بداية لا أرى أبدا مبررا للتدخل العنيف الذي واجهت به القوات العمومية المتظاهرين في منطقة سباتة في الدارالبيضاء. ما الداعي لهذا التدخل الذي لن يكون في مصلحة أحد؟ وما هي مبررات الذين أعطوا التعليمات ؟ لماذا إذن كل هذا العنف؟ ومن هي الجهة التي تراهن على التصعيد كي تفرض علينا سيناريوهات بلدان عربية لطالما انتقدناها حكومة وشعبا. رجاء يا حكماء المغرب أوقفوا عنا هذا العبث لأنه لن يكون في مصلحة البلد الذي يقول أنه راهن على الاصلاح، وأطلق مسلسلا للمشاورات من أجل دستور ينتقل بنا إلى مصاف الدول الديموقراطية. لماذا إذن العبث بكل القيم والنضالات التي سطرها المغرب والمغاربة؟. يا حكماء المغرب لن تجدوا جهة في العالم، سواء كانت مدنية أو رسمية، تقبل أعذاركم للتعامل مع أجساد عزلاء بكل هذا العنف. رجاء اعطوني عذرا واحدا لتلك الصورة التي نرى فيها امرأة وطفلها وهما عرضة لآلة البطش . رجاء اعطوني عذرا واحدا لتلك الصورة التي ظهر فيها شاب يافع وهو يتلقى أنواع الضرب والاهانات والاصرار على إلحاق الأذى به. رجاء قولوا لي سببا واحدا كي أقوله بدوري لمن يسألني عن هذا العنف. واحذروا أن تقولوا لي أن العدل والاحسان والنهج سيطرا على عقول الشباب الأبرياء. لأنني لن أكرر هذا الكلام كالببغاء أمام صحفي أو ناشط حقوقي أو سياسي يسألني عن كل هذا العنف. ورجاء أيضا لا تقولوا لي إن التظاهرات خرجت دون ترخيص. لنصدق حكاية أن العدل والاحسان والنهج أو اليسار المتطرف سرقا أحلامنا بمغرب ديموقراطي، مغرب الكرامة والحرية. هل يشفع لكم هذا في أن تنكلوا بمتظاهرين بكل هذا العنف ثم هل علينا أن نكون سواسية في الافكار ويكفي أن أجسادنا سواسية أمام بطشكم. برافو لقد نجحتم في أن تتصدر الصحافة الدولية والقنوات صور هذا العنف. إن التعليل أن الجماعة والنهج حولا مسار الحركة لأجندتهما الخاصة، تعليل مردود عليه. هل يعني أن الشباب الذين رفعوا شعار «يسقط الفساد» وشعار محاكمة المفسدين، وشعار الفصل بين السلطات، وشعار الملكية البرلمانية شباب بدون أجندة: أم أن المرأة أو العامل الذي يرفع صوته عاليا بغلاء المعيشة شعار بدون أجندة: بئس التعليل. ولنفرض أن التطرف التقى مع العدمية، هل نلغيهم من جسدنا المغربي، ماذا مثلا هل نلقي بهم إلى البحر، أو نشنقهم في الساحات العمومية حتى يرتاح الحكماء من قومنا. إن الوضع يقتضي تدبير هذا الاختلاف بالحكمة وليس بالهراوة وبمنظر يبعث على الاشمئزاز. ثم ما هذا الاصرار العربي على إخراج أجهزة أمنية والدفع بها إلى الشارع. وانتم الذين تحبون المقارنة بفرنسا، هل سبق لكم أن رأيتم الشرطة الفرنسية تتواجه مع المتظاهرين. في كل الدول الديموقراطية هناك جهاز من مهامه الحفاظ على النظام بزيه المعروف هو الذي يخرج للشارع وليس أسلاك الشرطة المختلفة مدججة بالهراوات تخرج للشارع لتكسر أضلاع المتظاهرين. رجاء لا تقولوا لي ها الجارة الاسبانية نكلت هي الاخرى بالمتظاهرين. قد تقولون إن التظاهرات لم يكن مرخصا لها، طيب هل هذا حرام على جهة وحلال على أخرى بغض النظر إن قالوا يسقط الفساد أو تسقط حركة 20 فبراير أو المخربون حسب تعبيركم. فالكل خرج يتظاهر دون ترخيص ويجب أن يواجه بنفس الأسلوب. إنه المغرب بجذوره الضاربة في التاريخ الذي كان سباقا لعدة ملاحم. لماذا تصرون على نسخ تجارب بئيسة بإظهار اشخاص يدعون أنهم ملكيون أكثر من الآخرين. ثم ألا يستدعي ما صرح به عادل الديوري حول المراجعة الضريبية بخلفية سياسية فتح تحقيق قضائي إذا كنا فعلا دولة حق وقانون. ما الفرق بين ما صرح به المواطن عادل الديوري وما صرح به أو كتبه المواطن رشيد نيني؟ أي نعم قد تكون الحركة انجرت إلى شعارات لا تتوافق مع أغلبية الشعب المغربي، قد تكون أخطأت حينما أصرت على نقل الاحتجاجات إلى المناطق الشعبية. ولكن لا تصلحوا هذا الخطأ بكسر ضلوع الوطن. اتركوا الشعب يقرر لوحده مع من مثلما قرر أنه مع الموسيقى والفن، وحج بالآلاف المؤلفة ليستمتع بيوسف اسلام وشاكيرا وعبد الوهاب الدكالي. ألا يستدعي ما نسمعه من فرض موازين أتاوات على الشركات، فتح تحقيق قضائي للوقوف على الحقيقة دون أن يمس هذا السلوك بالحق في الموسيقى والفن وأن الرباط ومدن المغرب في حاجة لأكثر من مهرجان واحد. أخاف أن نكون مرة أخرى قد ضيعنا هذه الفرصة التاريخية لإنضاج نقاش عمومي حول شكل المغرب الذي نريد ليس كلنا ولكن أغلبيتنا. لأنه يستحيل أن نلبي رغبات الجميع. إنها فرصة الضربة الأخيرة من أجل مناقشة كل القضايا، وليس فقط الاصلاحات الدستورية، والسياسية والانتخابات بل ايضا شروط المواطنة وكل مظاهر المدنية. كنت أتمنى أن يفتح النقاش على مصراعيه حتى تتوضح المسؤوليات والحقوق. كنت أتمنى من حركة 20 فبراير أن تفتح ورشا للنقاش حول قضايا أساسية مثل قيمة التطوع والخدمات والمدرسة العمومية والعمل الخيري، لأننا لا نحتاج فقط إلى دستور جديد بقدر ما أن الحاجة ماسة أيضا إلى تعاقد جديد يزكي المواطنة الحقة. ومع ذلك قد أختلف مع الحركة ولكن غير مسموح لي أن أرفع شاقورا وأهددهم. وهذا هو المطلوب من الدولة الديموقراطية أن تدبر هذا الاختلاف دون المس بالسلامة الجسدية لأحد. تعبنا من هذا المسلسل المغربي الطويل الأمد. تعبنا من النقاش حول الاصلاحات الدستورية، فألمانيا يحكمها دستور تسميه قانونا أساسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولا حديث عن اصلاحات دستورية أو قانون انتخابي أو عتبة أو لوائح أو بطاقات انتخابية. ألم تتعبوا من هذا النقاش؟. مازلنا نناقش انتخابات 1963 ونتائجها في حين أن أوربا الشرقية أسقطت نظاما مهترئا قبل أكثر من 20 سنة وتنتخب ، وبعد أسبوع ينتهي الحديث عن الانتخابات. أما في وطننا العزيز فما زلنا نناقش التقسيم الاداري لسنة 77 وانتخابات 83 واستحقاقات 2002. ما هذا العبث؟ لا يوجد شكل واحد للإصلاح وليس بالضرورة أن يكون على شاكلة مصر وتونس أو رومانيا، تذكروا أعزكم الله دولة كان اسمها تشيكوسلوفاكيا، اجتمع قادتها على حفل عشاء وفرقوها دون أن تسيل قطرة دم واحد. وهما الان من أقوى دول أوروبا الشرقية سابقا. دعونا نؤسس لمغربنا بملكيته الضاربة في التاريخ وبوطن ديمقراطي، حداثي، تعددي. فالوطن أكبر من الجميع.