حدد جلالة الملك في خطابه أمام نواب ومستشاري الأمة، في إطار افتتاح الدورة التشريعية الحالية، المعالم الاستراتيجية التي ينبغي أن يسير عليها البرلمان معارضة وأغلبية، وحمل الخطاب لوما ضمنيا للطرفين لأن اهتمامات البرلمانيين الحالية ليست في مستوى المنزلة التي يحتلها في الدستور الجديد. حيث قال جلالته "علاوة على المنزلة الرفيعة التي يحظى بها في الصرح المؤسسي الدستوري٬ فإنه أضحى مصدرا وحيدا للتشريع، الذي اتسع مجاله". كما أن البرلمان أصبحت له اختصاصات كبرى في إقرار عدد كبير من القوانين التنظيمية، الهادفة إلى تفعيل مقتضيات الدستور الجديد٬ خصوصا ما يتعلق بمواده الأكثر حساسية واستراتيجية. لكن هذه المنزلة التي أصبح يحتلها البرلمان وهذا التقدم الديمقراطي الوازن يقتضي متطلبات جديدة. كما أن ترجمته على أرض الواقع وتحقيق الجدوى منه٬ لن يتسنى بدون المزيد من البذل والعطاء والتحلي بقدر عال من الوعي والتعبئة وإنكار الذات. وهو ما يقتضي القطيعة مع الممارسات المتجاوزة والتطوير الجذري للممارسة البرلمانية. ودعا جلالة الملك "البرلمان إلى الانكباب على بلورة مدونة أخلاقية ذات بعد قانوني٬ تقوم على ترسيخ قيم الوطنية وإيثار الصالح العام٬ والمسؤولية والنزاهة٬ والالتزام بالمشاركة الكاملة والفعلية٬ في جميع أشغال البرلمان٬ واحترام الوضع القانوني للمعارضة البرلمانية ولحقوقها الدستورية على أن يكون هدفكم الأسمى جعل البرلمان فضاء للحوار البناء ومدرسة للنخب السياسية بامتياز. فضاء أكثر مصداقية وجاذبية٬ من شأنه أن يحقق المصالحة مع كل من أصيب بخيبة الأمل في العمل السياسي وجدواه في تدبير الشأن العام". خارطة الطريق واضحة بدايتها القطع مع ممارسات الماضي والتي ضيعت علينا وقتا كثيرا، وبدل الانكباب على القضايا الجوهرية قضت الأحزاب الوقت في "التهارش" وتبادل الاتهامات. فالمواطن غير معني بالصراعات الحزبية بل معني بأغلبية حكومية تضع المشاريع وتنفذها وتنزل برنامجها على أرض الواقع، ومعني بمعارضة تراقب العمل الحكومي وتقترح البدائل الضرورية. حكومة تسير الشأن العام ومعارضة تحرس على تدبير الشأن العام. ومن شأن هذا التزاوج أن يضمن الحكامة الجيدة في العمل الحكومي أما ما عدا ذلك فمجرد بوليميك "خاوي" لا يسمن ولا يغني من أزمة. لقد سبق لجلالة لملك أن لام السلطة التنفيذية في المجلس الوزاري الذي انعقد بوجدة داعيا الوزراء وعلى رأسهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى التشمير عن السواعد والعمل الجاد على تنزيل البرنامج الحكومي، وكانت حينها الخلافات بين أحزاب التحالف الحكومي بلغت حدتها، حتى تناست الحكومة الهدف الذي من أجله جرت الانتخابات وتناست أنها قدمت برنامجا حكوميا عليها الالتزام به وتفرغت لتصفية الحسابات بينها. واليوم عاد جلالة الملك لينبه الأحزاب البرلمانية أن دورها ليس هو قضاء جل الوقت أو كله في الصراعات وتصفية الحسابات الضيقة وخدمة المصالح الحزبية الضيقة بدل خدمة الصالح العام. وهي المرة الثانية التي يعيد فيها الملك باعتباره الحكم الأسمى الأمور إلى نصابها. وكما يقول المغاربة فإن "الثالثة هي شريعة النبي"، ورغم تعدد مدلولاتها فإنها عند المغاربة تحمل معنى أن المرة الثالثة لن يكون هناك تنبيه. فهل ستكون المرة الثالثة هي لحظة إقالة الحكومة إن لم تكف عن غيها؟