إسبانيا تمنح مستثمري القطاع الخاص حصة الأغلبية في « البنك السيئ » في سياق سعي دول “الأزمة الأوروبية” الخروج من تعثرها، أعلن وزير الاقتصاد الإسباني لويس دي جويندوس أمس أن المستثمرين من القطاع الخاص سيستحوذون على حصة نسبتها 55%، فيما يطلق عليه “البنك السيئ” الذي ستنشئه إسبانيا للأصول العقارية المجمدة بينما ستمتلك الدولة الحصة الباقية. من جانبها، تتعرض اليونان لضغوط لتوضيح استقطاعات الإنفاق العام وزيادة الضرائب وإصلاحات هيكلية تبلغ قيمتها 3٫5 مليار يورو (4٫5 مليار دولار) للدائنين الدوليين قبل أن تتمكن من الحصول على شريحتها التالية من قروض الطوارئ. وكانت الحكومة الإسبانية قد قررت خلال غشت الماضي إنشاء كيان لإدارة الأصول يتولى بيع الأصول العقارية المعدومة المتراكمة خلال فترة الطفرة العقارية السابقة في البلاد والتي أصبحت تمثل عبئاً على البنوك. وتمتلك البنوك الإسبانية ما يقدر بنحو 180 مليار يورو (230 مليار دولار) في شكل أصول عقارية حقيقية معدومة في شكل منازل وأراض وقروض. وقال دي جويندوس، وزير الاقتصاد، أمام البرلمان، إن إدارة البنك السيئ الذي من المقرر أن يبدأ نشاطه في ديسمبر المقبل ستديره شركة إدارية مستقلة. وأعدت الحكومة خطط لإنشاء البنك السيئ في محاولة لتأمين الحصول على ما يصل إلى 100 مليار يورو كانت “منطقة اليورو” تعهدت بها لمساعدة البنوك الإسبانية المتعثرة. وتقدر شركة استشارية حالياً احتياجات البنوك بنحو 54 مليار يورو فقط بينما لا تتوقع الحكومة أن تزيد هذه الاحتياجات على 40 مليار يورو. غير أن مؤسسة “موديز” العالمية للتصنيف الائتماني قالت إن إسبانيا قد تكون في حاجة لأكثر من 100 مليار يورو. من المتوقع أن تبدأ البنوك الإسبانية الحصول على أموال “منطقة اليورو” خلال نوفمبر بعد موافقة المفوضية الأوروبية على خططها لإعادة الهيكلة. وتحاول إسبانيا إثبات متانة قطاعها المصرفي في محاولة لطمأنة أسواق المال وتفادي طلب حزمة إنقاذ كاملة. وفي أثينا، عقد وزير المالية يانيس ستورناراس، مهندس حزمة التقشف المقترحة البالغ قيمتها 13٫5 مليار يورو محادثات مع مبعوثين للمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي “الترويكا”. وقالت تقارير إعلامية إن مسؤولي “الترويكا” أثاروا اعتراضات بشأن مبلغ 1٫5 مليار يورو لاستقطاعات الإنفاق لعام 2013 وبالأساس من إصلاحات في مجالات الصحة والدفاع والقطاع الحكومي. كما أثار الدائنون الدوليون مخاوف بشأن ملياري يورو قيمة إجراءات لعام 2014 تتعلق بالضرائب بشكل أساسي. وتتعرض أثينا لانتقادات بسبب تأجيل نطاق من الإصلاحات الهيكلية، يشمل تحرير المهن المغلقة وتحرير أسواق السلع والخدمات والطاقة وإنشاء كيان جديد لإدارة المشتريات الحكومية. كما تضغط “الترويكا” من أجل عملية تسريح ضخمة في القطاع العام وتنظيم كامل لسوق العمل بما فيها خفض الحد الأدنى للأجور وزيادة أسبوع العمل من خمسة إلى ستة أيام. ازمة الديون وجدت أسبانيا نفسها مؤخرا في بؤرة أزمة الديون الأوروبية ، إذ كبدت المخاوف بشأن الاقتصاد الأسباني بورصات البلاد خسائر فادحة وارتفعت عائدات السندات الحكومية الأسبانية لتتجاوز "منطقة الخطر" بواقع 6 في المائة وازدادت ضراوة الاضطرابات والاحتجاجات الداخلية على خفض الانفاق الذي اوصت به ميزانية البلاد لعام 2013. وأشار المحللون إلى أن أزمة الديون الأوروبية ، التي هدأت حدتها بعدما طرح البنك المركزي الأوروبي برنامج المعاملات النقدية الحاسم (أو أم تي) لشراء السندات السيادية لبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي وإطلاق المرحلة الثالثة من سياسة التيسير الكمي في الولاياتالمتحدة، ما زالت تشكل في الوقت الراهن أكبر حجرة عثرة في طريق نمو الاقتصاد العالمي نظرا لوجود مشكلات عالقة عدة قد يتعذر حلها على المدى القصير. وفي ضوء تتأجج أزمة الديون في أسبانيا منذ سبتمبر الماضي، قال نيكولاس فيرون الباحث الكبير بمعهد "بروجل" للأبحاث الاقتصادية في بروكسل إن الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية بأسبانيا ترجع إلى سببين، أولهما اضطراب الوضع في البلاد مؤخرا وتعالى الأصوات المعارضة لخفض الانفاق وفقدان المستثمرين للثقة في سوق أسبانيا مع عدم وضوح اتجاه سياسة الحكومة الأسبانية ، وثانيهما صدور بيان مشترك لوزراء خارجية ألمانيا وهولندا وفنلندا حول فرض قيود على الأغراض التي ستستخدم فيها أموال الانقاذ المتاحة في اطار آلية الاستقرار الأوروبية (إى أس أم) التي تعد أداة الانقاذ المستقبلية لمنطقة اليورو، ما جعل حصول أسبانيا على أى مساعدة مستقبلا أمرا يكتنفه الكثير من الغموض. ورأى المحللون أن المطالبة بحزمة إنقاذ كاملة من الاتحاد الأوروبي يعد أمرا حتميا لأسبانيا مع أخذ الوضع الاقتصادي وأعباء الديون في أسبانيا في الاعتبار . وتوقع بنك (باركليز) البريطاني أن تتقدم أسبانيا بطلب رسمي بذلك في منتصف أكتوبر الجاري قبل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي . غير أن المسؤولين الأسبان كشفوا أن الحكومة الأسبانية اتخذت موقفا متمثلا في "تأجيل" طلب المساعدة وعمدت إلى تطبيق إصلاحات وتنفيذ إجراءات بشأن خفض الإنفاق بدلا من طلب حزمة إنقاذ. وأعرب تشن شين، مدير مكتب الأبحاث بمعهد الشؤون الأوروبية التابع لأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية ، عن اعتقاده بأن الخطة التي طرحتها أسبانيا مؤخرا لخفض الإنفاق تهدف في المقام الأول إلى اختبار السوق. وقال إن الحكومة الأسبانية تعتزم حاليا تجنب طلب المساعدة بشأن الديون السيادية ولكن نتيجة ذلك تعتمد في النهاية على تغير الأوضاع . وبوجه عام، فأن أزمة الديون الأوروبية لم تجتز بعد أسوأ مرحلة بسبب عوامل الاضطراب العديدة. وقال الخبراء إن تأجيل الحكومة الأسبانية لطلب المساعدة ليس سوى إجراء مؤقت للتعامل مع السوق. إذ انها تراقب في حقيقة الأمر وضع الاقتصاد الألماني الذي إذا ما ظهرت عليه علامات تدهور من ناحية وعمل البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى على تغيير سياستهما الصارمة بشأن الإنفاق ، فسوف تجد أسبانيا نفسها في وضع مميز ومرن خلال مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي . كما يرجع تأجيل طلب المساعدة إلى رغبة أسبانيا في كسب الوقت لتنسيق موقفها مع الحكومة الإيطالية لتتم المساومة بشكل مشترك. المزيد من التقشف وقد وضحت الحكومة الأسبانية تفاصيل ميزانية 2013 للبرلمان في 27 سبتمبر الماضي، فقد ركزت الميزانية على خفض الانفاق العام بدلا من زيادة الضرائب، وبلغ سقف الانفاق العام 126.8 مليار يورو (163.7 مليار دولار أمريكى)، بزيادة نسبتها 9.2 فى المائة عن العام الماضى، ولكن عند استبعاد تكلفة فوائد الديون والاسهام المالي في نظام الرعاية الاجتماعية ، سوف ينخفض سقف الانفاق بواقع 6.6 في المائة. وذكرت الحكومة الأسبانية أنها استطاعت تحقيق هدفها بأن تصل بالعجز في عام 2012 إلى 6.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وحددت هدفي عامي 2013 و2014 وهما 4.5 و2.8 في المائة على التوالي. وفى الوقت نفسه، هناك ثمة آفاق قاتمة تحوم حول الاقتصاد الأسباني ، اذ أن البنك الأسباني أصدر احصائيات في 14 سبتمبر الماضى تفيد بأن الدين العام لأسبانيا تجاوز 800 ميار يورو (1028.6 دولار أمريكي)، ليسجل بذلك ارتفاعا قياسيا تاريخيا بلغت نسبته 75.9 فى المائة لاجمالي الناتج المحلي في البلاد. كما وصلت نسبة الديون المعدومة للمؤسسات التجارية الأسبانية فى يوليو الماضي إلى ارتفاع قياسي وقدره 9.86 في المائة. وتقف الحكومة الأسبانية الآن أمام معضلة وحيرة ما بين التقشف والتنمية. ويبدو واضحا الآن أن الحكومة الأسبانية تميل إلى التقشف. وفى هذا الصدد، يرى غراووى أن هذه السياسة ستفضى إلى مشكلات خطيرة، إذ أنها ستؤدى إلى "انهيار" الاقتصاد الأسباني وخفض حاد للضرائب، وبالتالى عدم قدرتها على تحقيق هدفها في خفض العجز. ولكنه أشار أيضا إلى أن الحكومة الأسبانية ليست الجهة الوحيدة التي تحمل على عاتقها كل المسؤولية، لأن الزعماء الأوروبيين والمفوضية الأوروبية هم من فرضوا ضغوطا على أسبانيا لتعمل نحو تطبيق سياسات تقشف قاسية. وقال فيرون لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن العديد من المشكلات تجاوزت قدرة الحكومة الأسبانية ، ومن ثم هناك حاجة إلى حلها على مستوى الاتحاد الأوروبي ، مثل الاتحادين المالي والمصرفي وما أشبه ذلك، وهذا يتطلب من الاتحاد الأوروبي وضع إطار خاص لسياساته.حسابات عامة مثيرة للقلق احالت الحكومة الاسبانية السبت على البرلمان مشروع موازنة تقشفية للعام 2013 ترمي الى "تجاوز الازمة"، لكن سوء وضع المصارف يلقي بثقله على الحسابات العامة الامر الذي يدفع الدين العام الى الارتفاع ويزيد العجز. ويكثف مشروع الموازنة الذي تبناه مجلس الوزراء الخميس، من الاقتطاعات المالية لجمع 39 مليار يورو، في حين تضغط السوق لكي يتقدم البلد، رابع اقتصاد في منطقة اليورو، بطلب انقاذ مالي. واوضح وزير الموازنة كريستوبال مونتورو في مؤتمر صحافي ان "الموازنة يجب ان تشكل رافعة لتجاوز الازمة واعادة الثقة باسبانيا"، لان "مهمة الحكومة هي تبديد المخاوف حيال اسبانيا". واضاف ان مشروع الموازنة "يجب ان يفتح طريق النمو ويؤمن فرص عمل في بلدنا" الغارق في انكماش والذي يعاني من معدل البطالة الاكثر ارتفاعا في العالم الصناعي (24,63 بالمئة). وبحسب البيان الذي وزعته الوزارة، فان تقديمات البطالة ستنخفض خصوصا بنسبة 6,3 بالمئة. وستخفض موازنات الوزارات بما معدله 8,9 بالمئة، وستتراجع موازنة الصناعة بواقع 21,3 بالمئة ووزارة الزراعة بواقع 25,4 بالمئة ووزارة التربية والثقافة والرياضة بنسبة 17,2 بالمئة. وسيتم اشراك العائلة المالكة ايضا في هذه الاجراءات مع خفض موازنتها بنسبة 4 بالمئة. لكن البيان يكشف ايضا ان وضع المصارف الاسبانية التي ضعفت منذ اندلاع ازمة الرهنيات العقارية في العام 2008، يلقي بثقله على الحسابات العامة في اسبانيا. وهكذا تمت مراجعة عجز العام 2011 الذي تم تقديره في الاساس بنسبة 8,9 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي، ليصل الى 9,44 بالمئة، ثم سيبلغ 7,4 بالمئة في 2012، بينما تعهدت مدريد حيال شركائها الاوروبيين بخفض هذا العجز الى 6,3 بالمئة هذه السنة. ومراجعة تقديرات العجز التي دلت على زيادة هذين الرقمين ناجمة عن المساعدات العامة التي قدمت للمصارف التي تاثرت بازمة الرهنيات العقارية في 2008، كما اوضح الوزير. لكن هذه المساعدات "لم تؤخذ في الاعتبار اثناء احتساب العجز المفرط" الذي توقعه الاتحاد الاوروبي لان "هذه المساعدات هي مساعدات عامة تعهدت المصارف بردها"، كما اكد الوزير، في حين سيتعين على اسبانيا قريبا ان تقدم هذه الارقام الى المعهد الاوروبي للاحصاء "يوروستات". وفي ما يتعلق بالعام 2012، تعتبر الحكومة بالتالي انها ستحقق هدفها المتمثل بعجز عام من 6,3 بالمئة كما وعدت في بروسكل. ويعاني البلد من مشكلة مصداقية حيال الاسواق بعد فشل في تحقيق هدفه للعام 2011 الذي كان محددا بنسبة 6 بالمئة. وقد تلقى القطاع المصرفي الاسباني حتى الان مليارات اليورو من المساعدات الحكومية وسيستفيد ايضا من خط ائتمان من منطقة اليورو. وحصل على وعد في حزيران/يونيو بان هذا الخط سيصل الى 100 مليار يورو، لكن مدريد واستنادا الى عملية تدقيق حسابات مستقلة اعتبرت الجمعة ان القطاع قد لا يطلب سوى 40 مليارا تقريبا. وهذا القرض من منطقة اليورو سيؤدي ايضا الى ارتفاع الدين العام في البلد : ففي حين انهت اسبانيا العام 2011 على مستوى منخفض نسبيا داخل الاتحاد الاوروبي (68,5 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي)، فان الدين العام سيبلغ 85,3 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي في نهاية 2012 ثم 90,5 بالمئة في 2013، وهي ارقام اعلى بكثير من التوقعات السابقة. وتوقعت اسبانيا حتى الان ديونا تصل الى نسبة 79,8 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي في 2012 ثم 82,3 بالمئة في 2013. وستعود حاجات تمويل اسبانيا الى الارتفاع بعدما انخفضت في السنتين الاخيرتين. وتراهن الحكومة على حاجات تمويل اجمالية بقيمة 207,173 مليارات يورو في 2012 (48,020 مليار يورو صافية من دون احتساب دور الاصدارات السابقة). وبالنسبة الى العام 2011، فقد تم تحديد الحاجات الاجمالية ب86 مليار يورو (36 مليارا صافية).