عندما تتحول الحكومة إلى أداة لجباية الضرائب فقط تكون قد فقدت كل خصائص ومقومات الحكومة ناهيك عن حكومة تتميز بصلاحيات واسعة وفق الدستور الجديد. فلا غرابة أن يخرج علينا بنكيران رئيس الحكومة مبتهجا بجمع ثلاثة ملايير من الضرائب، لكن عن طريق الحجز على الحسابات الخاصة مما أثر سلبا على السيولة النقدية في الأبناك وأثر سلبا على الاستثمار. ولا يوجد شيء أسهل على الحكومات من أن تجبي الضرائب لكن جبي الضرائب إذا لم يرافقه إنتاج للثروة فإنه يثقل كاهل المواطن مهما كان مستواه ويقتل مستواه المعيشي. فالحكومة الجابية حكومة قاتلة وهي تذكرنا بحكومات الأزمنة الخالية، يوم كانت حكومة المركز تنام طوال الشتاء والربيع وتخرج عند الصيف لتجمع "حقها" من الغلال بعد أن يكون الفلاحون والمزارعون قد تبعوا طوال السنة، وتجمع ما تيسر لها من قمح وشعير وزيتون ومحاصيل عديدة وتعود للمركز وتضع ذلك في مخازين دون أن تصرف دينارا واحدا على البنيات. فالطريقة التي تسير بها حكومة بنكيران هي طريقة الحكومات القديمة. فلا يعقل أن ينام بنكيران على جنب الراحة طوال العام ويخرج بعد ذلك شاهرا سيف الضرائب في وجه الجميع، متوعدا بقطع الرؤوس التي قد أينعت، مهددا الموظفين وأرباب المال والأعمال، وهي حركات قد أخافت الجميع ممن ربطوا أحزمتهم وجمعوا حوائجهم استعدادا ليوم الملحمة الذي أعلنه بنكيران. فلو كانت الحكومة على قدر من النباهة منذ تنصيبها لما اضطرت أن تتحول إلى حكومة جابية لإنقاذ نفسها من الإفلاس الظاهر. فما هي حدود المسؤولية المباشرة للحكومة في الأزمة الاقتصادية؟ كيف تسببت في الانهيار الاقتصادي الذي وضعنا في الخطر؟ لو فكرت الحكومة في الإنتاج وأبدعت في ذلك هل كنا في حاجة إلى الاقتراض الضخم من صندوق النقد الدولي؟ فمن المسؤول عن الانهيار الاقتصادي؟ وما هي مسؤولية الحكومة المباشرة في ذلك؟ تتحمل الحكومة المسؤولية المباشرة في الانهيار الاقتصادي لأنها لا تتوفر على منهجية واضحة في التسيير الحكومي. فلكل حكومة منهجية في التسيير وأول ما تعمل الحكومة عليه هو المنهجية في التسيير وعلى ضوئها تتفاعل الحكومة مع المستجدات ومع الأزمات، غير أن حكومة بنكيران تبين منذ اليوم الأول أنها حكومة مظاهر براقة في غياب تام لتصور واضح للعمل الحكومي "من الخيمة خرج مايل". لقد تسببت الحكومة في ضعف الاستثمار وساهمت الهجمات اللفظية العنيفة التي قادها بنكيران ووزراؤه وعداؤهم للمال والأعمال إلى فرار كمية محترمة من رؤوس الأموال خوفا من أن تطالها يد العبث. وساهمت الحكومة مباشرة في الانهيار الاقتصادي لأنها حكومة تجريب لا احتراف فيها، ولم تتمكن من إخراج أي مشروع إلى حيز الوجود، بل أصبحت معروفة اليوم بأنها حكومة جباية الضرائب. إن بنكيران يريد فقط جمع الثروة من جيوب المواطنين. لقد سمعنا خطابا تسطيحيا للأمور المالية وفهما منحطا للدورة الاقتصادية ذات الأبعاد المتداخلة والمعقدة، وشاهدنا حسابات لا علاقة لها بالمعادلات وفك الألغاز. كنا ننتظر من بنكيران أن يتحدث عن أساليب الحكومة لإنتاج الثروة حتى تتجاوز العجز لكن بنكيران عمل على جمع الثروة من جيوب المواطنين، ويفتخر اليوم بأنه جمع ثلاثة ملايير درهم. وبعدها قرر إضافة مجموعة من الضرائب في قانون المالية الجديد. وما على المغاربة سوى الاستعداد لأيام سوداء مع سيوف الجباة الجدد. إن تحول حكومة بنكيران إلى حكومة جابية هو دليل إفلاس، وإعلان واضح عن أن وعود الحكومة لم تكن حقيقية وأن برنامجها غير واقعي.