها ". كما أنهم لا يحبون المرأة كثيرة الخروج والتنقل بقولهم : " أرزق لمرة تحت كايمتها ورزق الراجل تحت كدمو " أي أن رزق المرأة يأتيها وهي جالسة أما الرجل فعليه أن يسعى لكسب رزقه كما يتداولون عبارة " الحرة لا تسري " وكان البعض في بعض القبائل يتشائم من رؤية المرأة في الصباح الباكر كما كان منهم من يتشائم من قدوم إمراة إلى خيمته في الفترة الممتدة بين العصر وغروب الشمس أي ما يعرف عند الحسانيين ب " لمسا " وكان على الفتاة في المجتمع الحساني أن تتصف بالكثير من الحياء والرصانة ويتجلى ذلك في المثل الحساني :" ايموت السارك ما تكلمت العزبة " ويجب كما قالت إحدى النسوة أن تكون "نكطة أودك " أي تلازم مكانها وأن لا تكون كثيرة الحركة . " لودك : يؤخذ سنام الجمل أو الناقة ويفرم قطعا صغيرة ويرفع على نار هادئة حتى يذوب ما به من شحوم ويصفى وعندما يبرد يصبح كالمتجمد وعندما تسكب منه قطرة وهو لا يزال ساخنا في مكان ما تلتصق به ولا تتحرك بعد أن تبرد ". كيف يستقبل الحسانيون منتهم (إبنتهم) : لا شك أن نمط العيش الذي كان يعتمد على الرعي والترحال والذي أدى إلى تثمين الأدوار المنوطة بالرجل كتأمين الماء والمرعى وحماية الفريك والخيام بالسلاح إن اقتضى الحال قد خلق نوعا من التمييز بين الذكر والأنثى خاصة وأن الذكر يحمل اسم العائلة وبالتالي يضمن استمرارها كما أنه يمثل نوعا من التأمين لكل أسرته: أبويه عند الكبر وإخوته الصغار وأخواته . وتجدر الإشارة أن العادات والتقاليد والطقوس الخاصة بإستقبال كل من الذكر والأنثى قد تختلف من قبيلة لأخرى ومن منطقة لأخرى في الصحراء. ويتجلى التمييز بين الذكر والأنثى في مرحلة البداوة في طريقة استقبال كل واحد منهما. فإذا كانت ولادة الذكر تعلن بالزغاريد وبطلقات البارود ويكشى بالذبائح أو النحائر كما تذبح الذبائح وقد تنحر النحائر يوم عقيقته فإن الصمت الذي يخيم بعد وضع الحامل دليل على أن القادمة أنثى وغالبا لاتكشى وقد تسمى بلبسيس وللمولودة الأوفر حضا تذبح ذبيحة يوم عقيقتها. وإذا كان والد الذكر يبشر ب " مبروك أنزدت بخيمة" فإن والد الطفلة يتعرض للإستهزاء ويقال : "فلان ندمغ " أو" طاحت عليه نوالة" وإذا كانت أم الذكر تكافىء بأحسن الوجبات تيدكيت - الدهن - لبن النوق تعمد نسوة لفريك أحيانا إلى إغاظة أم المولودة الأنثى لإحداث صدمة نفسية تؤدي حسب اعتقادهم إلى قلب بطنها في الحمل القادم أي لتنجب طفلا ذكرا في الحمل الموالي فيفاجئنها أحيانا بطبق مليئ بفضلات الإبل وبإشاعة مفادها أن زوجها قد تزوج عليها أو طلقها . ومن النساء من تستطيع تحمل هذه المقالب ومنهن من تشعر بالغبن والظلم فتنهار باكية . وإذا كانت أخت المولود الذكر التي سبقته تكافئ بتثبيت جديلة أو جديلة في مقدمة شعرها وتسمى " الفراحة " فإن أخت المولودة الأنثى قد تعاقب أحيانا بطلاء شعرها بروث البهائم حتى لاتتكرر ولادة أخت لها أي لا تتكرر ولادة أنثى . ويمنح للطفلة المولودة اسما يدل على عدم الرغبة في أنثى أخرى مثل توفة تصغر بتويفة التالية وتصغر بالتويلية ويزانة . ويتجلى التمييز في نوع وقيمة المكافئة التي تحصل عليها مولدة أم الذكر ومولدة أم الأنثى . كما يظهر التمييز في نوع التمائم التي تعلق للمولودين وفي الممارسات التي تقوم بها أم الذكر وأم الأنثى ومنها مثلا منع إخراج المولود الذكر من خيمة أهله قبل أن يتم الأربعين يوما من عمره في بعض القبائل وجمع ما يسمى بكلادة ليشير للطفل عند إتمامه الأربعين يوما وتعرف بأجرجور وتتكون من الخرز والكبريت والقليل من شعره وغير ذلك من الأشياء التي يعتقد أنها تقيه من العين والحسد ومن الخافيين أو المدركين أي الجان والشياطين. وبما ان هذا التمييز كان يعود إلى نمط العيش وإلى الوسط وتحدياته فإن موقف المجتمع من الأنثى قد عرف الكثير من التغيير بعد إستقراره في الحضر. و تغيرت نظرة المجتمع للفتاة لعدة أسباب منها : - االإستغناء عن القوة العضلية التي كانت ضرورية لعدد من الأنشطة كجلب الماء وسقي الإبل - توقف الحروب " الشرور أي غزي " بين القبائل وقد كانت تحتاج إلى رجال متمرسين في الحروب والقتال والرماية - الإنتقال من البادية للمدينة وقد كانت الحياة في البادية تحتاج إلى شجاعة الرجل وقدرته على المغامرة بالسفر مسافات بعيدة وعبور مناطق شاسعة وخالية في الليل وفي النهار. - استفادة الفتاة من التعليم و تحقيقها نجاحا أوصلها إلى عالم العمل والوظيفة وجعلها تنافس الولد في تحمل المسؤولية المادية والمعنوية لأسرتها 7تفشي ظاهرة الانحراف والمخدرات والفشل الدراسي والامتناع عن متابعة الدراسة بنسبة عالية بين الذكور أدى إلى خيبة أمل بعض الآباء والأمهات في أبناءهم . - ظهور الأسرة النووية وإصرار العديد من العرائس (زوجة الابن)على لعزيل أي الإستقلال عن منزل أهل لعريس أدى إلى فقدان بعض الآباء والأمهات الأمل في قضاء ما تبقى من عمرهم تحت جناح إبنهم . ونظرا لهذه الأسباب وغيرها أصبحت الفتاة تستقبل بنفس الحفاوة التي يستقبل بها الذكر إن لم نقل أكثر وأصبح المجتمع يتأسف لأم لم تنجب بنتا واحدة على الأقل تحسبا لتقلبات الدهر وضعف ووهن سن الشيخوخة وأصبح المجتمع يكررهذه المقولة: "أللي ما عندو لمنات مايعرف حد أينت مات ".